رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب يضرب مجددًا عاصمة الإرهاب



شاب فى العشرين، اسمه سوديش أمان، اعترف فى ٢٠١٨، بارتكاب ١٣ جريمة إرهابية، وعوقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات تقريبًا. لكن تم الإفراج عنه، الشهر الماضى، بعد أن أمضى نصف العقوبة، ومن المفترض أن يكون «تحت مراقبة نشطة من الشرطة». ومع ذلك، تمكن يوم الأحد، من طعن ثلاثة أشخاص بسكّين، فى هجوم نفذه، جنوبى العاصمة لندن، وهو يرتدى حزامًا ناسفًا مزيفًا أو وهميًا، قبل أن تطلق الشرطة البريطانية عليه الرصاص وترديه قتيلًا.
شهود عيان قالوا إن الشاب كان يحمل سلاحًا أبيض، وقال أحدهم إنه كان يرتدى سترة بها عبوات فضية اللون. وأظهرت لقطات، جرى تصويرها فى منطقة الحادث، رجلين فى زى مدنى، أحدهما يرتدى قبعة يرتديها أفراد الشرطة، وهما يصوبان سلاحيهما تجاه الجثة على رصيف مجاور. أما الضحايا فذكرت الشرطة البريطانية أن حالاتهم كالتالى: رجل يعانى من إصابات تهدد حياته جراء الطعن، وامرأة إصابتها أقل خطورة، وامرأة أخرى أصيبت بسبب تهشم الزجاج بعد استخدام أحد أفراد الأمن سلاحه.
بعد ساعات، أعلن تنظيم «داعش»، عبر وكالة أعماق، الذراع الإعلامية للتنظيم، مسئوليته عن الحادث، وزعم أن منفذ الهجوم من مقاتلى التنظيم، وأنه قام بتنفيذه «استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف». وفى المقابل أعلن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، أن حكومته ستقوم بتغيير منظومة التعامل مع الأشخاص الذين أدينوا فى جرائم إرهابية. ووعد فى بيان، أصدره الإثنين، بفرض قواعد أكثر صرامة على إطلاق سراح الإرهابيين. وفى بيان آخر أوضحت بريتى باتيل، وزيرة الداخلية، أن «هذه الإجراءات ستأتى استكمالًا للإجراءات التى تم اتخاذها بالفعل»، وشدّدت على أنه «من الصواب إبقاء هؤلاء الأفراد خلف القضبان».
ردود الأفعال، إذن، تكاد تتطابق مع تلك التى أعقبت حادث مماثل شهدته لندن، فى ٢٩ نوفمبر الماضى، حين قتلت الشرطة بالرصاص رجلًا كان يرتدى حزامًا ناسفًا مزيفًا، أو وهميًا، بعد أن قتل شخصين طعنًا وأصاب ٣ آخرين. ووقتها، اتضح، أيضًا، أن هذا الإرهابى، واسمه عثمان خان، سبق أن أدين واثنين آخرين، فى فبراير ٢٠١٢، وعوقبوا بالسجن لمدة ١٧ سنة. ومع أن المحكمة قضت بعدم إطلاق سراحهم «إلا إذا لم يعودوا يمثلون تهديدًا»، إلا أن هذا الشرط تم رفعه لاحقًا، وحصل خان وزميلاه فى ديسمبر ٢٠١٨ على إطلاق سراح مشروط!.
مع هذه المشكلة أو المعضلة القانونية، فإن نجاح موضوعين تحت رقابة الشرطة، بشكل متكرر، فى ارتكاب جرائم، يؤكد وجود ثغرات فى النظام الأمنى البريطانى، أو حالة من الانفلات تعجز السلطات هناك عن السيطرة عليها. إلا أن هذه النقطة لم تشغل بال الحكومة أو المعارضة، إلى الآن على الأقل. واتفق جونسون، ووزيرة داخليته، وجيريمى كوربين، زعيم حزب العمال المعارض، ومعهم صديق خان، عمدة لندن، على توجيه الشكر لخدمات الطوارئ على «شجاعتها وتفانيها وسرعة استجابتها».
أواخر العام الماضى، قامت بريطانيا بتخفيض مستوى التهديد الإرهابى إلى «كبير» نزولًا من «حاد»، وهو أدنى مستوى له منذ سنة ٢٠١٤. وكانت تيريزا ماى، رئيسة الحكومة السابقة، قد أعلنت فى ٦ يونيو ٢٠١٨، أنها ستبذل مزيدًا من الجهد لتقييد حرية وحركة المشتبه فى كونهم إرهابيين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لمحاكمتهم. وبالنص قالت: «إذا كانت قوانين حقوق الإنسان لدينا تمنعنا من القيام بذلك، سنمزق تلك القوانين». ومنذ أسبوعين تقريبًا، قالت الحكومة البريطانية إنّها ستتقدّم «قريبًا» إلى مجلس العموم (البرلمان) بمشروع قانون يشدّد العقوبات على مرتكبى الجرائم الإرهابية ويمنعهم من الاستفادة من إطلاق السراح المبكر.
مشروع القانون الجديد «سيُلزم الإرهابيين بقضاء عقوبتهم كاملة، وسيحرص على أنّ يقضى المدانون بارتكاب جرائم خطيرة ١٤ سنة على الأقلّ خلف القضبان». كما تعتزم الوزارة، كما أعلنت فى بيان، مضاعفة عدد ضباط مراقبة إطلاق السراح، ورفع الميزانية المخصّصة لمكافحة الإرهاب إلى ٩٠٦ ملايين جنيه إسترلينى «١.٢ مليار دولار»، مع تخصيص نصف مليون جنيه إسترلينى «٦٥٥ ألف دولار» للوحدة المسئولة عن مساعدة ضحايا الاعتداءات.
لن تواجه الحكومة البريطانية أى صعوبة فى إقرار القانون الجديد، أو فى تمرير الإجراءات التى تعتزم وزارة الداخلية اتخاذها، نظرًا للأغلبية المريحة التى يتمتّع بها حزب المحافظين الحاكم فى مجلس العموم. غير أن ذلك أو عدمه، كما سبق أن قلنا مرارًا، لن يقدم أو يؤخر، مع استمرار احتضان بريطانيا لإرهابيين كثيرين، بينهم قادة تنظيم «الإخوان» الإرهابى، وسماحها لهم بالسيطرة على منابر مساجدها، وامتلاك منصات إعلامية، تمولها أجهزة مخابرات دول معروفة بالاسم، ما جعل العاصمة البريطانية، لندن، توصف بأنها «عاصمة الإرهاب»، وما جعل بريطانيا، كلها، تستحق أن توصف بأنها مملكة الإرهاب.