رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نعيش عالم الضغوط النفسية فهل من مخرج؟


الضغوط واقع عصرى نعيشه، لا سيما فى عطلاتنا الرسمية أو حتى فى أعيادنا الدينية والقومية، مع متطلبات حياتية تفرض نفسها علينا فى محيط الأسرة، وخاصة فى المناسبات المتعددة، بينما حافظة النقود توشك على الفراغ أو على مقربة منه. وبداية من علامات الغضب لأسباب واهية لا تستدعى ذلك، ومع علمنا بطبيعة المشاعر لمسئول عن أسرة من زوجة وأبناء لهم مطالبهم المشروعة وغير العاجلة، تظهر هنا الحكمة والأناة فى قيادة السفينة وحمايتها من الغرق، أو هزات الرياح مهما اشتد هجومها.
وقبل أن ندين أفراد الأسرة من الزوجة ثم الأبناء، واتهامهم بعدم الإحساس بالمسئولية وتقدير الظروف العائلية، وأولويات الاحتياجات العاجلة والمطالب التى لا تحتمل التأجيل أو التسويف، ومنها سداد إيجار أو أقساط السكن، والخدمات العاجلة كالكهرباء والمياه، والمكالمات الهاتفية التى تتراكم علينا حتى أصبح حوار الهاتف فى يد كل فرد من أفراد الأسرة الواحدة، من الطفل مع حداثة عمره الذى يفتح عينيه على هاتفه الذى تركه قبل نومه بلحظات، فيعود إليه بشغف، فقبل أن يفتح عينيه يسأل عن لعبته المفضلة التى يحتفظ بها، كغالبية الأطفال، من ضمن برامج وتطبيقات محملة على هذه الآلة الضئيلة وهى الهاتف طبعًا.
ومع إدراكنا كآباء وأمهات أهمية توجيه أطفالنا إلى البرامج الهادفة، مع ضرورة تحديد الوقت المناسب زمنيًا وصحيًا إلى أن يمسك الأطفال بآلاتهم هذه- مع أن فى أحيان كثيرة يفوق هذا قدرات الوالدين فى تحديد وقت المشاهدة- مع احتفاظ الوالدين فى نفس الوقت بعلاقتهم الحميمة بأطفالهم الذين لا يدركون كم هو فى صالحهم تحديد زمن معقول للمشاهدات، وكذلك انتقاء نوعيات المشاهدة، ولا تستهِنْ أيها الأب، وأنتِ أيضًا أيتها الأم، بقدراتك على تشكيل أسلوب تفكير أطفالك وعاداتهم التى تعيش معهم طوال أعمارهم، مدركًا أن ما تعانيه نفسيًا كوالد ينعكس على أطفالك طوال أعمارهم، فمعاناتك النفسية تتحملها لما لها من تأثير فى حياتهم الشخصية لكونك النموذج الأهم فى حياة أولادك.
وكوالدين حاولا الحفاظ على الهدوء النفسى فى تعاملكما مع أطفالكما، خاصة عندما يواجهونكما بأسئلة فيها شىء من الحرج لملاحظة الطفل الفاحصة لدقائق الأمور، فلا تنهر طفلك بل تعامل معه بهدوء، وربما تحتاج لوقت لالتقاط الأنفاس قبل أن تجيب عن أسئلة طفلك، مع مراعاة ألا ترمى باللوم على الطرف الآخر كوسيلة لتوجيه التهمة عن سبب الخطأ، أو كسبب للعاصفة على الطرف الآخر، سواء كان السؤال موجهًا عن الأب أو الأم، فالخطر أن تلقى التهم على شريك الحياة، بل خذ وقتًا قبل الرد على سؤال طفلك.
ومن المهم بحال أن يُبدى الوالدان المرح فى التعامل مع أطفالهما وبوجه مبتسم، مدركين أن الضحك مع أطفالهما يخفف من الضغوط النفسية مهما كانت مسبباتها، بل يعطى مجالًا للسعادة العائلية، وقد يكتشف الوالدان حلولًا لمشكلات كانت تبدو عسيرة الحل، فإذا بها أسهل مما كانا يفكران فيه.
ويبقى السؤال: كيف نقلل من حجم الضغوط النفسية التى نعانى منها كوالدين حتى لا تنعكس على أطفالنا دون دراية منا؟ أما كيف نخفف من الضغوط النفسية، فيقول علماؤنا إنه يتعين علينا لخفض درجة تأثير الضغوط أن نتبع بعض السبل ومنها:
أولًا: خُذا قسطًا من الراحة والهدوء، مدركين أن للجسد والمخ حقًا، وأن ساعات نومنا لا ينبغى أن تقل عن سبع ساعات متواصلة كل ليلة.
أما إذا كان حجم العمل يفوق الطاقة، فلا مانع من توزيع بعض الأعمال على آخرين، فمن الحكمة تدريب آخرين على ما نقوم به لنجدهم مشاركين فى حمل المسئوليات، وحتى لا يكون شخص واحد هو المنفرد بحفظ كل مسئوليات العمل لنفسه، فالقائد الناجح هو من يدرب آخرين وليس من يحتفظ بكل المفاتيح ويستمسك بكل المسئوليات، وكما تقول الأمثال: «من يظن أنه يعرف كل شىء لا يفهم شيئًا».
أما وإن كنت الشخص الوحيد الذى يقوم بالعمل، فحاول من وقت لآخر أن تأخذ قسطًا من الوقت للهدوء والراحة.
ومن المهم أيضًا ألا تفكر فى خطط أو مشروعات قبيل النوم، بل من المهم أن تعطى نفسك نحو نصف ساعة للراحة قبل أن تدخل فى النعاس، مع غلق هاتفك والتلفاز خلال النصف ساعة، فمن المهم أيضًا أن تشفق على نفسك معتبرًا حاجتك الشخصية إلى قسط من الراحة، ولا تجبر نفسك على محاولة حل مشكلات ترى نفسك وكأنك الوحيد القادر على حلها، واستعن بآخرين للمساعدة، سواء من زملاء أو من أفراد الأسرة حتى تخفف الضغوط التى تواجهك، مدركًا أن راحتك تساعدك على إنجاز أفضل وأسرع، وأن راحتك تنعكس نتيجتها على إنتاجك كمًّا ونوعًا وجودة، وتخفف من معاناتك النفسية والعقلية والجسدية.
أما الأمر الآخر المهم فهو التأكد من أننا نعيش لنتعلم من كل لحظة تمر فى حياتنا، حتى وقت الراحة أو العطلات أو الرحلات، فكل هذا ينعكس بلا شك على جودة الإنتاج وراحة الفكر والجسد، كما نضيف إلى ذواتنا الجديد من الطاقة والقدرة على الإنتاج نوعًا وكمًّا.
ومن الحكمة الواجبة أن ندرك حاجتنا الدائمة لمزيد من المعرفة، حيث يقضى الإنسان كل أيام حياته يتعلم، حتى لو كان هو نفسه معلمًا، فمن لا يجدد ويضيف إلى معلوماته سيكتشف يومًا أن القطار قد مضى ومن الصعب اللحاق به، كما أنه من غير الممكن أن نعلم غيرنا ونحن نتوقف عن التعلم، فما أجمل وأفضل من السؤال، سواء كنا شبابًا أو شيوخًا، ومهما كانت درجات علمنا وشهادات دراستنا فقطار المعرفة يسير دون توقف، وعلى كل مجتهد ألا يفوته القطار بدعوى قدراتنا وعلومنا، فالعلم أشبه بالقطار الذى يسير مسرعًا، فإن لم نلحقه سيفوتنا، فدعونا نمسك به.