رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الصغير يكتب: رجم (الدرويشة) !

أحمد الصغير
أحمد الصغير

(1)
الكاتبة والروائية صفاء النجار– مؤلفة رواية الدرويشة- تتولى الإشراف على صفحة أسبوعية بجريدة الدستور مخصصة لنشر إبداعات الشباب من كافة أنحاء مصر.. ومجرد وجود هذه الصفحة بجريدة مستقلة يكتب للجريدة وللقائمين عليها، كما أصبحت الصفحة متنفسًا جميلاً لأحلام أعداد هائلة من مبدعى مصر من مختلف محافظاتها ومدنها وقراها..
وفى بلد يتخطى تعداد سكانه المائة مليون نسمة، كان طبيعيا أن تنهال على الصفحة عشرات الآلاف من الرسائل اليومية، وكان طبيعيًا أن تبذل القائمة على الصفحة جهدًا ضخمًا فى محاولة التواصل مع أصحاب الأعمال، ثم فرز تلك الأعمال وإعدادها للنشر، كما كان بديهيا أن تكون هناك قائمة طويلة من الانتظار..
كما كان بديهيا ومن تمام الطبائع الإنسانية أن يتباين تواصلها مع أصحاب تلك الأعمال بين الصبر ونفاذه وبين الترحيب وبين التململ.. ومن لا يتوقع ذلك يكون كمن يحاول نزع صفات البشرية عنها..
أحد الشباب الذين قدموا أعمالهم الأولى انتظر حوالى ستة أشهر حتى تم نشر قصته الأولى فى نفس الصفحة..و فرح بعمله الأول منشورا واحتفى به.. (ملاحظة مهمة.. ستة أشهر ليست بالفترة الطويلة فى مجال النشر خاصة النشر الأدبى،  فأنا مثلا ما زلت أنتظر منذ أكثر من عام نشر كتابى الجديد رغم تحملى جزءًا من التكلفة المادية للنشر ورغم أنه كتاب بحثى وليس عملا أدبيا!).
...كما تم استغراق جزء من هذه الأشهر الستة انتظارا لأن يرسل صاحب العمل صورة شخصية طبقا لقواعد النشر بالصفحة والمعلنة بوضوح...
ثم كانت المصادفة القدرية.. أن توافى المنية هذا الشاب فى معرض الكتاب هذا العام، بعد أن استطاع أن ينشر مجموعته القصصية الأولى فى كتابه الأول..
تألمت الروائية صفاء النجار لموته، ثم راجعت نص المراسلات بينها وبينه وتمنت لو أنها قد استثنته من قائمة الانتظار وتمنت لو أنها بادرت بنشر قصته واختصرت له وقت الانتظار، وعجلت بفرحته تلك..ومشاعرها تلك أيضا جزءٌ من إنسانيتنا جميعا أن نتألم لموت من نعرفه وتربطنا به أى صلة ولو كانت تواصلا مهنيا عابرا..
كان يمكن أن ينتهى الموقف عند هذا الحد.. لكن الدرويشة القابعة فى روحها قررت أن تأخذها إلى أبعد من ذلك .. وقررت أن تدفعها دفعا إلى محاولة إرضاء تلك الروح بأن تنشر تلك المراسلات وكأنها تعاقب نفسها على تأخير لم يكن إلا بسبب التزامها بقواعد الصفحة.. محاولة تطهر لا يقوم بها إلا الدراويش الذين لا يجنحون من وراء ما يكتبون إلا أن تستقر أرواحهم و لا يجيدون لغة الحسابات.. ولا ترتقى لفهمها إلا بعض الأرواح الشبيهة بها..
فهم وتفهم تلك المحاولة من فهم .. وعجز عن الفهم من عجز.. و اختلف معها كثيرون وأعلنوا اختلافهم.. و هذا التباين أيضا هو من طبائعنا البشرية...

(2)
لكن ما صدمنى أنا شخصيا ما تعرضت له الدرويشة فى الأيام القليلة الماضية التى تلت نشرها لما حدث.. و ما قرأته من بعض هؤلاء... فبعض الرافضين قاموا حرفيا بمحاولة اغتيالها أدبيا وأخلاقيا ومهنيا..
تلالٌ من البذاءة تم محاولة إلقائها فوق رأس امرأة ربما قضت حياتها كلها دون أن تستمع أذنيها لكلمة خارجة واحدة...
وجد بعض المختلفين سياسيا معها ومع زوجها الإعلامى محمد الباز مما حدث فرصة لاتهامهما بكل نقيصة أخلاقية ومهنية، لمجرد أن الرجل اختار أن يكون هو وجريدته وقلمه فى صفوف المدافعين عن الدولة المصرية بكل مكوناتها ومفرداتها ومؤسساتها فى لحظة فاصلة بين وجود الدولة ذاتها وبين انهيارها..
بعد مراجعتى صفحات بعض المتطاولات والمتطاولين وجدت أن غالبيتهم ممن يصنفون أنفسهم كثوريين وكثوريات..
وتعجبت كثيرا كيف مثلا لبنت مصرية فى العشرينيات أو فى الثلاثينيات من عمرها تعد نفسها مبدعة وتكتب شعرا أن تتلفظ بألفاظ يترفع عنها من يقبعون فى أحط درجات السلم الأخلاقى!
كما انساق فى قطيع المتطاولين بعض الذين يجنحون إلى ثقافة البكائيات ويشتاقون إلى صنع أضرحة لمن وافتهم منيتهم فى لحظة ومكان تصادف وجودهما فى بؤرة عدسات المصورين..
الوسط الثقافى المصرى فى أزمة حقيقية.. لم يرتقِ بعد إلى ثقافة الاختلاف فى الرأى دون انحطاطٍ أخلاقى.. يستخدم أفراده الألفاظ المهذبة المثقفة فقط فى الأوقات الأريحية.. لكن لا يمكن أن تعرف درجة رقى إنسان دون أن تخالطه فى لحظات الغضب والانفعال..
كثيرٌ ممن رجموا الدرويشة بأقذع الألفاظ هم إما ممن يعدون أنفسهم فى تعداد المبدعين أو على أقل تقدير من المتلقين والقراء!
ربما يرى البعض أنها قد أخطأت فى نشر خصوصيات شخص فارق الحياة.. و أنا شخصيا- رغم تفهمى لدوافعها الروحية والإنسانية التى شعرت بها بين كلماتها- لكننى كنت أتمنى لو أنها استطاعت كبح جماح الدرويشة وترويض روحها وكفت نفسها شر القطيع!
لكن ليس من الأخلاقى أو الإنسانى أن نسمح باغتيال أصحاب الأرواح الشفافة من الشخصيات العامة فى مصر .. أولا لأنهم جزء من قوة مصر الناعمة التى نحتاجها بقوة فى هذا الاضطراب الأخلاقى والقيمى... و ثانيا لندرة وجودهم وقلة أعدادهم ..
إننى أعلن مساندتى التامة لدرويشة الصحافة المصرية د. صفاء النجار فيما تتعرض له من محاولات اغتيال أدبى ومهنى وأخلاقى.. حتى لو آثر كثيرون الصمت!