رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدالة بين الأزواج والزوجات.. «الطريق المختصر» لتجديد الخطاب الدينى


هل يُعقل أننا منذ عام ٢٠١٤ لا ننجز شيئًا فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟ ست سنوات والأزهر وغيره من المؤسسات الدينية لا تفهم من قضية تجديد الخطاب الدينى إلا المزيد من المؤتمرات والندوات واللقاءات فى مصر وخارجها، والحوارات الإعلامية عن ضرورة هذا التجديد، والمزيد من التوصيات المنشغلة ببناء الجوامع والمساجد الجديدة، وترميم المتهالك منها، والمزيد من الحوارات عن إسلام مصر الوسطى المعتدل، وأن منْ يمارسون الإرهاب الدينى يعبرون عن فهم خاطئ للدين، لكنهم ليسوا كفرة، والمزيد من بنوك الفتوى وأكشاك الفتوى والمواقع الإلكترونية للفتوى.
مجرد التأمل العابر لما يحدث فى بلادنا، فيما يخص قضية تجديد الخطاب الدينى، يجعلنا فورًا متأكدين أنها بعد ست سنوات قضية خاسرة. وأنا أقترح أن نوقف عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التى تناقش هذه القضية، وأن يذهب المال العام الذى ينفق لترتيب هذه الأمور على أى شىء آخر مفيد وحيوى.
لقد تم إلهاؤنا فى شكليات لا خير من ورائها. مرة يقولون لنا إن المراد هو «إصلاح» وليس «تجديد» الخطاب الدينى، ومرة يقولون لنا إن الخطاب الدينى لا يُجدد ولكن الذى يُجدد هو طريقة عرضه ونشره، ومرة يقولون إن مصر هى بلد الإسلام ومعقل الدين، فكيف ينقصها شىء مثل التجديد؟ ويقولون إن كلمة «إصلاح» هى الصواب وليس التجديد. كلها قشور ومظاهر، لا تمس عمق القضية وجذورها. مجرد استهلاك إعلامى داخل مصر وخارجها.
فى أحد البرامج الإعلامية فى التليفزيون الرسمى شاهدت شيخ الأزهر، وسمعته بنفسى يقول للمذيع: «يعنى إيه تجديد الخطاب الدينى؟ محدش يقدر يجدد حاجة فى ديننا وإسلامنا.. فهذا غير مسموح به، لأن الدين قد تم تجديده فى عصور السلف، وهو صالح من جميع الأركان والحمد لله».
ومنذ شهرين قرأت لمفتى البلاد فتوى تخص صلاة المرأة، حيث سُئل كيف يكون ملبس المرأة وهى تصلى؟ ولو كانت بمفردها فى الغرفة، فهل تغطى شعرها أم تتركه؟ قال المفتى إن المرأة المسلمة يجب عليها أثناء وقت الصلاة، حتى لو كانت بمفردها فى الغرفة أن تغطى شعرها ولا شىء يظهر من جسمها إلا الوجه والكفين. وأكد أن سفور الوجه والكفين هما المسموح بهما للمرأة المسلمة، فى الشارع وأماكن العمل وغيرها. ويجب أن تتغطى المرأة بأقمشة فضفاضة واسعة، لا تشف ما تحتها، ولا تحدد تفاصيل الجسم.
إذا كان هذان الموقفان يعكسان آراء كبرى المؤسسات الدينية فى البلد، الأزهر والمفتى، فى عام ٢٠٢٠، فكيف يمكن الاقتراب من الدين بأى شكل كان؟
عندما أطلق الرئيس السيسى مبادرة تجديد الخطاب الدينى فى عام ٢٠١٤، أعتقد أنه كان يدرك أنه يحرك المياه الراكدة، وأن دعوته سوف تصطدم بالكثير من الموروثات الدينية التى لفظها الزمن والتغيير فى حياة النساء والرجال والأطفال. وهذا حدث عندما بادر الرئيس بخطوة جسورة عملية واقعية لتجديد الخطاب الدينى، وهى ضرورة إلغاء الطلاق الشفوى، هاجمته مؤسسة الأزهر والمشايخ وكل ممثلى الثقافة الدينية الذكورية، وكانت النتيجة هى بقاء الطلاق الشفوى، الذى يرسخ غياب العدالة بين الزوج والزوجة، ويدعم النظر إليها كمملوكة أو جارية، وليست إنسانة كاملة الإنسانية والكرامة والأهلية. والأطراف التى اعترضت على إلغاء الطلاق الشفوى، تصدع رءوسنا كل يوم عن احترام المرأة وتمجيد المرأة وكرامة المرأة. هم يفهمون احترام المرأة وإنسانية المرأة وتمجيد المرأة، على أنها الطاعة العمياء للرجل والزوج، والتفانى فى خدمته، والعيش بشروطه ومقاييسه هو، واعتبار كل ما يصدر عنه الصواب المطلق والدين المطلق والحق المطلق.
وهؤلاء أيضًا هم الذين يمنعون أى تغيير بسيط فى قوانين الأحوال الشخصية، التى بإمكانها «أنسنة» النساء، وضمان حقوقهن العادلة. أى تغيير فى قوانين الزواج والطلاق، يحقق العدالة بين الأزواج والزوجات، سيكون «الطريق المختصر» لتجديد الخطاب الدينى، وتخليصه من فكره الذكورى.
إذن نحن أمام وضع قاتم، يسمح بالكلام الاستعراضى المظهرى الشكلى، وليس فى نيته من قريب أو من بعيد تحقيق أى تجديد أو إصلاح، بل أكثر من هذا يمكن اتهام وتكفير وإدانة منْ يناقش تجديد الدين بازدراء الأديان، وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، والاستهزاء بالثوابت والمقدسات الدينية.
فى مقال سابق، أوضحت أننى يائسة تمامًا من أى إنجاز له قيمته الفكرية فى قضية تجديد الخطاب الدينى، وها أنا بكل أسف أرى أنه على قدر أهمية القضية، فإن الفشل يحاصرها.
القضية كما أراها لا تحتاج مؤتمرات وحوارات مجتمعية وندوات وملتقيات وكلامًا، القضية تحتاج شجاعة لأخذ قوانين وقرارات جسورة، القضية تحتاج حرية ليس إلا، القضية تحتاج إلى أفكار الدولة المدنية وليس إلى أفكار الدولة الدينية، هذا بكل بساطة «بيت القصيد»، القضية هى زواج مدنى موحد لجميع المصريات والمصريين. فالزواج هو الخلية الأولى، وهو عمود القيم التى تُرسخ فى البيت والدولة، فإذا كان قانون الزواج دينيًا كما هو الآن، فسوف تظل الدولة المدنية وهمًا وخيالًا.
من بستان قصائدى
منْ هذا الرجل
الذى يرتب سريرى
وأوراقى بحركات رشيقة
يفتح النوافذ.. يروى الزهور؟
منْ هذا الوسيم
الواقف فى شرفة بيتى
يشرب القهوة ويشعل السجائر؟
وينثر البخور؟
منْ هذا الغريب
الذى لا يبدو غريبًا
على عيونى وقلبى
لكننى لا أتذكره؟
برقة يمسح بكا لكننى لا أتذكره؟
يشرب معى مرارة الوقت
إنى حائرة
منْ هذا الحنون الصبور؟