رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وكلاء تركيا الذين يقطعون طريق التسوية فى ليبيا «2»


فى الجزء الأول من تلك السلسلة، سلطنا الضوء على ما تقوم به تركيا من عبث ممنهج على الأراضى الليبية، خاصة عندما وقفت ما بعد «مؤتمر برلين» لتسوق أحاديث لم تقنع أحدًا، ليس فى الداخل الليبى فقط، إنما على امتداد كل الدول والتجمعات الإقليمية والدولية ذات الارتباط، بما يجرى فى ليبيا من أحداث بدأت منذ العام ٢٠١١ وما زالت تتطور وتتدافع حتى اللحظة.
فقد تفاجأ هؤلاء بأن تركيا تعلن خشيتها من تحول ليبيا إلى سوريا أخرى، وهى الصانعة الأولى لما يجرى فى سوريا بامتياز، وهدفها فى ليبيا الذى لا يحتاج إلى دلائل بأكثر مما هو واقع على الأرض، أن تصبح ليبيا النسخة الأكثر مأساوية من أحداث المشرق العربى، التى تجرى على يد مخططى مشروعها العثمانى الجديد، وبانخراط واسع لكل أذرعها الإرهابية المسلحة. تلك الأذرع التى يتابع العالم كله، عمليات نقل البعض منها بالرعاية التركية ويراقب تسلل البعض منهم إلى أوروبا، حيث بدأت الأرقام التقريبية تحتل العديد من منصات الأخبار لهذه الأعداد التى بدأت تجرى عمليات رصد لها، فى محاولة لوقف هذا التدفق غير المشروع، والذى سيسبب خللًا فادحًا فى معادلة الأمن الإقليمى، لمنطقة الشمال الإفريقى برمتها، ومن أسفلها دول الساحل والصحراء.
لتركيا «رعاة رسميون» لهذا النشاط على الأراضى الليبية منذ العام ٢٠١١، اليوم نحن أمام شخصية أكثر جدلية وإثارة للاهتمام وهى «عبدالحكيم بلحاج»، باعتباره يقدم نفسه ويتعامل معه الآخرون بصفته «رجل تركيا الأول»، ليس فى ليبيا وحدها، إنما داخل المشروع التركى المتكامل فى المنطقة والعالم، حيث يجرى استخدامه من قبل الاستخبارات التركية منذ العام ٢٠١١، لتجنيد وتدريب ونقل المتطرفين من ليبيا إلى سوريا مرورًا بتركيا، وتتم الاستعانة به الآن فى الجزء المكمل للمهمة، وهو العمل على إعادتهم إلى ليبيا. الدور الرئيسى المثبت بحق بلحاج فى ملف المرتزقة السوريين المرسلين إلى ليبيا، يكمن فى نقلهم عبر شركة «الأجنحة» للطيران التى يمتلكها، وهى المرحلة التى بدت فيها أن كل إمكانيات الشركة أصبحت فى الفترة الأخيرة مسخرة للسلطات التركية، سواء لنقل العتاد والأسلحة أو المقاتلين السوريين. حتى إن المعلومات المتداولة لدى المراقبين فى طرابلس وما حولها، تذكر بشكل مؤكد أن الخبراء العسكريين التابعين للجيش التركى، والذين قدموا إلى طرابلس جاءوا على متن طائرات شركة «الأجنحة»، فى رحلات مكوكية تحاط عادة بالكثير من السرية والحماية.
