رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيزنس بنى سعد وقريش



نركب آلة الزمن، ونرجع شبه الجزيرة العربية، القرن السابق لـ الدعوة المحمدية مباشرة، دلوقتى عندنا قبائل كتير جدا، بـ تتكلم لغات كتير جدا، لكنهم مفترضين إنه فيه أصل واحد لـ كل هذه اللغات، وكانوا بـ يتبعوا طريقة موال محمد طه «ع الأصل دور».
كويس هل وجدوا هذا الأصل؟ أكيد لأ، هـ يلاقوه إزاى وهو مش موجود؟ طيب: هل اخترعوا حاجة واعتبروها هى «الأصل»؟ أيوه، اخترعوا حاجة واعتبروها هى «الأصل»، ودى ارتبطت زى ما قلنا بـ النخب. تمام، إذن بقى عندنا حاجة واضحة أهى، اسمها «اللغة العربية الفصحى»، حتى لو مخترعة. الحقيقة إنه لأ، ليه؟ لـ إنه فيه حاجات كتير حكمت الموضوع دا، منها القبلية نفسها، كل قبيلة أو مجموعة قبائل أو فرع ادعت لـ نفسها، إنها أقرب لـ اللغة «الأصل» دى.
زى ما بـ نعمل دلوقتى تقريبا، كل بلد تقريبا أهلها بـ يعتقدوا جازمين إن لغتهم هى الفصحى نفسها بس يعنى مع شوية تسهيل، إنما التانيين الوحشين، حصلت لهم تأثيرات خلت لسانهم اتعوج. بـ النسبة لـ عرب زمان، يمكن إقليم ما يقر إنه الحتة دى أحسن من الحتة التانية داخل نفس الإقليم، يعنى «بنى سعد» تشتهر بـ الفصاحة، «قريش» تشتهر بـ الفصاحة، دا داخل هذا الإقليم، إنما فى القبائل الجنوبية، ما يخصهمش الكلام دا، فى «نجد» ما يلزمهمش. حتى فى نطاق الحجاز وتهامة، اللى فيها قريش وبنى سعد، اشتهار دول ودول بـ«الفصاحة» تم غصب واقتدار لـ أسباب اقتصادية وسياسية، مالهاش علاقة بـ اللغة، نتيجة اشتغال بنى سعد بـ«بيزنس التعليم»، اللى كان بيزنس منظم، وبـ يدخل فلوس كتير. وجود السوق المركزية لـ المنطقة فى قريش، وتحكم أهلها فى التجارة، رغم إنه التجارة دى، خلت لغة قريش أكثر عرضة لـ التأثر بـ لغات تانية. يا راجل! دا تعبيرات زى «الله» و«آمين» و«الصراط» مستوردين من بره، وإحنا لسه فى الفاتحة. فـ اللى بـ أفهمه، إنه العرب «سعوا» لـ إيجاد الأصل، أو على الأدق اختراع الأصل، وبذلوا جهود كبيرة فى دا، وعملوا مدارس ومراكز تعليم، والأسواق اتملت بـ الناس اللى شاغلهم هذا الأصل والخناقات والافتخارات بـ مين أفصح.
إنما دا ما نجحش فى إنتاج حاجة واحدة متماسكة فى النهاية هو خلى فيه كذا لغة «فصحى»، مختلفة عن اللغات المحكية، لكن اللغات الفصحى أقرب كتير لـ بعض من اللغات المحكية العامية، معقد الوضع دا صح؟
بس هو اللى كان حاصل تقريبا، يعنى أنا كـ مواطن قرشى عادى، بـ النسبة لى فيه لغة محكية بـ نقولها فى البيت وإحنا بـ نرعى الغنم، اللغة دى رغم إنها «عامية» بس هى أفصح طبعًا من القبائل التانية والمسافة بينها وبين «الفصحى» هبابة، مين بقى بـ يتكلم الفصحى دى صح؟
نخبة قريش، المتعلمين، اللى دارسين بره وجوه: عتبة بن أبى ربيعة، الوليد بن المغيرة، أبوسفيان بن حرب، هؤلاء «لا يلحنون»، بس عتبة والوليد وأبوسفيان، اللى بـ يتكلموه دا
هو «الفصحى» فعلا؟
لا دى حاجة مخترعة علشان تناسب الخطابة والشعر، أى علشان تبقى لغة رسمية، وطبعا عتبة والوليد وأبوسفيان نفسهم يظنوا إنهم بـ يتكلموا الفصحى.
طيب، أنا مواطن مثلًا من قبيلة إياد، عندى لغة قبيلة «إياد»، وعندى الفصحى، وطبعا أنا أظن إنه لغة إياد دى هى «الأفصح»، هى بس فيها شوية تسهيل وتحريف مين عندى بـ يتكلم «الفصحى» الصح؟ عندنا خطيبنا العظيم قس بن ساعدة الإيادى، دا هو اللى بـ يتكلم «الفصحى» الصح، قس نفسه يظن إنه بـ يتكلم اللغة العربية «الفصحى»، إنما هو فى حقيقة الأمر، بـ يتكلم بـ لغة مصطنعة علشان تبقى لغة الخطابة والشعر، أى لغة «رسمية».
حيلو! هل الوليد وعتبة من قريش بـ يتكلموا نفس «الفصحى» بتاعة قس بن ساعدة الإيادى؟
الإجابة: لأ، مش بـ الظبط بـ الظبط، لكنهم قريبين أوى لـ بعض، أقرب من لغة قريش لـ لغة إياد، نتيجة بذل جهود كبيرة فى الأسواق وفى المدارس، لـ الوصول إلى «فصحى» واحدة.
فـ النتيجة النهائية:
عندنا مئات اللغات المحلية، ولغة «فصحى» هذه اللغة «تسعى أن تكون واحدة»، لكنها لم تكن كذلك. حتى جاء الإسلام، فـ تغير كل شىء.