رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الآيس» مخدر جديد يضرب عقول المصريين (فيديو)

مخدر الايس
مخدر الايس


◄ اعترافات مسجلة على لسان تجار مخدر "الآيس": بيتهرب من دول تانية
◄ "الجرام تمنه 2200 جنيه".. مغامرة داخل أوكار بيع "الآيس"
◄ ما هي حقيقة تهريب مخدر "الآيس" إلى مصر؟
◄ متعافي: "الآيس" دمرني صحيًا ونفسيًا.. وتعافيت منه بمعجزة
◄ كيميائي: "الآيس" يدمر الجهاز العصبي تمامًا
◄ طبيب نفسي: عالجت بعض مدمني "الآيس".. والمخدر مازال مغمورًا



جلس مصطفى زكريا -والذي طلب أن يكون اسمه مستعارًا- داخل غرفته المظلمة، ظل يفكر في جسده الذي أنهكته المواد المخدرة، ثم استلقى على سريره بعد تناول الجرعة اليومية، التي صاحبها الشعور بتأنيب الضمير بسبب ما وصل إليه، شهور ظل فيهم حبيس تلك المادة البيضاء، فهو الآن لم يعد قادرًا على التخلي عنها.

"زكريا" ترك غرفته وجال أروقة المنزل، باحثًا عن أي شخص ينقذه مما أقحم نفسه فيه، لم يجد أحد بجانبه، الجميع هجره، لم يتبقَ إلا هو بصحبة أكياس المخدر الأبيض، التي تتوغل داخل جسده يوميًا، تجعله في حالة غريبة لم يصل إليها من قبل مع المواد المخدرة الأخرى.

بدأ "زكريا" يتذكر معنا بداية قصته، التي كان بطلها الفضول الذي صاحبه وجرّه إلى الدمار، بعد مشاهدته لأصدقائه وهم يتعاطونه، ظن في بداية الأمر أنها مجرد تهيؤات، لكن بمجرد تناوله لأول جرعة من "الآيس"، قرر الابتعاد عن جميع أنواع المخدرات التي تعاطاها من قبل، والانغماس في شراء هذا المخدر بشكل دوري.

استمر على هذا الحال كثيرًا، بين خلط المخدر بتبغ السجائر وتعاطيه بطريقة "الحشيش"، وبين استنشاقه عبر الأنف، وأخيرًا إلى طحن المكعب الأبيض على طريقة "الهيروين"، وحقنه داخل جسده للحصول على مفعول أقوى، ويصف ذلك: "أول مرة شربت فيها الآيس، عملت دماغ أقوى من أي مخدر تاني، وكل مرة كنت بزود الجرعة عن المرة اللي قبلها".
ما هو مخدر "الآيس"؟
قبل الانغماس في باقي سطور التحقيق التالي، يجب أن تعرف أن "الآيس" هو مخدر بللوري ناصع البياض يشبه حبيبات الثلج، تعتمد مواده الفعالة على تركيبات كيميائية أبرزها مادة "الميثامفيتامين"، و"الأمفيتامين" و"الفينيثيلامين" من مجموعة العقاقير ذات التأثير العقلي، ولهذا السبب تم ترويجه باسم مخدر "الكريستال ميث" في مختلف أنحاء العالم، لكنه حمل عدة أسماء مختلفة في مصر مثل (الآيس - كريستال - الشابو).

تتناول سطور التحقيق التالي حالات جرفها حب التجربة إلى إدمان مخدر "الآيس" من خلال مروجين له، لكن فضلّوا أن تكون أسماؤهم مستعارة خوفًا من الوصمة المجتمعية التي قد تلاحقهم بعد التعافي منه، ونكشف أماكن ترويجه من خلال جولة على مناطق البيع، وعقد اتفاقيات مسجلة مع تجار المخدر على شراء كمية منه، وذلك في غياب رقابة وزارة الداخلية والجمارك.

بداية "الآيس" ظهر حينما تم تصنيفه من أخطر المواد التي تنشب عنها حوادث العنف المجتمعية، بسبب قوة تأثيره التي تظهر فور تعاطيه، مثل حالة البارانويا الناتجة عنها الشعور بالهياج والعنف دون أي أسباب منطقية، وقد تم حظره في اليابان من قبل، حتى اكتشفوا طرق جديدة لتركيب المخدر في أمريكا، ليصبح حاليًا أحد أشهر أنواع المخدرات في العالم.

أمريكية تقتلع عينها بعد إدمانه

أولى القصص ظهرت قبل شهور قليلة، حيث شهدت أمريكا حادثة غريبة من نوعها لفتاة عشرينية اقتلعت عينيها بعد تناول جرعة فاسدة من مخدر "الكريستال ميث"، بعد دخولها في مرحلة الهلاوس التي هيئت لها أن هناك أصوات تطلب منها تقديم عينيها قربانًا لدخول الجنة، بحسب موقعي "ذا صن" و"الديلي ميل".


