رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

١٠ نقاط على حروف إدارة أزمة «كورونا»



الأولى: أن العالم يخوض حربًا ضد «جائحة كورونا»، يعتمد فيها على القوات المسلحة والشرطة، سواء لتأسيس مستشفيات ميدانية، أو للتطهير الكيميائى، أو لفرض الالتزام، حتى فى بريطانيا معقل الديمقراطية، التى تحفظت دومًا على أى دور للجيوش فى الحياة المدنية.
الصين الضحية الأولى للوباء، أصابها الارتباك فى البداية، فتدهورت الأمور بشدة، لكنها استعادت التوازن، وأثبتت حزمًا وكفاءة فى إدارة الأزمة، على نحو يجعلها نموذجًا جديرًا بالاحتذاء.. عندما داهم الدول الأوروبية الوباء كان أخطر مشاكلها ذلك النقص الحاد فى غرف الرعاية المركزة، إلى الحد الذى دفع بعضها إلى إعطاء أولوية للشباب مضحية بكبار السن، بينما أعطى البعض الآخر أولوية لكبار السن، معتمدة على المقاومة الذاتية للشباب!، كلا الاختيارين يضحى بأرواح البشر، وذلك أمر بالغ الخطورة، يعكس فشل أنظمة التأمين الصحى بالدول المتقدمة.
الثانية: الصين قررت توفير سرير لكل مريض.. مبنى خالٍ فى «ووهان» تم تأهيله ليصبح مستشفى طوارئ يتسع لـ١٠٠٠ مريض خلال يومين، تجهيز مستشفى آخر استغرق أسبوعًا، وتشييد ٤ مراكز طبية بعضها يتسع لـ١٣٠٠ مريض بإقليم «هوبى» تم فى ١٠ أيام.. روسيا تشيّد مستشفى طوارئ بسعة ٥٠٠ سرير فى ضواحى موسكو، سيدخل الخدمة أول أبريل.. والجيش البريطانى يشيد مستشفى ميدانيًا يتسع لـ٤٠٠٠ مريض.. التوسع فى المنشآت يقترن بتوسع مناظر فى الأطقم الطبية، ما يفسر دفع الصين أكثر من ٦ آلاف كادر طبى إلى بؤرة تفشى الوباء.. إنجلترا بعد إعلان حالة الطوارئ، استدعت ٦٥ ألفًا من الأطباء والممرضات من التقاعد.. والجميع يلجأ لخدمات الجيش والشرطة، أسوة بمصر.
الثالثة: بدأ الوباء فى مدينة «ووهان» منتصف ديسمبر ٢٠١٩.. قرابة ١٧٥ ألف شخص غادروا المدينة قبل بداية يناير ٢٠٢٠، وصلوا لقرابة ٥ ملايين قبل فرض الحجر الصحى، على المدينة ٢٣ يناير.. الرئيس الصينى استقبل «تيدروس أدهانوم» المدير الإثيوبى لمنظمة الصحة العالمية ببكين، لإحاطته بالوضع الوبائى للمدينة، لكن «أدهانوم» لم ينبه العالم للكارثة.. وعندما تفاقم الموقف «٣٠ يناير» اكتفى بتوصيف الحالة بأنها تستلزم «القلق الدولى»، ثم خفف منها بعد ذلك إلى «الاهتمام الدولى»، ولم يعلن عن حالة الطوارئ الصحية العامة، رغم سرعة انتشار الوباء من قارة لأخرى.. «أدهانوم» لم يطلق على الفيروس وصف «جائحة» إلا يوم ١٢ مارس الجارى، أى بعد أكثر من شهرين على تفشيه، وأدلى بتصريح منح كل دولة حرية فرض حظر على السفر جوًا إلى الصين كإجراء احترازى، من عدمه، رافضًا التوصية بأى قيود دولية على السفر أو التجارة رغم الحالة المتدهورة.
الرابعة: المقارنة بموقف الصحة العالمية من أزمة «سارس» ٢٠٠٩، يعكس دلالات بالغة الأهمية بشأن الأزمة الراهنة، المنظمة أعلنت آنذاك عن حالة الطوارئ، ووصفت الأزمة بـ«الجائحة»، رغم أن خسائرها لم تتجاوز ٨٠٠٠ مصاب و٨٠٠ وفاة، وهو أقل من خسائر أمريكا من «كورونا» ليوم واحد، «سارس» انتشر فى ٢٠ دولة، لكن «كورونا» يغطى معظم دول العالم.. الصين بعد الانتقادات العنيفة التى تعرضت لها خلال أزمة «سارس» نتيجة للسرية وعدم التعاون، ضاعفت مساهمتها المالية فى ميزانية منظمة الصحة العالمية، حتى أصبحت الثانية بعد الولايات المتحدة ٢٠١٩.. تبنَّت «أدهانوم» ودعمته حتى فاز بمنصب مدير عام المنظمة، رغم أن تعتيمه على انتشار وباءى «الكوليرا» و«الملاريا» فى إثيوبيا، إبان توليه منصب وزير الصحة ٢٠٠٥٢٠١٢، كان كفيلًا باستبعاده.. المجاملة على حساب صحة العالم، تفرض الحساب، خاصة أنها تقترن بظواهر فجة، أبرزها أن شركة الطيران الإثيوبية هى الوحيدة من بين ٦٠ شركة طيران عالمية تنتمى لـ٤٥ دولة التى لم توقف رحلاتها إلى الصين.. وأول حالة «كورونا» فى بتسوانا كانت لطالب قدم من الصين على متنها.
