رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جزاء العطاء


فى سنة ١٩٣٩ لاحظ مدرس فلسطينى فى أحد مدارس الرياض الابتدائية الحزن الشديد على وجه أحد التلاميذ السعوديين، فسأله عن السبب، فأخبره بأن المدرسة تنظم رحلة ورسم الاشتراك ريال واحد، ولكن أسرته فقيرة جدًا ولا تمتلك هذا الريال!.. فبكل ذكاء عمل المدرس مسابقة جائزتها للإجابة الصحيحة هى ريال، وبالطبع سأل التلميذ الصغير عن الإجابة، فجاوب وأخذ الريال وفرح فرحة لا توصف وشارك فى الرحلة.
وبسبب الفقر الشديد لم يستكمل ذلك التلميذ الصغير تعليمه، واشتغل شيالًا للأمتعة مقابل نصف ريال فى اليوم، ثم شيالًا لتنكات الكيروسين لعدم وجود الكهرباء فى ذلك الوقت، ثم بائعًا فى محل بقالة ثم طباخًا.. حتى ادخر ٤٠٠ ريال فتح بها محل بقالة، ثم فتح محل صرافة لبيع وشراء العملات من الحجاج، وأصبح رجلًا غنيًا جدًا.
هذا التلميذ هو سليمان الراجحى الذى أسس «مصرف الراجحى»، الذى وصل رأسماله إلى ١٢٤ مليار ريال، يعنى «٣٣ مليار دولار»!.. ويعمل به ٨٠٠٠ موظف فى ٥٠٠ فرع بالعالم كله.. وعرفانًا بفضل الله عليه تبرع بثلثى ثروته كأوقاف لأعمال الخير.
لم ينسَ أبدًا هذا التلميذ موقف المدرس الفلسطينى معه!!.. سأسرد لكم ما كتبه بنفسه عن هذا الموقف من مذكراته «قصة كفاح»:
«عدت إلى المدرسة وإلى جهات التعليم بحثًا عن هذا المدرس الفلسطينى، حتى عرفت طريقه. فخططت للقائه والتعرف على أحواله. التقيت به ووجدته قد شاخ وهو بحال صعبة بلا عمل ويستعد للرحيل. فلم يكن إلّا أن قلت له بعد التعارف: يا أستاذى الفاضل لك فى ذمتى دين كبير جدًا منذ سنوات.. قال وبشدة (ليس لى ديون عند أحد). وهنا سألته (هل تذكر طالبًا أعطيته ريالًا لأنه أجاب كذا وكذا).. بعد تأمل وتذكر قال المدرس ضاحكًا (نعم.. نعم.. وهل أنت تبحث عنى لترد لى ريالًا)؟ قلت له (نعم).. وبعد نقاش أركبته السيارة معى وذهبنا.. ووقفنا أمام فيلا جميلة، ونزلنا ودخلنا، فقلت له: (يا أستاذى الفاضل هذه الفيلا هى سداد دينك مع هذه السيارة، وأى راتب تطلبه مدى الحياة، وتوظيف ابنك فى المؤسسة).. ذهل المدرس.. وقال: (لكن هذا كثير جدًا).. فقلت له: (صدقنى إن فرحتى بريالك وقتها أكبر بكثيييييير من حصولى الآن على ١٠ فلل مثل هذه، وما زلت لا أنسى تلك الفرحة)».
هل خطر ببال هذا المدرس الفلسطينى أن هذا الريال الذى أسعد به طفلًا صغيرًا سيعود إليه فى أقسى لحظات حياته بالخير ليغيرها تمامًا؟!.. إنه العطاء الذى تثمنه السماء ويقدره الأوفياء.
قارئى العزيز.. اعمل الخير فحتمًا لن يضيع عند الله ويومًا ما ستجده.