رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خواطر محجوز قسريا [1]


كان الحديث عن كورونا حتى منتصف مارس 2020 يبدو وكأنه لا يخصنا، وكان الإعلاميون عندنا يتكلمون عنه بمنتهى الرومانسية، كان، ككل الأخبار التي نقرأ عنها في الصين والكوارث في أمريكا بسبب الأعصار، لا تهمنا.
وعندما تم الإعلان عن سوء الأحوال الجوية لم نشعر باكتراث، لأن مدينتنا في وسط الصعيد لا تتأثر بسوء الأحوال الجوية، تتأثر فقط مدن الشمال القريبة من البحر، وفجأة ظهرت وزيرة الصحة وأعلنت أن فيروس كورونا قادم لا محالة، وفجأة سادت حالة من البلبلة والذعر بين الناس وتزاحموا على الصيدليات والمراكز التجارية التي تبيع الكمامات والكحول والكلور والكولونيات المعقمة، التي ينصح باستخدامها في هذه الايام للوقاية من هذا الوباء.
وبدأن نمارس الكسل والجلوس الطويل أمام أجهزة الكمبيوتر، وبدأت استقبل ألاف النصائح من أصدقائي، كلها تنصح بعدم الخروج من البيت، وبدأت أجهزة التليفزيون في كل المحطات تتحدث عن كورونا، وبدأ كل ضيوف برامج التليفزيون يمارسون سياسة الوعظ والنصح، وكيفية غسيل اليد، وكأننا لم نغسل أيدينا من قبل، كما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً رحباً لمن يريد ان يتحدث عن هذا الوباء.
وظهرت تحذيرات من خطورة المصافحة، عندنا في الصعيد، صعب أن تقابل جارك أو صديقك أو قريبك ولا تصافحه، وخصوصا لو مد يده. لو رفضت مصافحته، فأنت أصبحت عدو له من تلك اللحظة. ولكن ربنا ستر، ولم اصافح أحد في رحلتي لشراء مستلزمات البيت من السوبر ماركت.
وبدأنا نشعر بالهلع الحقيقي من الشارع والأشياء التي نحضرها معنا، ومن يحضرون لنا الخبز واللبن وباعة الخضروات والفاكهة. وعندما دخلت استوفتني ابنتي عند الباب وطلبت أن اخلع الحذاء خارج باب المنزل، واغسل يدي لمدة 40 ثانية بالصابون، ثم اعقمها بماء الكلور. وبدأ الحديث عن الفئات المعرضة للعدوى، وقال المذيع: "أخواننا كبار السن يجب ان يلتزموا ولا يخرجوا:. وكأننا لا ننتمي إليه، وأصبحنا نحن كبار السن مصدر العدوى للبلد كلها. وكان ينقصه أن يطلب عزلنا في مكان بعيد.
والغريب أن التليفزيون وجد نفسه فجأة أمام أعلى نسبة مشاهدة عن أي وقت مضي، كل المصريين محتجزين إجباريا أمام التليفزيون. لكنه لم يكن مستعدًا. وأصبح كل إعلامي لديه طبيب قريب أو صديق يستدعيه ليتحدث كخبير، وكان بعض الأطباء يتحدثون تماما كما يتحدث الخبراء الأمنيون أثناء موجة الإرهاب، الله لا يعيدها. وأعلنت وزارة الثقافة أنها ستتحف المشاهدين بإذاعة أوبريت الليلة الكبيرة، أما القنوات الأخرى فلا حديث لها سوي أخبار كورونا في كل دول العالم، عشرات التحليلات وعشرات التقارير، ومراسلين يتحدثون يبثون الرعب، وأحتفل التليفزيون المصري بخلو الشوارع في القاهرة والمحافظات. وكان المذيعون بعضهم يرتدي كمامة، مع أنه في منطقة خالية تمام في الناس.
تمنيت أن يستغل رؤساء المدن في كل المدن المصرية فترة الحظر لإصلاح شوارعنا، وعمل الصيانة لها، خصوصا في مدينتنا بوسط الصعيد، حيث تتراكم الأتربة وتتوافر المطبات في كل الشوارع.
وفي حين ان الكثيرين قد تحدثوا عنه بعقلانية من ناحية طبية وعلمية واقعية، وحذروا من خطورته من غير مبالغة وأرشدوا إلى طرق الوقاية منه، الا أن الكثيرين اخذوا يعظون كثيرا في هذا الموضوع دون خبرة ودراية، وقد كثرت الوصفات العلاجية غير المستندة الى أسانيد علمية، كما سن إخواننا السلفيون أسنان اقلامهم، وأسهبوا في الحديث عن الصين التي تقتل المسلمين وتحجر على عباداتهم. وقرأت تعليق "الله يمهل ولا يهمل هذا حصاد ما جنته ايديهم والله ليس بظلام للعبيد“. وازداد هيجناهم عندما أعلن شيخ الأزهر ووزير الأوقاف أغلاق المساجد حتى لا تحدث العدوي، وقال أحدهم "من علامات الساعة منع الصلاة في المساجد".
الغريب أن الناس استجابت طواعية، والتزمت بالبيوت.