رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب إلى الأبد!



قرار مجلس الشيوخ بإسقاط قضية عزل الرئيس الأمريكى، كان متوقعًا بنسبة تزيد عن الـ١٠٠٪. ومع ذلك بدا أعضاء الحزب الجمهورى كما لو كانوا قد فوجئوا بتلك النتيجة، واحتفلوا بما وصفوه بـ«تبرئة ترامب» أو بـ«انتصار الرئيس»، وانتقدوا من صوتوا لصالح عزله، وقطعوا بأنهم سيواجهون خسارة فادحة فى صناديق الانتخابات.
بعد أندرو جونسون، سنة ١٨٦٨، وبيل كلينتون، سنة ١٩٩٨، قام مجلس الشيوخ الأمريكى، الأربعاء الماضى، لثالث مرة فى تاريخه، بإسقاط قضية عزل دونالد ترامب، غير أن الأخير سيكون هو الرئيس الأول فى تاريخ الولايات المتحدة الذى سيخوض انتخابات رئاسية بعد إجراءات عزله، إذ كان سابقاه فى ولايتهما الثانية. وبينما يحلم الديمقراطيون بأن تؤدى إجراءات العزل إلى هزيمة ترامب فى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل، يؤكد الجمهوريون العكس، ويؤيدهم استطلاع رأى أجراه «معهد جالوب للأبحاث»، منذ أيام، أظهر حصول ترامب على أعلى نسبة تأييد طوال فترة حكمه. ومع أن النتائج تتأرجح من استطلاع لآخر، إلا أن أداء الحزب الديمقراطى كفيل بأن يجعل ترامب رئيسًا مدى الحياة!.
عزل ترامب كان يحتاج موافقة ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ. ما يعنى أن الأعضاء الديمقراطيين الـ٤٧ فى المجلس كانوا يحتاجون أصوات ٢٠ جمهوريًا، على الأقل. أما ما حدث فهو أن كل الجمهوريين صوتوا لصالح ترامب، باستثناء ميت رومنى، الذى أرجع ذلك، فى خطاب ألقاه أمام أعضاء مجلس الشيوخ، إلى أنه «رجل متدين جدًا» ولن يحنث باليمين الذى أقسمه. وكنتيجة طبيعية، كتب ترامب فى حسابه على تويتر: «لو خصص المرشح الرئاسى الخاسر ميت رومنى تلك الطاقة لهزيمة باراك أوباما، لفاز فى الانتخابات». ووصفه البيت الأبيض، فى بيان صدر بعد التصويت، بأنه «المرشح الجمهورى الأكثر فشلًا».
فى كلمة طويلة ألقاها فى البيت الأبيض لـ«الاحتفال» بانتصاره، وصف ترامب قرار مجلس الشيوخ بأنه «انتصار كبير». وقال إن القضية كانت «شريرة، وفاسدة، وشارك فيها رجال شرطة قذرون ومسربو معلومات وكذابون، يجب ألا يحدث ذلك أبدًا لرئيس آخر». ودون ذكر اسميهما، شن ترامب هجومًا على ميت رومنى، ونانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب.
فريق دفاع ترامب ومسئولو البيت الأبيض، وكل المحتشدين فى البيت الأبيض، قاطعوا الخطاب عدة مرات بالتصفيق الحار. أما الديمقراطيون، فلوحوا بعدم الاستسلام، وأعلن بعض قادتهم عن استكمال التحقيق فى ممارسات ترامب، سواءً فى ملف أوكرانيا أو فى ملف نفقاته المالية وضرائبه. وذكرت نانسى بيلوسى، فى بيان، أن «مجلس النواب سيستمر فى تطبيق الدستور والحفاظ على الجمهورية، من خلال المحاكم الفيدرالية، أو من خلال محكمة الرأى العام»!.
أيضًا، قال آدم شيف، رئيس لجنة المخابرات فى مجلس النواب، فى حوار مع شبكة «إم إس إن بى سى»، إنهم حاولوا الحصول على مذكرة تحت القسم من جون بولتون، مستشار الأمن القومى السابق، تصف ما شهده من تصرفات غير مناسبة للرئيس بشأن أوكرانيا، لكنّه رفض. وكانت جريدة «نيويورك تايمز» قد نشرت، فى ٢٦ يناير الماضى، أنها اطلعت على مقتطفات من كتاب بولتون، المتوقّع صدوره منتصف مارس المقبل، تحت عنوان «الغرفة.. حيث حدث كل شىء». ونقلت الجريدة عن تلك المقتطفات أن ترامب أبلغ بولتون فى أغسطس ٢٠١٩، بأنه سيحجب مساعدات بحجم ٣٩١ مليون دولار عن أوكرانيا إلى أن يتلقى وعدًا بفتح تحقيق ضد نجل خصمه جو بايدن. وعليه، استنتج شيف من رفض بولتون أن يكون ما قام بتسريبه يهدف إلى تسويق كتابه، وهو الاتهام نفسه الذى سبق أن وجهه ترامب إلى مستشاره السابق.
ترامب، كما أشرنا، هو الرئيس الثالث الذى نجا من مقصلة العزل، بينما كان جون كينيدى هو الرئيس الأمريكى الوحيد، الذى فتح ملف قضية اللاجئين الفلسطينيين، وحاول أن يتوصل إلى حلول لها. وكان الوحيد أيضًا الذى عارض المشروع النووى الإسرائيلى، وحاول إرسال فرق تفتيش للتأكد من سلمية البرنامج. والأهم، هو أنه الوحيد الذى استجاب لتحذير دوايت آيزنهاور، فور مغادرته البيت الأبيض، سنة ١٩٦١، من مخاطر هيمنة المجمع العسكرى الصناعى، على الحياة السياسية فى الولايات المتحدة. وكل هذه الملفات، أغلقها ليندون جونسون، نائب كينيدى الذى تولى الرئاسة بعد اغتياله، وقام بمسح كل آثاره فى السياسة الخارجية الأمريكية، وأعاد مفاتيح السيطرة إلى المجمع العسكرى الصناعى والشركات الكبرى المتحالفة معه.
هل قلنا إن أداء الحزب الديمقراطى كفيل بأن يجعل ترامب رئيسًا مدى الحياة؟!.
مع أن الدستور الأمريكى، كما هو معروف، يقصر مدد الرئاسة على اثنتين فقط، إلا أن ترامب نشر فى حسابه على «تويتر»، مقطع فيديو تضمن لافتات حملته الانتخابية، فى ٢٠٢٤ وما بعدها، وانتهى بعبارة «ترامب إلى الأبد»!.