رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وسقطَ شاهدٌ منْ أهلِها


"انكشف الجميع"... فيروس خطير يضرب الكوكب البشري يكشف في سبل مواجهته عوراتٍ فكريةً عظيمةً، ويسقط أساطيرَ قديمةً وتراثًا بشريًّا يتمسَّك به المستفيد فقط بكل أنانيةٍ، ويسقط في براثنه البسطاءُ. هكذا كان الموقفُ بكلِّ وضوح.

بعد إعلان منظمة الصحة العالمية، بأن فيروس كورونا أصبح وباءً عالميًّا، دق الرعبُ أبوابَ زعماء وحكومات العالم، وكشفت تصريحات دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، وإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، وبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا -أحد أعظم الأمم تقدمًا وتطورًا- في مؤتمراتهم الصحفية عن فيروس كورونا، معلنين إجراءات مكافحة الفيروس، والتي كان بعضها أكثر صرامةً بهدف إبطاء تفشي الفيروس، والجدير بالذكر أن الدول العظمى والأكثر تأثيرًا لم تضع اعتبارًا لأي ايدولوجياتٍ داخل مجتمعاتها قد تخلق أي صراع ما.

وعلى الجانب الآخر، لم تملك المؤسسات الدينية، التي أثرت عليها هذه الإجراءات في هذه الدول، رفاهية التفاهم حول هذه الإجراءات، الصارم منها والبسيط. وذلك لوضوح الرؤية والهدف الإنساني الذي لا يحتاج بأي حال من الأحوال إلى تأويلٍ أو تفسيرٍ ما. وكأن الأولوية في عقل الجميع هي حماية البشرية من وباء شديد الخطورة.

كشفت هذه الأزمة عن عدة سياقات فكرية خطيرة تهدد البشرية، إلى جانب التهديد الصحي المباشر، والتي تمثلت في خطايا الرأسمالية الموحشة التي تعتمد على الأنانية، دون النظر إلى أية اعتبارات إنسانية. ولنا أن نتخيل أن السياق الآخر هو تشبث البعض بحرفية بعض الطقوس التي تمثل خطورة مباشرة على حياة الإنسان، واستغلال مكانتهم وسلطتهم الروحية في نشر ما لا يليق لا بالعقل ولا حتى بالإيمان.

أن تتحلى القيادة الدينية بدرجة علمية راقية يجعل منها قيادةً حكيمة تستطيع أن تتحلى بالمرونة المطلوبة بما يحافظ على صلب العقيدة وروح الإيمان ويضع حياة الإنسان في المرتبة الأولى، وهذا هو السياق الأخطر عندما لا تمتلك هذه القيادة القدرات الفكرية وتكتفي بالموروثات الدينية.

ونستطيع القول بأن على المستوى التنفيذي، أبلت الحكومة المصرية بلاءً حسنًا في متابعة وإدارة الإجراءات الوقائية حتى الآن لمواجهة فيروس كورونا، من خلال رفع درجة الاستعدادات القصوى، والتعامل مع الموقف بهدوء وطمأنة المواطنين ووضع صحتهم كأولوية فوق أي اعتبارات لخسائر اقتصادية، كما صرح سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وهنا ظهر لنا سقوط آخر كشف عن صراع من نوع مختلف، لا يتورع عن استخدام أزمة إنسانية لأهداف سياسية، وهو ما رأيناه في تقرير "الجارديان" خلال الأسبوع الماضي، ونشر أكاذيب حول أعداد المصابين في مصر، وتصرف الحكومة المصرية باحترافية الذي أرغم الجارديان على الاعتذار.

جاء هذا التقرير الموجَّه في توقيتٍ كانت فيه الحكومةُ لأول مرة منذ عقود تدشِّن عهدًا جديدًا من الثقة والمصداقية المعلوماتية التي افتقدها الشعبُ لزمن طويل، وهو ما حاول هذا التقرير استغلاله دون مراعاة لأي وازع أخلاقي أو إنساني أو حتى مهني.