رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد بركة: القصة مثل القبلة لا يمكن تعلمها عبر النصائح النظرية

الكاتب محمد بركة
الكاتب محمد بركة

بدأ الكاتب محمد بركة مشواره الأدبي في الكتابة كمحاولة لإبهار بنت الجيران٬ ثم لإبهار أصدقاؤه٬ مؤكدا علي أن"القراءة هى خير معلم أما التنظير والقواعد المجردة فهى معلم فاشل٬ وأن القصة مثل القبلة بين العاشقين لا يمكن تعلمها عبر النصائح النظرية. "الدستور" حاورته حول فن القصة القصيرة٬ ملامحه وآفاق مستقبله وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا اللون الأدبي.
ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
كانت قراءاتي الأولى تمضى بالتوازي مع بداياتي الأولى في مزاولة هذا الفن المراوغ الماكر. قرأت عددا من أشهر المجموعات القصصية ليوسف إدريس بداية من مجموعته " أرخص ليالى " وليس انتهاء بمجموعته " العتب على النظر " مرورا بـ " لغة الآى آى " و" أليس كذلك " و" اقتلها " حتى رواياته كانت تبدو لى بكثافتها وحيوتها وإيقاعها السريع اللاهث مثل قصة طالت بعض الشيء، كما هو الحال مثلا في " البيضاء " و" نيويورك 80 ". سريعا ما ودعت حدة ونزق وسخرية وغضب الدراما في قصص العم يوسف. كان الأمر يشبه قصة حب واعدة بحرارة بداياتها ثم سرعان ما حل الفتور والتوقع بفعل قانون الألفة !

ــ ما الذي لفتك إلي الاهتمام بالقصة القصيرة ؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها ؟
لفتني أنها أقرب الأشكال التعبيرية لما يجول في صدري من تأمل وحزن وأشواق، بما أن محاولاتنا في الشعر كمراهقين انتهت إلى الفشل المعتاد، كما أن كتابة الخواطر كانت تبدو لي آنذاك سخيفة ولا تليق إلا بالتافهين رغم أنني لم أكن كنت قد تجاوزت المرحلة الإعدادية ! بدأت كتابتي كمحاولة لإبهار بنت الجيران ثم لإبهار أصدقائي الذين كنت أتحداهم أن يحددوا أى موضوع يخطر ببالهم وسوف أكتب عنه قصة قصيرة فورية في التو والحال ! بعضهم حاول أن يعجزني فطلب مني قصة حول الطاقة النووية، وبعد عشر دقائق أعطيته قصة قصيرة جدا عن عالم توصل لاكتشاف مذهل في معمله بعد سنوات طويلة من البحث !

ــ هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرائق كتابته ؟
حاولت، وأذكر أنني اشتريت مجلدا ضخما في هذا السياق لناقد قديم يدعى د. سيد حامد النساج. كانت تجربة فاشلة تعلمت منها أن القراءة هى خير معلم أما التنظير والقواعد المجردة فهى معلم فاشل ! القصة مثل القبلة بين العاشقين لا يمكن تعلمها عبر النصائح النظرية. لابد من القراءة والممارسة. أيضا أتذكر أنني اشتريت مجلدا ضخما أصدرته الهيئة العامة للكتاب لجمال الغيطاني في بداية التسعينيات يضم كل ما كتبه الرجل في هذا الفن وكانت تجربة بائسة فقد فوجئت بمدى الافتعال والذهنية والبرود التي تحط على النصوص !

ــ ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي ؟ هل يتعلق الأمر بحالتك النفسية أم بطبيعة الموضوع الذي تعالجه ؟ أم أن إمكانية النشر هي التي توجهك إلي هذا الإختيار ؟
أنت هنا تسألين في منطقة غامضة جدا حتى بالنسبة للمبدع نفسه. في مجموعتي القصصية " عشيقة جدي " الصادرة قبل عامين عن هيئة الكتاب كنت مأخوذا للغاية بنموذج الأنوثة في الريف وكيف يكتشف مراهقو القرية رجولتهم على يد حسناء تعاني من التخلف العقلي بدرجة ما. كتب قصة قصيرة ثم توالت القصص الأخرى. أعتقد أن الموضوع هو الذي يختار شكله الفني، هذه الحقيقة مهما بدا هذا القول مجرد " كليشيه " سائد في الأسواق.

ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب ؟ ومن قارئك ؟
هى مثلى لا تملك أهدافا عليا أو تستهدف توصيل رسائل سامية. لا أتمثل القارئ فهو ليس الباشا الثري الذي أعمل عنده بستانيا ويجب أن تعجبه الأشجار التي أزرعها. أسكب ما في قلبي على الورق بشغف وحرارة وليذهب المتلقى والناشر إلى الجحيم ! هذه هى كتابة القلب، لكن هذا لا يمنع أنني عند المراجعة والتصحيح التي أسميها كتابة العقل قد أغير في عبارة أو مفردة من أجل الدقة في توصيل المعنى.

ــ ما مدي الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدى القصص القصيرة ؟ وهل تواجه أحيانا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا ؟
في عام 1994 نظمت جريدة " أخبار الأدب " أول مسابقة للقصة القصيرة على مستوى الجمهورية وفازت قصتي " أبو بخيت " التي تجاوز عدد كلماتها الألفي كلمة. القصة استغرقت عدة أيام في كتابتها ثم أسابيع في مراجعتها وقد صدرت ضمن مجموعتي القصصية الأولى " كوميديا الانسجام " عام 1999. باستثناء تلك القصة لا تستغرق القصة عندى أكثر من ساعة وكثيرا ما أنتهى في وقت أقل من ذلك للغاية. يتوقف الأمر على مساحة النص، ومعظم نصوصي القصصية تتجاوز بالكاد صفحة كتاب.

ــ هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة ؟ مثل ماذا ؟
إلى حد ما، مثل البداية الساخنة المفاجئة والمفارقة والحس الساخر والرصد السينمائي وكأن كاميرا تجوب المكان كما تجوب الروح الإنسانية.
ــ هل تهتم في كل قصة قصيرة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة إلي الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
لا أتعمد هذا إطلاقا، القصدية تفسد الفن. هذا الذي يسمى " مغزى " يليق بي أن أتناوله في مقال صحفي مباشر. القصة والأدب عموما أكثر رهافة وحساسية.

ــ كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة ؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية ؟
انفعالي حين يصل إلى الدرجة القصوى من السيولة لينسكب على الورق هو الذي يحدد حسب الموقف الدرامي واللحظة الفنية.

ــ هل تعين الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركها بلا تعيين ؟
ربما الزمان يكون مفتوحا في المطلق، أما المكان فمهم بالنسبة لي إبراز ملامحه. المكان بطل أساسي في قصصي وليس مجرد إطار للحدث. كثير من نصوصي كتبتها بسبب وقوعي تحت سحر مكان ما من ملاحات دمياط الجديدة حتى غابات وبحيرات إيطاليا.

ــ إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلي غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث هذا ؟ ولماذا ؟
انصرفت إلى حد ما، فلم أعد أكتب هذا الفن إلا أكتب القصة إلا في أوقات الفراغ. حدث منذ عامين أو ثلاث. صارت الرواية بمثابة عمل شاق والقصة هى الهواية ولحظات الترويح المختلسة. السبب أنني أكثر ميلا لفكرة " المشروع " الإبداعي الذي تحتويه الرواية وليس الومضات السريعة العابرة. يبدو إنها لعنة الأربعين

ــ كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي ؟  
لست متفائلا. أعتقد أن هذا الفن في طريقه للاندثار ونحن نشهد حاليا مؤشرات. أرجو ألا يغضب كلامي هذا الأصدقاء وأتمنى بالفعل أن أكون مخطئا.