متعافي: "الآيس" دمرني صحيًا ونفسيًا.. وتعافيت منه بمعجزة

ومن أمريكا إلى مصر، كانت لقاءاتنا مع عدد من المتعافين منه، يروون تجاربهم مع إدمانه ومراحل التعافي منه، قصتنا الأولى كانت مع محمد حامد، الذي عبّر عن شعوره بالألم عما أنفقه من صحته وماله وراء تلك المادة الملعونة، غير المعلوم هويتها، سوى أن مفعولها أقوى من أي مخدر آخر.

مشهد واحد كان هو الفارق في رحلة "حامد" مع إدمان "الآيس"، حين دخل في غيبوبة إثر هبوط حاد في القلب بعد تناوله لجرعات زائدة من المكعب الأبيض: "يوم ما جربت أحقن المادة في جسمي، نفسي اتقطع ودخلت المستشفى، وقررت أبطلها لما شفت نظرات أهلي ليا بعد ماعرفوا حقيقة إدماني".

3 شهور من العزلة داخل غرفته الخاصة كانت هي مدة علاج الشاب العشريني من مخدر "الآيس"، حين رفض التوجه لمصحة نفسية والخضوع للعلاج بمتابعة الأطباء، فقد قرر التخلص منه بنفسه معتمدًا على بعض العقاقير الطبية، وعن مصدر الحصول عليه: "كنت بشتريه من أماكن معينة في فيصل والهرم، ولازم يبقى باتفاق قبلها على الكمية مش زي الحشيش والمخدرات التانية".

كشف مركز علاج السموم عن مفاجأة صادمة مؤخرًا، بشأن أعداد متعاطي المخدرات في مصر، والتي تخطت الـ10 ملايين مواطن مصري، وبلغت نسبة الإدمان 3% أي أكثر من 3 ملايين مصري، وفقًا لإحصائيات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.

شاب أخر فقد مستقبله الوظيفي بسبب انغامسه فيتعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، وكان آخرها مخدر "الآيس"، الذي أنفق عليه الكثير المال، مقابل الحصول على أجود أنواعه التي كلفته آلاف الجنيهات، بل فقد ثقة ذويه بعد أن كشفوا أمره، ووجدوا أكياس المخدر داخل غرفته، ليقوموا بطرده من المنزل على الفور.

ليالي كئيبة عاشها أحمد منصور، الشاب العشريني، بعد انقطاعه عن ذويه لفترة دامت شهرين، لم يجد فيها ملجأ إلا المكوث مع أصدقائه في جلسات السوء، استمر على هذا الحال ما بين الحصول على المخدر الأبيض، وما بين تعاطيه بطرق مختلفة عبر الاستنشاق والحقن، حتى وجد نفسه ملقى على أحد الأسرة داخل مستشفى، يعاني من الجرعات الزائدة التي توغلت داخل جسده.

لم يجد الشاب أحد جانبه في المستشفى إلا ذويه، الذين قرروا إنقاذه عند رؤيته في هذا الحال المأساوي، وبالفعل تم إيداعه داخل إحدى المصحات النفسية ليتلقى العلاج والتأهيل النفسي لمدة ثلاث شهور، ثم عاد إلى حياته الطبيعية مرة أخرى، محذرًا أي شخص يعرفه من تناول هذا المخدر القاتل.

"الدستور" تعقد اتفاقية مسجلة على شراء كمية من "الآيس"

بعد الحديث مع ضحايا "الآيس" بدأنا نتساءل عن كيفية الحصول عليه، وهنا كانت وجهتنا التالية إلى أماكن بيع "الآيس" بعد أن أرشدنا الدليل إليها، في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة.

الوصول إليها ليس سهلًا، فتجد شوارع ضيقة وصغيرة، والتجار يقفون على نواصيها لاصطياد الزبائن القادمين، وبيع المواد المخدرة لهم، على حسب اختياراتهم.

لم تمر ثواني على وصولنا للشارع المذكور، إلا وقد التف حولنا 3 أشخاص، كُل منهم يريد بيع ما يملكه لنا من أنواع مخدرات عدة، استهلوا كلماتهم بـ: "كل المخدرات موجودة.. شوفوا انتوا عاوزين ايه".

وبمجرد سؤالنا عن إمكانية الحصول على مخدر"الآيس"، سرعان ما اصطحبنا أحدهم داخل الشارع المظلم، وطلب منا عدم الإفصاح عن ما نريده، مؤكدًا أن ذلك المخدر لا يُباع في العلن، بل أن هناك تجار معينين هم المسؤولون عن تداوله في المنطقة: "الحاجة دي بتيجي من بلاد تانية زي الهند والصين، وفيه معامل بتضربه هنا".

اصطحبنا التاجر بعيدًا عن أعين البقية، سألنا عن الكمية المطلوبة "الجرام تمنه 2200 جنيه من الآيس النضيف، لو عاوز المضروب هيبقى سعره أقل"، ثم طلبنا منه توفير 10 جرام، وترك لنا رقم هاتفه للتواصل في المرة المقبلة، حين نقوم بتجهيز المبلغ المطلوب، موضحًا أن المقابلة ستجرى في مكان آخر سيوجهنا إليه عبر الهاتف.

