رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَنْ أنتم؟


سواءً اتفقنا أو اختلفنا حول توصيف ما سمى بالربيع العربى أنها كانت ثورات شعوب أو أنها مؤامرة كبرى تشارك فى الإعداد والتخطيط لها العديد من الأطراف فى الداخل والخارج من أعداء الوطن العربى، لكن لا أحد، فى اعتقادى، يمكنه إنكار حالة التردى التى كانت تعيشها شعوبنا العربية والتراجع والخروج عن كل دوائر التنافس والتفاعل الحضارى والفكرى والإنسانى والعلمى بندية «ورأس برأس على رأى العامة الطيبين منا» مع دول العالم الأول
لقد ظللنا نرفع شعارًا حنجوريًا نردده فى كل بلاد المشرق والمغرب العربى مفاده أن الشعوب التى تعيش على إنتاج غيرها من الشعوب لا تستحق الحياة، وعلى مدى حقب من الزمان لا ننجح حتى بيننا كعرب فى إيجاد صيغة من التكامل الذى يمكن أن يسهم بشكل أو بآخر فى دعم حالة من الاكتفاء الذاتى عربيًا!!!
فى مثل هذه الأيام من عام ٢٠٠٦ كنت قد التقيت الراحل العظيم الملقب بوزير الغلابة الدكتور «أحمد جويلى» فى حوار صحفى لمجلة «آخر ساعة» واستمتعت بروعة فكر الرجل ووطنيته وموضوعيته، فقد كان يمثل نوعية متفردة من نموذج المدير العربى الباحث والمرتب فكريًا والمتواصل مع أحلام الناس وطموحاتهم فى هدوء ودون إطلاق شعارات حنجورية أو التغنى بأناشيد وأهازيج قومجية تافهة.
قال جويلى فى ذلك الحين: «لا شك أنه قد تراكمت لدى المواطن العربى العديد من الخبرات والتجارب شكلت لديه تصورًا سلبيًا عن العمل العربى فبات لايثق فيما يقال أو يصدر عن أى جهاز أو مؤسسة عربية.. لكننا الآن فى المجلس (مجلس الوحدة الاقتصادية العربية) لدينا إنجازات على أرض الواقع، صحيح أنه لا يمكن القول بحدوث قفزات، لكن هناك أمورًا بات تأثيرها محسوسًا لا ندعى أن لنا فى المجلس الفضل الأول أو الوحيد فى إنجازها، لكن ظروف المنطقة قد ساعدت فى إيجاد مناخ أفضل للاستثمار العربى، والتى فى مقدمتها أحداث ١١ سبتمبر وإفرازها العديد من القرارات والمواقف العنصرية تجاه الاستثمارات العربية فى أوروبا والولايات المتحدة جعل هناك اتجاهًا ملحوظا للاستثمار العربى فى المنطقة العربية»، لاحظ عزيزى القارئ الكلام هنا كان عام ٢٠٠٦.
«العرب مرشحون للاختفاء» عبارة قالها لى «وزير الغلابة» الدكتور أحمد جويلى وهو فى قمة الغضب من موقعه آنئذ كأمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع للجامعة العربية محذرًا كل الأنظمة العربية، فقد كان يحلم كمواطن مصرى وعربى أن تستثمر النظم والحكومات العربية كل موارد بلادهم البشرية والطبيعية، وثرواتهم المعدنية والبترولية وغيرها فى إحداث شكل من أشكال التكامل والتعاون لصالح تقدم بلادهم ودعم قاطرة التنمية.
وحول التواجد فى إفريقيا أكد أنه أمر مهم وتوجه ندفع فى اتجاهه أنشطة المجلس الذى أشرف برئاسته.. وحاليًا هناك تنسيق وتعاون مع الاتحاد الإفريقى.. لكن التوجه العربى بالفعل نحو إفريقيا يميزه نوع من التردد وهذا أمر سلبى وغريب.. فى الستينيات كان هناك عمل جيد فى إفريقيا، حيث كانت هناك قناعة أنها تمثل الفضاء المهم والرحب بالنسبة لنا نظرًا لتوافر الموارد الطبيعية وما تمثله من سوق قريبة ومتاحة..
رحم الله د. أحمد جويلى الذى اقترب بحماس من هموم المواطن المصرى والعربى لأنه يعرفه فى كل حالاته.. وهو بالضبط ما عجز وفشل فيه بعض حكام العرب وحكوماتهم قبل حدوث فورات ما سمى بالربيع العربى، إلى حد خروج أحدهم لمواجهة الجماهير غاضبًا وهو يردد مستعجبًا: من أنتم؟!! وقول ساخر آخر «خليهم يتسلوا»!!!
لقد فشلت الحكومات العربية فى إقامة نوع من الحوار الاجتماعى مع شعوبها.. وهل لنا بناءً على ذلك أن نصدق ما يتردد على ألسنة البعض من أن حكوماتنا قد باتت فى عصر العولمة أصغر من مواجهة ضغوط الخارج، وأكبر من التعامل مع مشكلات الداخل؟
أعتقد أن من أهم أسباب نجاح ثورة ٣٠ يونيو القراءة الواعية من قبل القائد وأجهزة الدولة السياسية والإعلامية والأمنية لأحلام وهموم وطموحات المواطن المصرى، فكان التفاعل نصرًا عظيمًا وخروجًا من عتمات وغياهب عصابات التخلف الكئيبة.