رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفعات سورية جديدة لأردوغان



الجيش السورى يواصل تقدمه فى إدلب، بعد أن استعاد سيطرته على مناطق كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية فى محافظة حلب شمالى البلاد. وبالتزامن مع تعهد جيش السوريين بالقضاء «على ما تبقى من التنظيمات الإرهابية أينما وُجدت»، أعلن على حمود، وزير النقل السورى، أمس الإثنين، عودة تشغيل مطار حلب الدولى، وأسعدتنا إشارته إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تسيير أولى رحلاته إلى دمشق والقاهرة.
بعد استعادته كامل سيطرته على طريق حلب دمشق الدولى، بدأ الجيش السورى يتقدم تدريجيًا نحو المناطق المحيطة بحلب. وتمكن من تحرير نحو ٣٠ قرية وبلدة شمال وغرب المدينة. ونقل التليفزيون الرسمى السورى مشاهد لمواطنين فى حلب يحتفلون بنجاح جيشهم فى تحريرهم من قبضة الإرهابيين. وربما على سبيل التشفى أو الشماتة، أعرب الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى مكالمة تليفونية، مع نظيره التركى، رجب طيب أردوغان، عن قلقه «إزاء العنف فى إدلب»، وأبلغه برغبته فى أن «يتوقف الدعم الروسى للفظائع التى يرتكبها نظام الأسد». وانتهى البيان الصادر عن البيت الأبيض، دون أى إشارة إلى اعتزام الولايات المتحدة التدخل!.
المعارك دائرة فى ريف إدلب الجنوبى والجنوبى الشرقى، وفى ريف حلب الجنوبى الغربى، منذ ديسمبر الماضى. ومع أن الجيش السورى كان قد استعاد سيطرته على حلب فى ٢٠١٦، إثر معارك استمرت عدة أشهر، إلا أن المدينة ظلت هدفًا لـ«هيئة تحرير الشام»، «جبهة النصرة» سابقًا، ولغيره من التنظيمات الإرهابية المنتشرة عند أطرافها الغربية والشمالية. واليوم، استعاد الجيش السورى سيطرته على كامل القرى والبلدات المحيطة بالمدينة، للمرة الأولى منذ سنة ٢٠١٢، وصار بإمكانه تأمينها وحمايتها من استهداف الإرهابيين.
متجاهلة التهديدات، التحذيرات، أو «الهلفطة» التركية بإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق، ما لم ينسحب الجيش السورى من المناطق التى استعاد سيطرته عليها فى الأسابيع الأخيرة، استضافت العاصمة الروسية موسكو، جولة المفاوضات التى جرت، أو من المفترض أن تكون قد جرت، أمس الإثنين، خلف الأبواب المغلقة. وبالتزامن، أعلن «مركز حميميم» للمصالحة فى سوريا، التابع لوزارة الدفاع الروسية، أنه تم تجهيز معابر ونقاط تفتيش إضافية، لتسهيل إجلاء المدنيين عن منطقة وقف التصعيد فى إدلب. ودعا المركز قادة التنظيمات الإرهابية إلى «التخلى عن الاستفزازات، والشروع فى تسوية سلمية فى المناطق الخاضعة لسيطرتهم».
إلى لا شىء، انتهت جولتا المفاوضات بين الطرفين فى أنقرة، ولم يتم الاتفاق على وضع تصور جديد لتطبيق اتفاق سوتشى. ومن البيانات الروسية التى أكدت أن «نجاحات الجيش السورى الأخيرة وفرت فرصة لتطبيق بنود الاتفاق بشكل كامل»، يمكننا استنتاج أن موسكو قامت بوضع خريطة جديدة لخطوط التماس، أو لتمركز نقاط المراقبة التركية، وأدخلت تعديلات، من جانب واحد، على الاتفاق، ولم يعد بإمكان أنقرة غير الامتثال لها.
فى ألمانيا، وعلى هامش مشاركتهما فى مؤتمر ميونخ للأمن، التقى وزيرا الخارجية الروسى سيرجى لافروف والتركى مولود جاويش أوغلو، السبت. وكان واضحًا أن لافروف لم يلتفت إلى التهديدات، الحذيرات أو «الهلفطة» التركية، وأكد بلا مواربة أن «انتصار الأسد حتمى»، وقطع بأنه «لا بد من النصر على الإرهاب». وقال إنه طرح على وزير الخارجية التركى «فصل الإرهابيين عن المدنيين فى إدلب، وإنشاء منطقة آمنة تسمح بحماية المدنيين». وطبقًا للبيان الصادر عن الخارجية الروسية، فإن الوزيرين تطرقا إلى التهديدات التى تلقتها السفارة الروسية فى أنقرة، وتعهد الجانب التركى باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان أمن البعثة الدبلوماسية الروسية.
لعبت تركيا بكل كروتها القذرة، بدءًا من تزويد الإرهابيين بأسلحة ومعدات عسكرية، من بينها صواريخ دفاع جوى، وليس انتهاء بتهديد أليكسى يرخوف، السفير الروسى لدى أنقرة بالقتل. وفى ميونخ، دعا جاويش أوغلو ألمانيا والدول الأوروبية لدعم بلاده، محذرًا من أزمة لجوء جديدة. وبدا واضحًا أن هناك من استجابوا لهذا الابتزاز، إذ أعرب مسئولون أوروبيون عن قلقهم من حدوث «كارثة إنسانية». وعقب اجتماعه مع نظيريه التركى والروسى، قال هايكو ماس، وزير الخارجية الألمانى، إن بلاده تنتظر من موسكو استغلال نفوذها على الحكومة السورية «لإنهاء هجماتها، ووقف عملياتها القتالية». وتأكيدًا على أن رادار مجلس الأمن لا يلتقط جرائم تركيا وانتهاكاتها للقانون الدولى، وللقرارات الأممية، عقد المجلس، يوم الجمعة الماضى، جلسة مغلقة لمناقشة ما وصفه بـ«الوضع الإنسانى المتدهور فى إدلب»!.
الجيش السورى يواصل تقدمه. وستكون القاهرة، كما أشرنا، أو كما بشّرنا وزير النقل السورى، هى الوجهة الثانية، بعد دمشق، لأولى رحلات مطار حلب الدولى. ومع استعادة جيش السوريين سيطرته على أكثر من ٧٠٪ من أراضيه، نتمنى أن يتحقق ما تعهد به ويحرر كامل التراب الوطنى السورى من الإرهابيين وأن تتوالى صفعاته لداعميهم ومحركيهم.