رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمريكيون أكثر جهلًا!


مارى لويز كيلى، ليست استثناءً. وهى، لمن لم يقرأ مقال أمس، مراسلة إذاعة «إن بى آر» الرسمية الأمريكية، التى اتهمت مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بأنه أهانها وسبّها. ورد عليها الرجل ببيان، استوقفنا فيه أنها لم تتمكن من تحديد موقع أوكرانيا على الخريطة.
سألها بومبيو: «هل تعتقدين أن الأمريكيين يهتمّون بأوكرانيا؟»، ثم طلب من مساعديه أن يحضروا خريطة العالم، دون أسماء الدول، وطلب منها أن تشير إلى موقع أوكرانيا، فأشارت إلى بنجلاديش، مع أنها خريجة جامعة «هارفارد» الأمريكية، وحاصلة على الماجستير من جامعة «كامبريدج» البريطانية.
الأمريكيون، أو غالبيتهم على الأقل، غير مهتمين بأوكرانيا أو غيرها، ولا يعرفون شيئًا عن أى شىء. وغالبًا، كان وزير الخارجية الأمريكى يتوقع نتيجة امتحانه لـ«كيلى»، مراهنًا على جهل المجتمع الأمريكى، الذى أتاح لابننا «عبيط ناسا»، مثلًا، أن يمشى هناك على الأرض مرحًا!.
جهل المجتمع الأمريكى بالقضايا السياسية الخارجية سبق أن حذر منه جورج كينان، بعد بروز نزعات الاندفاع إلى سياسات الهيمنة والاحتواء التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، فقد كان يرى أن المجتمع الأمريكى ليس لديه النضج السياسى الكافى للتعامل مع تعقيدات البيئة الدولية ومع ما يترتب على سياسات الهيمنة والاحتواء.
كينان «١٩٠٤-٢٠٠٥»، هو أحد أبرز مخططى السياسة الخارجية الأمريكية فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، ويوصف بأنه مهندس الحرب الباردة. ومع كامل احترامنا للرجل، إلا أن كلامه القديم، الرصين، لم يعد يصلح على الإطلاق لتفسير الوضع الراهن، الذى يقول إن جهل الأمريكيين لا يتعلق بالقضايا السياسية الخارجية، وإنما بأبسط المعلومات العامة.
الجمعية العلمية الوطنية الأمريكية سألت ٢٢٠٠ مواطن أمريكى، فى ٢٠١٤: «هل تدور الأرض حول الشمس؟»، وكانت النتيجة أن ٢٦٪ منهم لم يعرفوا إجابة هذا السؤال البسيط أو العبيط. وهناك دراسة نشرها موقع ناشيونال جيوجرافيك، فى نوفمبر ٢٠٠٢، ذكرت أن نصف الأمريكيين تقريبًا لم يتمكنوا من تحديد موقع ولاية نيويورك على الخريطة!.
فى تلك السنة، سنة ٢٠٠٢، كانت الولايات المتحدة تستعد لغزو العراق. ومع ذلك، كشفت الدراسة عن أن ١٤٪ فقط من الأمريكيين يعرفون موقع تلك الدولة على الخريطة. وسنة ٢٠٠٦، أى بعد ثلاث سنوات من الغزو، أظهرت دراسة للموقع نفسه أن ٣٧٪ فقط استطاعوا تحديد موقع العراق الجغرافى. وتكرر الشىء، أو الجهل نفسه، فى أبريل ٢٠١٣، حين أجرى مركز «بيو»، بالتزامن مع الجدل الذى أثير بشأن التدخل الأمريكى فى سوريا، استطلاعًا للرأى لم يتمكن نصف الأمريكيين المشاركين فيه من تحديد موقعها على الخريطة. والأكثر من ذلك، هو أن الرئيس الأمريكى نفسه، لم يكن يعرف أن بلجيكا مملكة أو دولة، إلا بعد أن تهكمت هيلارى كلينتون على مقطع فيديو من خطاب ألقاه، فى يونيو ٢٠١٦، وصف فيه بلجيكا بأنها «مدينة جميلة»!.
ترامب يصف نفسه بأنه «عبقرى متوازن للغاية»، وفى كتابهما، الذى صدر الثلاثاء الماضى، وكان هذا الوصف عنوانًا له، ذكر فيليب راكر وكارول ليونيج، الصحفيان بجريدة «واشنطن بوست»، عددًا من الوقائع تعكس جهل الرئيس بحقائق جغرافية وتاريخية أساسية، من بينها أنه حاول خلال اجتماع مع ناريندرا مودى، رئيس الوزراء الهندى، التقليل من شأن التهديد الذى تشكّله الصين على الهند، منطلقًا من اعتقاده بأن البلدين ليست بينهما حدود مشتركة ولأن الصين، كما لعلك تعرف، تقع على الحدود الشمالية للهند. ولأن البلدين خاضا حربًا سنة ١٩٦٢ بسبب نزاع حدودى، فقد جحظت عينا رئيس وزراء الهند من وقع المفاجأة، ثم تحولت تعبيرات وجهه بشكل تدريجى من «الصدمة والقلق إلى الاستسلام»!.
غلطات ترامب، أو سقطاته، لا تقارن بتلك التى ارتكبها جارى جونسون، حاكم ولاية نيو مكسيكو، منذ سنة ١٩٩٥ إلى ٢٠٠٣، الذى كان مرشحًا فى انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية، وكان هناك من يرونه الخيار الثالث، بعد ترامب وكلينتون. وحدث أن حل ضيفًا على قناة MSNBC، منتصف سبتمبر ٢٠١٦، وسأله مايك بارنكلى، مقدم البرنامج، عما سيفعله بشأن حلب، حال فوزه، فكان رده: «وما هى حلب؟»، ولما ضحك مايك، وطلب منه أن يتوقف عن المزاح، فوجئ بأن المرشح الرئاسى، حاكم الولاية السابق، لا يعرف ما هى «حلب»، بعد ست سنوات من اهتمام العالم بما شهدته تلك المدينة السورية من أحداث أو أهوال!.
يمكنك، إذن، أن تستنتج أن الأمريكيين، أو غالبيتهم أو على الأقل نسبة كبيرة منهم، أكثر جهلًا، من ابننا «عبيط ناسا»، ومن كثيرين يحرقون دمك، حين «يهبدون» على شبكات التواصل الاجتماعى أو يكتبون فى الصحف أو يظهرون على الشاشة. وعليه، لا تقلب الصفحة قبل أن تطلب الرحمة لذلك العظيم الذى قال: مَن يرى بلاوى الناس، تهون عليه «بلوته»، أى بلواه!.