أعد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دراسة شاملة في عام 2017، والتي خلصت بأن هناك ما يقرب من 2 مليون شخص مصاب بمرض الإيدز نتيجة تعاطي المخدرات، و6 مليون آخرين مصابون بفيروس سي، من إجمالي 18 مليون متعاطي للمواد المخدرة التي يتم استنشاقها، و12 مليون مدمن يتعاطى المخدر بالحقن.


وبحسب الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، فقد بلغ عدد الوفيات بسبب تعاطي المخدرات حول العالم، حوالي أكثر من 200 ألف حالة.

كيميائي: "الآيس" يدمر الجهاز العصبي تمامًا

لكن ما طبيعة ذلك المخدر، هو التساؤل الذي قادتنا إلى خطوتنا التالية، حيث الحديث مع أحد المتخصصين في مجال الكيمياء، فكان حديثنا مع الدكتور حسين عمار، أستاذ الكيمياء الصيدلية بالمركز القومي للبحوث، الذي حذر من تعاطي "الآيس" لوصفه بـ"القاتل".

"عمار" يشرح أن سر هذا الوصف هو تأثيره بشكل مباشر على الجهاز العصبي، كما أن تلك المواد تستهدف مراكز غاية في الحساسية من مراكز الجهاز العصبي بمجرد تناولها، وتدمرها تمامًا، ورغم أن تأثيرات المواد المخدرة على الإنسان متفاوتة ما بين نوع وآخر، ولكن الأكيد أن جميعها قاتل.

ويوضح أن هناك مواد ذات التدمير اللحظي أو الوقتي وهي التي لا تأخذ وقتًا طويلًا لتدمير خلايا المخ ومراكز الجهاز العصبي، وأخرى تستغرق وقتًا مع تناول جرعات مكثفة من تلك المواد، وفي الأخير كلا النوعين يدمران الإنسان.

وفي ختام كلماته، وجه النصح بعدم الانجراف نحو تناول أي نوع من المواد المخدرة حتى وإن كان على سبيل التجربة الأولية؛ مضيفًا أن الكارثة الكبرى تكون في مبدأ تجربة المخدرات؛ لأن من بعدها ينجرف الشاب طريق الإدمان ويصعب انتشاله من هذا العالم، كونه يصبح غير قادرًا على الاستجابة إلى المؤثرات الخارجية والتعامل معها.

قانوني: الإعدام عقوبة الاتجار في مخدر "الآيس"

التأثير الضار ليس على صحة المتعاطي فقط بل على حريته أيضًا، فكان لنا حديث مع الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، الذي أوضح لنا الجانب القانوني، فيؤكد أن العقوبة تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، لكل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطي جوهرًا مخدرًا، وفقًا للمادة 34 من القانون المصري.

في حال تصنيع المواد المخدرة وليس الإتجار فيها فقط، فهنا يعاقب المتهم على ارتكاب جريمتين هما التصنيع والإتجار، ويُطلق على تلك الحالة "التعدد المعنوي"، لذلك يعاقب المتهم بعقوبة مشددة، وفقًا لنص المادة رقم 32 من قانون العقوبات.

نصت المادة 33 من قانون العقوبات أن كل من يقوم بممارسة الاتجار فى المواد المخدرة يعاقب بدءًا من السجن المشدد 3 سنوات، إلى السجن المؤبد أو الإعدام فى بعض الحالات، والغرامة المالية التى تصل إلى 100 ألف جنيه مصرى، كما أنها لا تزيد عن 500 ألف جنيه مصرى، وهذا فى حالة إذا تم تصدير أو استيراد المخدرات.
طبيب نفسي: عالجت بعض مدمني "الآيس".. والمخدر مازال مغمورًا

التعافي والفرار من تلك العقوبات ليس سهلًا، وهذا ما يوضحه الدكتور جمال فرويز، طبيب العلاج النفسي والإدمان، حيث أن أغلب الفئة العمرية المجربة لهذا المخدر في سن العشرينات، وذلك بحسب المتعاطين المترددين على عيادته.

وانتقل "فرويز" في حديثه إلى التعريف بالأعراض الناجمة عن "الآيس"، حيث يصيب صاحبه بحالة من الهياج وغالبًا ما ينتج عنه حالة البارانويا التي تجعل متعاطيه يميل إلى استخدام أساليب العنف دون أي أسباب منطقية"، كما تسبب ضرر مباشر على الصدر، والتهابات شديدة به، بجانب ضرر المواد الكيماوية المضافة له، والتي ينتج عنها سرعة تدفق في الدم، ونزيف مفاجئ بعد الإصابة بجلطات في أماكن معينة من المخ.

وعن العلاج، يؤكد على ضرورة أن تكون الحالات لديها الرغبة الكاملة على التخلص من تلك المواد المخدرة التي توغلت في جسمه، ثم الخضوع للعلاج السلوكي والمعرفي داخل المصحات النفسية.