المقطع المصور الشهير المتداول على وسائل الإعلام، والذى يحوى عناصر لـ«ميليشيات» مسلحة داخل طائرة، جرى التقاطه بهاتف محمول وجرى تسريبه على نطاق واسع، تم تصويره داخل إحدى الطائرات التابعة للشركة المذكورة، حيث أفادت حينها المواقع المتخصصة والمعتمدة دوليًا فى مراقبة حركة الطيران، بأن شركة «الأجنحة» الليبية للطيران، قامت وبشكل غير مسبوق بتسيير «٨ رحلات جوية» إلى تركيا خلال ستة أيام، أفادت بعدها التقارير الليبية بأنها عبر تلك الرحلات نقلت عددًا من المرتزقة السوريين من تركيا إلى ليبيا. «عبدالحكيم بلحاج»، مالك تلك الشركة ومديرها العام، مصنف كأحد أبرز القيادات الإرهابية والمطلوب القبض عليه، بعد ثبوت تورطه فى عدة هجمات على منشآت عمومية ليبية، وارتكابه جرائم زعزعت استقرار ليبيا والمنطقة، مما دفع التحالف الرباعى العربى لإدراجه منذ ٢٠١٧ على قائمة الإرهاب، بعد أن احتل أيضًا صدارة قائمة البرلمان الليبى. كما يواجه بلحاج اتهامات مباشرة من جهات التحقيق الليبية، بسرقة كميات كبيرة من الذهب والاستيلاء على أموال طائلة من المصارف الليبية، عقب سقوط نظام الرئيس معمر القذافى، وقد جرى تأكيد لاحق أمام الجهات المعنية أن هناك أدلة تثبت إيداعه مليارات الدولارات فى المصارف التركية إبان أزمتها الاقتصادية العام الماضى.
«عبدالحكيم بلحاج» الذى كان سجينًا إبان نظام الرئيس القذافى، بتهمة محاولة إعادة ترتيب «الجماعة الليبية المقاتلة» للجهاد ضد نظام القذافى، بعد عودته من أفغانستان كى تصير الجماعة الفرع الليبى لـ«القاعدة»، تحول فى فترة وجيزة بعد الثورة إلى واحد من أكبر أثرياء ليبيا، وأصبح يمتلك عدة شركات، أهمها على الإطلاق شركة طيران «الأجنحة». انطلق عمل هذه الشركة فى العام ٢٠١٥، حيث أسسها بلحاج وفق المعلن حينها بالشراكة مع دولة قطر، التى قامت بمنحه مبلغ «٧٥٠ مليون يورو» كمصاريف للتأسيس ولإنشاء الشركة، بالطائرات والإمكانيات التى تتيح لها العمل فى ليبيا وخارجها. منذ هذا التاريخ والشركة التى تمتلك وتستأجر أسطولًا جويًا لخدمة أهداف المحور التركى القطرى داخل ليبيا وخارجها، صارت منخرطة بشكل كبير فى مهام من نوعية نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، القادمين من مطار إسطنبول إحدى النقاط الرئيسية على جدول أعمال شركة الطيران، حيث تسجل «شركة الأجنحة» أكثر من رحلة يومية ثابتة إلى تركيا ذهابًا وعودة. أحدث عمليات تهريب الأموال التى تورطت فيها شركة «الأجنحة»، وقعت وأعلنت بداية هذا الشهر عندما ضبط عضو التفتيش التابع لمصلحة الجمارك بـ«مطار معيتيقة» الدولى مبالغ مالية بأرقام مليونية لدولارات ويوروهات والعديد من العملات الأخرى، أثناء إجراءات تفتيش حقيبة أحد المسافرين إلى إسطنبول عن طريق شركة «الأجنحة» الليبية للطيران. هذا نموذج فقط لما يجرى العمل عليه فى «مطار معيتيقة»، والذى تتحرك من خلاله العناصر المرتبطة بتركيا من وإلى إسطنبول عبر شركة الطيران، وتبقى الأدوار الأخرى التى يقوم بها بلحاج على الأرض من خلال تشغيله وسيطرته الكاملة على الميليشيات التابعة لجماعة الإخوان الليبية، والتى أدمجها فى تنظيمه القديم «الجماعة الليبية المقاتلة» التى تظل رأس حربة فى خاصرة الوصول إلى اتفاق تسوية، يضمن انتقال سلمى لسلطة ليبية منتخبة وموحدة للمؤسسات الليبية الوطنية. فمن غير المتوقع أن يستسلم بلحاج لتفكيك إمبراطورية مالية هائلة يسيطر عليها، تدر عليه مليارات الدولارات سنويًا، وتقوم بأدوار رئيسية ومحورية فى خدمة المشروع التركى، على النحو الذى انكشف مؤخرًا فى عمليات نقل المرتزقة إلى داخل ليبيا.