رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمهورية عزاء مبارك




بعد مشاهد عزاء مبارك أصبحنا أمام حقيقة لا مفر منها، وهي أننا نعيش تحت أسر المنظومة القيمية المحلية الوطنية العتيقة، بمعنى انتماءات إنسانية عامة قد تتجاوز الانتماءات الوطنية وما يماثلها، حتى ولو كانت نتاج الثورات التي مرت بها مصر، والتي كانت في مضمونها متصادمة مع بنية الدولة العميقة، بل حتى لو تجاوزت الثورة حدود السيادة الوطنية وتحركت خارجها، لم ولن تستطيع تحريك الشعوب إلى سياق يغير سماتهم الوطنية بمعناها العام، ولن تستطيع تغيير نمط تفكير النخب الفكرية والسياسية.

وهذا يكشف أننا أمام قوام شعبي مكون من شبكة معقدة من العلاقات المتداخلة بين أجهزة ومجموعات اقتصادية وسياسية ومدنية ودينية، تستطيع مقاومة أي تغيير يطرأ من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة الوطنية والقائمين عليها، وسيظل هذا القوام الشعبي هو الحارس في مواجهة أي تغيرات هيكلية تهدد بتفكيك بنيتها السياسية التقليدية، أو تسعى لفرض أي نمط يهدد الدولة الوطنية.

ومن أهم النتائج التي يمكن التوصل إليها من مظاهر السلوك الشعبي في عزاء مبارك- وهي في رأيي أفضل من عشرات الأبحاث والدراسات الميدانية- والتي تعكس استمرار سمات المواطن المصري، مثل التدين والصبر، والارتباط بالأرض والأسرة، والاعتزاز بالكرامة الوطنية العسكرية، وأولية الوطن والفداء، والكرم والتسامح. كما تكشف أيضا عن استمرار السمات السلبية كالفهلوة والتحايل والنفاق والتناقض والازدواجية في الظروف المتشابهة.

خلاصة القول إنه لا يمكن لمعاناة الناس في وطنهم، لأي سبب أن يؤدي إلى ضعفٍ  حقيقي في ارتباط الناس بهذه الدولة، لكونها وطنًا عزيزًا، وحتى مع ضعف الشعور الوطني أو ظهور مشاعر النفور، لا تنتصر أبدا على مشاعر الحب والولاء والانتماء والفداء للوطن كدولة ومجتمع، وهذه المشاعر التي هي غريزة فطرية، توجد لدى الإنسان المصري السوي في أي مجتمع، والتي سوف تقوده إلى الإحساس بالمسئولية الوطنية للحقوق والواجبات تجاه الدولة والمجتمع، واحترامها والالتفاف حولها، وعدم الإساءة إليها أو التفريط فيها، وحماية الدولة ومكتسباتها، والتمسك بالوحدة واللحمة الوطنية، والدفاع عنها من التمزق الانقسام، وكذلك التوافق على نبذ العنف والطائفية والتمييز والتهميش والإقصاء لكل شرائح المجتمع.