رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كورونا.. الطريق إلى اللقاح




اللقاحات هى الوسيلة الأكثر فاعلية لمحاربة الأمراض المعدية والقضاء عليها. وهناك عشرات المجموعات البحثية فى جميع أنحاء العالم تتسابق، الآن، للتوصل إلى لقاح لفيروس كوفيد-١٩، أو كورونا المستجد، ليست من بينها شركات الأدوية الكبرى، التى تخشى أن تنتهى الأزمة سريعًا، كما حدث مع أوبئة أخرى ظهرت خلال السنوات العشرين الماضية!.
عملية تطوير اللقاح طويلة ومكلفة. وما لم تضمن تلك الشركات الكبرى وجود سوق كبيرة، ومستمرة لذلك اللقاح، فإنها تفضل الاكتفاء بالفرجة، أو تقديم الدعم للمؤسسات التى تقوم بجهود لمكافحة المرض المعدى. وهنا تكون الإشارة مهمة إلى أنه بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠٠٤، أحدثت عدوى «سارس» هلعًا كبيرًا، وفى ٢٠١٢ ظهرت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس». وفى الحالتين، تم الإعلان عن تجارب لتطوير لقاحات، لكنها توقفت، إثر انحسار العدوى.
مستفيدة من المواصفات أو الخريطة الجينية للفيروس، التى قامت الصين بالكشف عنها، أواخر يناير الماضى، وتأسيسًا على ما تراكم من بحوث حول فيروسات تنتمى إلى عائلة «كورونا»- تقوم ٣٥ شركة ومؤسسة طبية بتطوير اللقاح، أربع من بينها أعلنت أنها بدأت فى إجراء اختبارات على حيوانات. وفى فبراير الماضى، أعلنت جامعة «كوينزلاند» عن تطوير لقاح محتمل، وقالت إنها بدأت تجربته على الحيوانات. كما بدأ المركز الطبى بجامعة «نبراسكا» اختبارات على مصابين كانوا على متن السفينة السياحية الموبوءة بـ«كورونا» فى اليابان.
هناك، أيضًا، جامعات عديدة بدأت تجاربها.. كما أعلنت شركة «مودرنا»، التى لا يزيد عمرها على ٩ سنوات، أن علماءها بدأوا تطوير لقاح فى ١٠ يناير الماضى، وتمكنوا فى ٧ فبراير من تصنيع لقاحات مختلفة، وتستعد لاختبارها فى أبريل المقبل. وتعاونت شركة أدوية بريطانية مع شركة صينية للتكنولوجيا الحيوية لتقديم تقنية علاج مساعدة. كما تتعاون شركة الأدوية الفرنسية «سانوفى» مع حكومة الولايات المتحدة لاستخدام ما يسمى «منصة الحمض النووى المؤتلف» لإنتاج لقاح محتمل. كما أعلنت شركة الأدوية الألمانية «بيونتيك» عن تحالفها الاستراتيجى مع مجموعة «فوسون جروب» الصينية لتطوير وتسويق لقاح. و... و... مع استمرار الأبحاث والاستعدادات، وبدأت التجارب فى الولايات المتحدة والصين.
بتمويل من المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، بدأ معهد «كيزر» للبحوث الطبية بواشنطن، الإثنين، أول تجربة للقاح محتمل ضد الفيروس. وفى الصين، بدأ فريق الباحثين بأكاديمية العلوم الطبية العسكرية، الثلاثاء، اختبار أول لقاح يتم تطويره. غير أن نجاح هاتين التجربتين لا يعنى انتهاء الفترة الحرجة التى يكابدها العالم، لأن اعتماد أى لقاح طبى يستوجب مراعاة عدد من الشروط، كما يتطلب موافقة كثير من الهيئات الصحية المختصة. وطبقًا لما أعلنه أنتونى فوتشى، مدير المعهد الوطنى الأمريكى للأمراض المعدية، فإن الحصول على لقاح يمكن استخدامه على نطاق واسع يستغرق فترة تتراوح بين سنة و١٨ شهرًا، حال نجاح اختبارات السلامة.
التجربة جرت وسط ترقب من العالم الذى يشهد استفحالًا مقلقًا للوباء الذى ظهر أواخر العام الماضى، وأصاب نحو ١٨٠ ألف شخص إلى الآن. ومن المقرر أن تتواصل هذه التجارب إلى بداية يونيو ٢٠٢١، حتى التأكد من سلامة ذلك اللقاح. وعليه، لا نعرف، على أى أساس، قال الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى مؤتمر صحفى إن الفيروس قد ينتهى فى يوليو أو أغسطس المقبلين، إذا جرى القيام بعمل جيد. كما لا نعرف حقيقة ما أشيع عن ممارسته ضغوطًا من أجل سرعة الانتهاء من الإجراءات بشأن اللقاح. لكن ما نعرفه هو أن إتش. هولدن ثورب، رئيس تحرير مجلة «ساينس» رد على ما طرحه ترامب بأنه «يجب أن يكون للقاح أساس علمى.. وأن يكون آمنًا وقابلًا للتصنيع ما قد يستغرق عامًا ونصف العام أو أكثر».
ما قد يطمئن، وقد يختصر كثيرًا من الوقت، هو وجود نتائج مشجعة، حققتها لقاحات موجودة بالفعل كـ«فافيبيرافير» الذى تم اعتماده فى اليابان سنة ٢٠١٤، ووافقت إدارة المنتجات الطبية الصينية على قيام شركة أدوية بإنتاج كميات كبيرة منه. وهناك أيضًا، «بلاكنيل»، الذى تنتجه مجموعة «سانوفى» الدوائية الفرنسية الشهيرة، منذ عشرات السنوات، وأعلنت الشركة، مساء الثلاثاء، عن تحقيقه نتائج «مبشرة جدًا»، وقالت إنها مستعدة للتعاون مع السلطات الفرنسية لتأكيد هذه النتائج.
.. وأخيرًا، سنظل مدينين لكل المؤسسات العلمية وفرق الأبحاث التى ستنجح فى التوصل إلى لقاح أو تلك التى ستكتفى بشرف المحاولة. كما سنظل مدينين لمن ماتوا أو أصيبوا. وسدادًا لجزء من هذا الدين، علينا ألا نمنح هذا الفيروس أو غيره، أى فرصة لإعادة تأسيس معاقِل جديدة، سواءً بالجهل أو بالتخريف. وبهذه الطريقة، بهذه الطريقة فقط، لن تضيع جهود مَن تعبوا، ولن تكرر معاناة مَن أصيبوا، ولن تذهب أرواح مَن رحلوا سدى.