رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مايكروسوفت بلا بيل جيتس



مع صديق طفولته، بول ألين، أسس بيل جيتس سنة ١٩٧٥، شركة «مايكروسوفت»، وبانسحاب الأول وفضه هذه الشراكة سنة ١٩٨٣ قاد جيتس الشركة منفردًا حتى سنة ٢٠٠٠. ويوم الجمعة، أعلنت الشركة عن تنحى مؤسسها عن مجلس إدارتها، وعن عضوية مجلس إدارة شركة «بيركشاير هاثاواى»، وهى شركة قابضة، تشرف وتدير عددًا من الشركات الفرعية.
فى ٤ أبريل المقبل، ستحتفل الشركة بمرور ٤٥ سنة على تأسيسها على يد الشابين الطموحين، اللذين تركا الجامعة ليتفرغا لمشروعهما الوليد: ترك جيتس الدراسة فى جامعة هارفارد، وتخلى ألين عن دراسته فى جامعة واشنطن، وبدأت رحلة مايكروسوفت التى استطاعت خلال خمس سنوات أن تحقق نجاحًا كبيرًا فى عالم أنظمة التشغيل، بابتكارها نظام «MS-DOS» الذى أتاح لها التعاون مع شركة «IBM» وغيرها من الشركات الكبرى. ثم كانت النقلة الأكبر بتطوير حزمة تطبيقات مكتبية اختار لها اسم «أوفيس» وابتكار نظام تشغيل باسم «ويندوز»، وهما المنتجان اللذان حققا، وما زالا، نجاحا كبيرًا، مع إطلاق إصدارات مختلفة أكثر تطورًا.
أبرز نجوم العالم المُعَوْلم، أو المتعولم، لم يكتف بابتكاراته فى برامج المعلومات، بل قام أيضًا بشرح طبيعة العمل الذى قام به، وسلّط الضوء على الأثر الهائل والمتسارع لثورة الاتصالات على حياة الإنسان ومستقبله. وفى كتاب عنوانه «العمل بسرعة التفكير»، Business @ the Speed of Thought، الصادر سنة ١٩٩٩، شرح جيتس كيف يمكن للبنية التحتية الرقمية وشبكات المعلومات أن تساعد أى شخص على التفوق والمنافسة، وكيف ستتضاعف قدرات الإنسان الفكرية مع تطور التقنيات الرقمية.
فى هذا الكتاب، تنبأ بيل جيتس بظهور أجهزة صغيرة تسمح لحامليها بالبقاء على اتصال دائم والحصول على معلومات من الأسواق المالية، والتحقق من الأخبار، والقيام بالعديد من المهام من أى مكان. كما تنبأ أيضًا بانتشار مواقع تجمع بين الأصدقاء وتسمح لهم بالدردشة والتخطيط للأحداث، وبأن يتمكن سكان المدن المختلفة من إجراء مناقشات عبر شبكة الإنترنت تتعلق بالقضايا التى تؤثر عليهم، مثل السياسة المحلية أو تخطيط المدن أو إجراءات السلامة العامة. وهو ما حدث بالفعل، مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، وتطور الأجهزة الذكية: التليفونات، الأجهزة اللوحية، الساعات الذكية، و... و... والمفارقة، أن مايكروسوفت عجزت عن منافسة أبل وجوجل فى تلك القطاعات!.
انسحاب بيل جيتس من مايكروسوفت جاء تدريجيًا. بدأ سنة ٢٠٠٠ حين ترك منصب الرئيس التنفيذى لستيف بالمر. وفى فبراير ٢٠١٤، ترك رئاسة مجلس إدارة المجموعة الأمريكية العملاقة، ليصبح مستشارًا تكنولوجيا لها وعضوًا بمجلس إدارتها، وتولى ساتيا ناديلا الإدارة التنفيذية للمجموعة خلفا لبالمر. ووقتها ذكرت مايكروسوفت، فى بيان، أن ناديلا، الذى كان مسئولًا عن الأنشطة المتعلقة بالشركات وبالمعلوماتية الافتراضية (كلاود)، أصبح اعتبارًا من تاريخ صدور البيان رئيسًا تنفيذيًا للمجموعة. وناديلا، المولود فى الهند، تمتد خبرته لنحو ٢٢ عامًا، وكان مسئولًا تنفيذيًا عن بعض المجالات الأكثر نموًا وربحية فى الشركة.
فى تعليقات نشرها موقع «CNBC»، قال بيل جيتس، الذى سيبلغ الخامسة والستين فى ٢٨ أكتوبر المقبل، إنه اتخذ قرار التنحى عن مجلسى الإدارة حتى يتمكن من تخصيص مزيد من الوقت للأعمال الخيرية. وبرر اختياره لهذا التوقيف بأن القيادة فى الشركتين، بيركشاير ومايكروسوفت، «لم تكن أبدًا أقوى من الوقت الحالى، لذا فقد حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوة». مضيفًا أنه يشعر بالتفاؤل أكثر من مضى بشأن التقدم الذى تحرزه الشركتان.
بعد تجاوزه الثلاثين بقليل، أصبح جيتس أصغر ملياردير «عصامى» فى التاريخ. أما الآن، فلا يمتلك إلا ١.٣٦٪ من أسهم «مايكروسوفت»، التى تعد واحدة من الشركات الأعلى قيمة فى العالم بسقف سوقى يزيد على ١.٢ تريليون دولار. فقد باع أو تبرع بمعظم حصته فى الشركة، واحتفظ فقط بتلك النسبة، التى تبلغ قيمتها حوالى ٧ مليارات. وحاليًا، تُعد «بيل ومليندا»، التى أسسها مع زوجته، أكبر مؤسسة خيرية فى العالم، بأصول تزيد قيمتها على ٥٠ مليار دولار، كما تبرعت بنحو ٤٠ مليار دولار لمبادرات تعليمية وصحية فى العالم. وسنة ٢٠١٠ تعاونت المؤسسة مع وارن بافيت، مؤسس شركة بيركشاير هاثاواى، وثالث أو رابع أغنى أغنياء العالم، فى حملة «تعهد عطاء»، لتشجيع الأثرياء على التبرع بجزء من ثرواتهم فى مشروعات خيرية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن العنوان، عنوان المقال، ليس دقيقًا، لأن تنحى بيل جيتس عن مجلس إدارة مايكروسوفت لا يعنى، كما قال، ابتعاده، بشكل نهائى عن الشركة، إذ أكد أنها ستظل دائمًا جزءًا مهمًا فى حياته، وتعهد بأن يواصل العمل مع ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذى الحالى، ومع القيادة التقنية، وألا يتوقف عن المساعدة فى تحديد الرؤية وتحقيق أهداف الشركة الطموحة.