رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لجان «المافيا» الإلكترونية!


المجرمون يتعاملون مع أى كارثة على أنها فرصة أو «موسم»، والانخفاض الكبير فى السلوك الإجرامى الشائع، الذى شهدته عدة دول، قابله ارتفاع أكبر فى عدد الجرائم غير الشائعة، أو المستحدثة، وتزايدت جرائم الاحتيال، عبر الإنترنت، على نطاق واسع فى غالبية دول العالم، لكن، لأسباب لا نعرفها، خدعوك فقالوا، أو «قرطسوك» فزعموا، أن المافيا الإيطالية تبرعت بمليارات، تحديدًا ٧ مليارات دولار، لدعم جهود بلادها فى التصدى لفيروس كورونا المستجد!.
مجلس قادة الشرطة الوطنية البريطانية قال إن الوباء «يمكن أن يُخرج أسوأ ما فى الإنسان». وحذرت وكالة مكافحة الجريمة الوطنية، فى بريطانيا أيضًا، من أن المجرمين «يستهدفون الأشخاص الذين يسعون لشراء الإمدادات الطبية عبر الإنترنت ويرسلون رسائل عبر البريد الإلكترونى تقدم دعمًا طبيًا مزيفًا وتحتال على الأضعف أو الأكثر شعورًا بالعزلة فى منازلهم». وذكرت الشرطة الألمانية أن مجرمى الإنترنت يستغلون مخاوف المواطنين من الوباء فى عملياتهم الاحتيالية. وبعد أن أعلن كارل نيهايمر، وزير الداخلية النمساوى، عن انخفاض عمليات السطو والسرقة، استدرك بأن نسبة الجرائم الإلكترونية تزايدت بشكل ملحوظ.
فى الدنمارك، تعهدت الحكومة بفرض عقوبات قاسية على اللصوص الذين يتظاهرون بأنهم يعملون فى الرعاية الصحية. وحذّرت الشرطة الدنماركية المواطنين، أيضًا، من اللصوص الذين يضعون أقنعة واقية ويزعمون أنهم يقومون بإجراء فحص لفيروس كورونا من أجل سرقة المنازل، خاصة تلك التى يعيش فيها مسنون. كما ذكرت وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول»، فى تقرير، أن المحتالين استطاعوا، بمنتهى السرعة، تكييف مخططات الاحتيال المعروفة، للاستفادة من المخاوف التى تراود الضحايا خلال تفشى الوباء.
إجمالًا، يمكننا استنتاج أو استخلاص أن الصعوبة التى واجهها المجرمون فى ممارسة أنشطتهم التقليدية جعلتهم يغيرون تلك الأنشطة أو يبتكرون حيلًا جديدة. وعليه، لم يكن غريبًا أن تعلن منظمة الصحة العالمية عن زيادة عمليات الاحتيال باستخدام اسمها عبر البريد الإلكترونى، لسرقة أموال المستخدمين أو معلوماتهم الحساسة.
الأمر يختلف بالنسبة لعصابات الجريمة المنظمة أو عصابات المافيا، التى لها أنشطة محددة، أبرزها الابتزاز للحصول على «أموال الحماية»، والقتل بأجر، والتجارة فى المخدرات، السلاح، والدعارة و.... و.... غيرها من الأنشطة التى لا تتحقق إلا بفرض السيطرة، وبالتزام أعضائها بالقسم، الذى يضع الولاء للمنظمة وزعيمها فوق الأخلاق، فوق الحقيقة وفوق الدولة. والالتزام أيضًا بـ«ميثاق شرف» أهم بنوده كتمان السر أو مبدأ الصمت.
حفاظًا على مبادئها، والتزامًا بميثاق «شرفها»، لم تلتفت عصابات المافيا الإيطالية إلى أن بلادها هى الدولة الأكثر تضررًا من الوباء، ولم تتبرع للدولة، كما أشاع من خدعوك أو حاولوا «قرطستك». بل العكس تمامًا هو ما حدث، وتنافست عصابة «ندرانجيتا» التى تعد الأقوى دوليًا مع نظيرتها «كازا نوسترا» على استغلال الوضع الحالى للتوسع وزعزعة النظام السياسى. كما استغلت السلطات الإيطالية حظر التجوال، المفروض بسبب الوباء، وقامت شرطة إقليم «كالابريا» بإلقاء القبض على عدد من أخطر عناصر العصابة الأولى.
هناك، أيضًا، مخاوف من أن تتوجّه الشركات الصغيرة التى تعانى ماديًا، بسبب الأزمة، إلى المافيا لإنقاذها. وتحت عنوان «الكوكايين وكورونا: كيف يضغط الوباء على مجموعات الجريمة الإيطالية؟» نشر «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد»، الثلاثاء الماضى، تقريرًا، نقل فيه عن خبراء أن عصابات الجريمة المنظمة تحاول الاستفادة من الأزمة لتعويض خسائرها بسبب الانكماش الاقتصادى فى البلاد. ورجّح التقرير أن تتمكن تلك العصابات من العمل فى ظل الإجراءات الصارمة، التى اتخذتها السلطات الإيطالية.
شائعة تبرع المافيا الإيطالية، إذن، لا يمكن تفسيرها، منطقيًا، إلا بوجود لجان إلكترونية تعمل لحسابها، أو متعاطفة معها. والأرجح، هو أن تلك اللجان استلهمت تلك الشائعة، من الخطوة الاضطرارية التى أقدمت عليها مافيا تهريب المخدرات فى البرازيل، التى رأت أن السلطات تراخت فى حماية السكان من خطر تفشى الوباء، بعد تزايد حالات الإصابة، فأعلنت أنها ستفرض سيطرتها على كل شوارع البرازيل، بالقوة، إذا لم تستطع الحكومة فعل ذلك. وبالفعل، قامت بعض العصابات بفرض حظر التجوال فى مدينة ريو دى جانيرو، يبدأ فى الثامنة مساءً، وتوعدت بتأديب كل من تراه فى الشارع بعد هذا الوقت.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مصمم الأزياء الإيطالى الشهير جورجيو أرمانى، لم يتبرع بكل ثروته كما أشيع، ولم يغير نشاط مصانعه إلى إنتاج الكمامات، كما قيل. وكل ما حدث، وما نشرته جريدة كورييرى ديلا سيرا، أكبر الصحف الإيطالية، وأكثرها توزيعًا، هو أن «مجموعة أرمانى» تبرعت بمليون و٢٥٠ ألف يورو، تم توزيعها على خمس جهات: مستشفيى لويجى ساكو وسان رفايلى والمعهد الوطنى للسرطان فى ميلانو ومعهد سبالنزانى للأمراض المعدية فى روما، ولدعم نشاط الحماية المدنية فى حالات الطوارئ الناتجة عن فيروس كورونا المستجد.