الخامسة: تفشى «كورونا» أدى إلى اتخاذ إجراءات تقييد وإغلاق غير مسبوقة، فبالإضافة لإيقاف السفر بين الدول، تم تقييد حركة الناس داخل حدودها، ومنع الاختلاط بالأماكن العامة.. الصين أوقفت وسائل النقل الجماعى، وأغلقت المؤسسات التعليمية والنوادى والأسواق وعطّلت الأعمال، وسيّرت دوريات طبية فى الشوارع لقياس درجات حرارة المواطنين، قبل أن تمنعهم الدوريات العسكرية من مغادرة منازلهم، وهى الأفضل عالميًا.. إيطاليا طبقت نفس الإجراءات وفرضت غرامات على المخالفين «٢٠٦ يورو، السجن ٣ أشهر»، لكنها حققت أسوأ نتائج لتأخر إجراءاتها. فالتوقيت حاسم.. إسبانيا فرضت الطوارئ، وأغلقت الأماكن والمحلات غير الحيوية، وناشدت الناس عدم مغادرة منازلهم إلا للضرورة الملحة، فتقدمت لتحتل المرتبة الأولى فى معدلات انتشار الوباء.. الولايات المتحدة وضعت مواطنيها الذين عادوا لمنازلهم من «ووهان» فى الحجر الصحى بقاعدة عسكرية فى كاليفورنيا ضمانًا لصرامته، لكنها تصورت أنها أكبر من الأزمة، فدهمتها.. فى أستراليا السجن والغرامة للمخالف ٥٠ ألف دولار.. والغرامة فى السعودية ١٣٣ ألف دولار لمن يخفى تفاصيل سفره.. نيوزيلندا حذرت المسافرين الذين لا يلتزمون بقواعد عزلهم من الغرامات والطرد نهائيًا من البلاد.. ومعظم البلاد فرضت حجرًا إلزاميًا لمدة ١٤ يومًا على القادمين.. تلك دروس للدول التى تأخر انتشار الوباء فيها مثل مصر.
السادسة: جماعة الإخوان المصرية، حرصت كعادتها على استغلال الظروف الراهنة، واستثمار الوباء سياسيًا، بتوسيع نطاق انتشاره وإرباك الدولة المصرية وإثارة الهلع بين المواطنين.. التنظيم دعا كل من يشتبه فى إصابته بالوباء من أعضائه للدخول إلى أقسام الشرطة والمؤسسات العسكرية والحكومية، للاختلاط بالموجودين لنشر العدوى.. عندما فشل، خرجوا فى تظاهرة الإسكندرية تحقيقًا لذلك الهدف.. جهاز الشائعات التابع للجماعة ربط بين منع النقاب فى بعض مؤسسات الدولة وظهور الوباء، ما فرض القناع الواقى بديلًا له، الجماعة تحاول إعادة التموضع بالشارع السياسى وتعمق مظلوميتها، وتحذر من المساس بطقوسها، وتسعى لاستعادة الثقة بين أعضائها.
السابعة: السفير الفرنسى ستيفان روماتيه وجه كلمة، محاولًا شد أزر رعاياه بمصر، طمأنهم بأن جميع أفراد السفارة وقنصلياتها فى خدمتهم، وأن احتمال قيام مصر بعزل نفسها تدريجيًا عن بقية العالم، ووقف الخطوط الجوية من وإلى فرنسا، هو إجراء وقائى متوقع، أسوة بكل بلدان العالم.. كلمات السفير صدرت تحت الضغط النفسى لاجتياح الوباء فرنسا، لكن الإخوان تلاعبوا فى الترجمة، ليظهروا السفير وكأنه بالغ فى التنبؤ بتدهور الحالة المصرية، وذلك بهدف إثارة غضب السلطات المصرية، ودفعها لاتخاذ إجراءات قد تؤدى إلى تدهور العلاقات المصرية الفرنسية، ذات الطابع الاستراتيجى، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكرى، والتنسيق السياسى تجاه أزمات المنطقة خاصة ليبيا.
