رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يرضى المخلوق خالقه فى عالم سريع التغير



لا شك أن خالق المسكونة وكل من عليها جعل الإنسان على قمة هذه الخليقة، فبعد أن خلق الله سبحانه جميع الألوان والأنواع على ظهر المسكونة، بعد أن عزل اليابسة عن المياه وخلق كل ما يدب على اليابسة، وكل ما هو تحت الماء، صنع الإنسان مسلطًا إياه على كل مخلوقاته، وكان من الطبيعى أن يسر المخلوق من خلقه، وذلك بالأمانة وحب الإنسان لأخيه الإنسان، لأن الخالق واحد لا شريك له، لكنه نسى ثم عصى حتى ضاق الإنسان بأخيه فى الخلق وفى وحدانية الوالدين، وغضب الخالق ورفض تقدمات الإنسان ويداه ملوثتان بدم أخيه، ولم يقبل ذبائحه، بل قال: أريد رحمة لا ذبيحة.
ومع ذلك لم يتعلم البشر من الجريمة الأولى فى تاريخ البشرية، بل زادت الخطايا والأخطاء، فكان الطوفان المدمر لكل ما يدب على الأرض باستثناء ما أوصى به الخالق عائلة واحدة يرأسها رجل مستقيم اسمه نوح الذى أوصاه الخالق بأن يبنى سفينة كبيرة، ربما استغرق بناؤها شهورًا لكى تكون عملية البناء ناقوس خطر يعطى إنذارًا ليستقيم البشر الخطاة ويعودوا تائبين نادمين على أفعالهم، إلا أنهم قسوا وتمردوا ومزحوا على نوح وهو يبنى أكبر سفينة عرفها العالم فى زمانه، ولكى تستوعب من كل لون من الألوان سواء كان طيرًا يطير فى الجو أو حيوانًا يسير على الأرض، وكان قول الرب لنوح: ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفُلك لأنى إياك رأيت بارًا لدىّ فى هذا الجيل، من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكور وإناث، ومن البهائم التى ليست طاهرة اثنين ذكرًا وأنثى، ومن طيور السماء أيضًا سبعة من الذكور ومن الإناث لاستبقاء نسل على وجه الأرض، ففعل نوح، حسب كل ما أمره به الرب، ولما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض، فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك، ومن البهائم الطاهرة والبهائم التى ليست بطاهرة، ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. هلَّ اثنان اثنان إلى نوح إلى داخل الفلك، ذكرًا وأنثى، كما أمر الله نوحًا؟ وحدث بعد السبعة أيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض فى سنة ستمائة من حياة نوح فى الشهر الثانى فى اليوم السابع عشر من الشهر، فى ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة، فى ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح، وامرأة نوح ونساء بنيه الثلاث معهم إلى الفلك؟ هم وكل الوحوش بأجناسها، وكل البهائم بأجناسها، وكل الدابات التى تدب على الأرض بأجناسها، وكل الطيور بأجناسها، كل عصفور، كل ذى جناح، ودخلت مع نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كل ذى جسد فيه روح حياة وأغلق الرب عليه.
وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض، وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض، فكان الفلك يسير على وجه المياه، وتعاظمت المياه كثيرًا جدًا فغطت جميع الجبال الشامخة خمس عشرة ذراعًا فى الارتفاع، فغطت الجبال فمات كل ذى جسد كان يدب على الأرض، فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض، وتبقى نوح والذين معه فى الفلك فقط، وتعاظمت المياه على الأرض مدة مائة وخمسين يومًا.
وأجاز الله ريحًا على الأرض فهدأت المياه، وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء، فامتنع المطر من السماء ورجعت المياه عن الأرض رجوعًا متواليًا، وفى العاشر من أول الشهر ظهرت رءوس الجبال، وبعد أربعين يومًا فتح نوح طاقة الفلك وأرسل الغراب، فخرج مترددًا حتى جفت المياه على الأرض، ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه من وجه الأرض، فلم تجد الحمامة مقرًا لرجلها فرجعت إلى الفلك لأن مياهًا كانت على الأرض، فمد نوح يده وأخذها من طاقة الفلك، وبعد سبعة أيام أُخَر عاد وأرسل الحمامة فعادت إليه عند المساء وفى فمها ورقة زيتون خضراء.
فعلم نوح أن المياه قد جفت على الأرض، فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد جفّ، فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه، ومعه كل الحيوانات بأنواعها خرجت من الفلك.
وقال الرب فى قلبه: «لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان، ولا أعود أميت كل حى، مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل لا تزال».
بارك الله نوحًا وبنيه، وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض.
وعودة إلى عنوان الرواية.. هل يتجه العالم إلى التعاون وغرس بذور الأمن والسلام من أجل الرخاء والاعتناء بالصحة والحياة الكريمة ليحيا الجميع فى أمن وسلام، أم ننتظر عقابًا آخر حتى نستفيق من غفوتنا، وننهض بأوطاننا ونعمل على رعاية شعوبنا، فى حياة خالية من الحروب والكروب والأوجاع والأمراض المميتة، حتى لا تغمرنا مياه الكراهية ورفض كل ما هو آخر؟.