رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا راحت فى الوباء


ربنا كبير. ومن دلائل قدرته أن ما توقعه، أو تمنّاه، عملاء، عبيد، وغلمان أردوغان، لمصر، حدث فى تركيا، التى وصلت إلى قائمة الدول العشر الأولى فى عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد، بعد أن كانت القنوات التليفزيونية الموالية للنظام التركى تستضيف «علماء»، أو مَن تصفهم بأنهم كذلك، ليؤكدوا أن جينات الأتراك «مُحصَّنة» ضد الفيروس!

كنا قد انتهينا، أمس، إلى أن كثيرين ينتظرون، يتوقعون، أو يتمنون، أن يبلغ الوباء، أو السواد، ذروته، خلال شهر أبريل، ليبدأ بعدها فى الانحسار وتتزايد مساحات البياض. وأشرنا إلى أنه بات فى حكم المؤكد أن هذا الشهر سيكون أكثر الشهور قسوة وسوادًا فى تاريخ تركيا، بسبب الأخطاء الكارثية التى ارتكبها نظام رجب طيب أردوغان، وتعامله بالرعونة المعتادة، أو بالغباء المستحكم المعهود، مع تفشى الوباء فى بلاده.

السلطات التركية ظلت تلقى القبض على أى مواطن يبلغ عن إصابة بالفيروس. ولم تعلن عن أول إصابة بالفيروس إلا فى ١٠ مارس الماضى. ويومها، قال فخر الدين قوجة، وزير الصحة التركى، إن «كورونا ليس أقوى من التدابير التى اتخذناها، وإصابة شخص به لا تمثل خطرًا، فقد تم عزله ومن ثم لا يوجد تهديد بالنسبة للمجتمع». لكن قبل مرور يومين، طالب المذكور الشعب التركى بالصمود لمدة شهرين، ما أثار علامات استفهام حول «الطمأنينة» التى ظل يتحدث بها منذ ظهر الفيروس فى المنطقة وحتى ظهور أول إصابة داخل تركيا، التى تسارع بعدها معدل الإصابات والوفيات بالوتيرة نفسها التى تفشى بها الوباء فى إيران وإيطاليا. ومع استمرار زحف الفيروس القاتل، اعترف قوجة فى خطاب تليفزيونى بأن الوباء منتشر فى كل أنحاء تركيا. ثم طالب، لاحقًا، باتخاذ إجراءات أشد صرامة لمواجهته!.

بعد فوات الأوان، أو قبل فواته بقليل، دعا الرئيس التركى المواطنين إلى تطبيق «الحجر الصحى الطوعى»، وعدم مغادرة منازلهم إلا من أجل الاحتياجات الأساسية والطارئة. وأغلق المدارس والجامعات ومنع صلاة الجماعة. فى حين استمرت الأعمال كما هى، الأمر الذى ترك نافذة لفيروس كورونا لكى يتسلل منها. كما أن الرحلات الجوية من تركيا، وإليها، لم تتوقف إلا ليل الجمعة، مع ملامسة حصيلة الوفيات رقم ١٠٠ واقتراب عدد المصابين من ستة آلاف. ثم أخذت الأعداد تتزايد بشكل حاد، لتصل حصيلة الوفيات، يوم الثلاثاء، إلى ٢١٤، ويتجاوز عدد المصابين ١٣ ألفًا و٥٠٠ حالة، مع اقتراب المعدل اليومى للإصابات من ٣ آلاف.

هذا ما تقوله الأرقام الرسمية، وهو طبعًا محل شك. ليس فقط لأن نظام أردوغان يكذب ويتلاعب بالأرقام كما يتنفس، ولكن أيضًا لأن السلطات الرسمية أقرت بأن أجهزة الاختبار التى استوردتها من شركات صينية «لم تكن دقيقة». والإشارة هنا مهمة إلى أن تركيا، التى يزيد عدد سكانها على ٨٠ مليونًا، استقبلت حوالى ١٥ مليون زائر، منذ بداية العام الجارى إلى الجمعة الماضى، يوم اتخاذ الرئيس التركى قرار إيقاف رحلات الطيران.

وزارة الداخلية التركية قررت، الإثنين، فرض حجر صحى كامل على ٣٩ منطقة مختلفة فى ١٨ ولاية «من أصل ٨١ ولاية»، لمنع تفشى الوباء، إلا أنها لم تلتفت إلى مناشدة أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، بفرض حظر جزئى. مع أن الأخير عرض رسمًا بيانيًا يوضح أن عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل النقل العام، تضاعف ثلاث مرات من يوم الأحد إلى الإثنين. وكتب فى حسابه على تويتر أن «عدم فرض تطبيق التباعد الاجتماعى يشكل خطرًا هائلًا فى هذا الوقت الذى تتصاعد فيه أعداد حالات كوفيد-١٩ فى تركيا».

الصورة قاتمة، بل شديدة القتامة. وبالنظر إلى معدل الإصابات، يتوقع هالوك كوكوجراس، أستاذ الأمراض المعدية بجامعة إسطنبول، أن تتجاوز تركيا إيطاليا فى غضون أسبوعين، مشددًا على «الحاجة الماسة لحظر تجول تام على مستوى البلاد». وقال زيكى كيليساسلان، الأستاذ فى كلية الطب بالجامعة نفسها، إن الوباء «خرج عن نطاق السيطرة»، وتوقع أن يصبح عدد الوفيات مماثلًا لما شهدته إيطاليا أو إسبانيا فى وقت قريب. والشىء نفسه توقعه إمراح إلتينديس، الأستاذ فى كلية بوسطن للطب. والثلاثة، وكثيرون غيرهم، أجمعوا على أن تركيا تأخرت كثيرًا فى التعامل مع الوباء، وتجرى اختبارات أقل من العدد المطلوب.

تركيا التى تتأرجح، جغرافيًا وسياسيًا، بين آسيا وأوروبا، قد تواجه مصير إيران، إحدى البؤر الرئيسية لتفشى الفيروس فى آسيا، وقد تتجاوز إيطاليا وإسبانيا، البلدين الأوروبيين الأكثر تضررًا من الوباء. ومع ذلك يصر الرئيس التركى، كعادته، على المقامرة بأرواح الأتراك، ويواصل تعامله مع تفشى الوباء بالرعونة المعتادة، أو بالغباء المستحكم المعهود. بينما عملاؤه، عبيده، أو غلمانه مستمرون فى التطبيل له، وإطلاق الشائعات ضد مصر.