الثامنة: الدولة المصرية تدير الأزمة بكفاءة، لكن المحدودية النسبية لاستجابة المواطنين لقواعد الوقاية، وبعض مظاهر الانفلات، تعتبر معتادة فى ظروف الأزمات، لأنها تقترن عادة بـ«الخوف الهستيرى»، ما ينعكس بداية فى التمرد على التعليمات، والتكالب على الشراء.. المجمعات التجارية فى إسرائيل شهدت اكتظاظًا كبيرًا وإقبالًا غير مسبوق.. ألمانيا رغم الطبيعة الانضباطية للشعب، فإن الإقبال على شراء المواد الغذائية بلغ معدلات غير مسبوقة، فرضت على المستشارة ميركل التدخل للتوعية، وشنت أجهزة الإعلام حملة لهذا الغرض.. المحلات التجارية فى أستراليا شهدت حالة من الفوضى والذعر، وصلت إلى حد الاقتتال بين الزبائن.. التكالب على السلع فى بريطانيا أفرغ أرفف المحلات من محتوياتها.. والشعب الصينى الملتزم هرب منه ٥ ملايين تخلصًا من قيود الإغلاق لمدينة «ووهان» وحدها.. على المصريين إذن أن يتوقفوا عن جلد الذات، وعلى الإعلام تكثيف حملات التوعية للحد من السلوكيات السلبية.
التاسعة: الحالة فى مصر حاليًا تفرض الحذر الشديد، فأول مصدر عدوى لـ«الكورونا» كان الفتاة الصينية من منطقة «ووهان»، التى وصلت إلى القاهرة ٢١ يناير الماضى، وغادرت ٤ فبراير.. أولى حالات إصابة جماعية بدأت فى الظهور من ٣ إلى ٧ مارس، أول حالة وفاة لأجنبى وقعت فى ٨ مارس.. الأسبوعان الثالث والرابع هما الأخطر فى الانتشار الوبائى لـ«كورونا».. ٢٤ فبراير كان بداية الأسبوع الثالث بعد اكتشاف إصابة مدير الشركة التى عملت فيها الفتاة الصينية، وهو نفس اليوم الذى سقطت فيه الأمطار غزيرة على مصر، فغسلت بمياهها الحمضية الفيروس الذى يتساقط على الأرض عادة نظرًا لثقله.. وقبل أن يعيد الانتشار من جديد، بفعل وصول طائرات السياح الصينيين والإيطاليين، انهمرت سيول غير مسبوقة، احتجزت معظم الناس فى بيوتهم ثلاثة أيام، وغسلت الشوارع والأسطح الخارجية.. إذن، العناية الإلهية سبقت الاحتياطات، ومنعت انتشار الوباء بالمعدلات التى شهدها العديد من الدول المتقدمة فى أوروبا وأمريكا.
العاشرة: العالم بعد «كورونا» سيختلف كثيرًا عما قبله، فالأزمة لن تنتهى بحظر وإغلاق لأسبوعين أو ثلاثة، بل قد تمتد لثلاثة أشهر، لأن الـ١٤ يومًا يتم حسابها من موعد ظهور آخر عدوى.. لذلك فالخسائر فادحة، الصين كما كانت الأولى فى الإصابة، فهى الأقرب للتعافى، وتستعد لتخطو بثبات نحو تبوؤ قمة العالم.. النظام الصحى الأمريكى ينهار، وكل ما بنى عليه ترامب حملته الانتخابية من مكاسب داخلية معرض للإجهاض، لتصبح نتيجة الانتخابات الرئاسية على المحك.. الاتحاد الأوروبى قد يعود دولًا منكفئة على نفسها، تلعق جراحها، تجمعها خيوط واهنة، توشك على التفكك، مما يسمح بصعود القوميين، دعاة الانفصال، وازدياد مصالح دوله تجذرًا مع الصين، ما يفسر استبدال الإيطاليين علم الاتحاد الأوروبى بعلم الصين، وزيارة وزير خارجية صربيا لبكين رغم ظروف الوباء.. حتى النظام الدولى ما بعد «الجائحة» ستختلف آلياته، عصبة الأمم تشكلت عقب الحرب العالمية الأولى، الأمم المتحدة أعقبت الحرب الثانية، لكنها فشلت فى التنبؤ بأزمة «كورونا»، أو التحسب لها، أو حتى المساعدة فى إدارتها، وقد حان الوقت لأن تفرض التغيرات الجذرية التى وقعت منذ تأسيسها نظامًا دوليًا جديدًا أكثر كفاءة فى مواجهة حروب بكتريولوجية وكيميائية، لم يعد العالم فى مأمن، من رعونة بعض قادة القوى العظمى فى استخدامها بكل سرية.