رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لم يندم على تعذيب المعتقلين!



لم يبدِ جيمس ميتشل أى قدر من الندم، وهو يجيب على أسئلة تتعلق بتقنيات التعذيب التى قام بتصميمها أو تطوريها، وشارك فى استخدامها، خلال استجواب متهمين بالتخطيط لهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، تم احتجازهم فى سجون سرية لسنوات، قبل أن يتم نقلهم إلى معتقل «جوانتانامو»، انتظارًا لمحاكمتهم، أمام محكمة عسكرية قيل إنها ستبدأ فى يناير القادم: يناير ٢٠١١، أى بعد مرور ٢٠ سنة، إلا قليلًا، على وقوع الجريمة!.
جيمس ميتشل، عالم نفس أمريكى، قام بتصميم وتطوير برامج التعذيب التى استخدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، «سى آى إيه»، فى استجواب المتهمين، وشارك شخصيًا فى بعض تلك الاستجوابات. ومنذ أيام تم استدعاؤه للإدلاء بشهادته، فقط للإدلاء بشهادته، بعد أن طعن بعض المعتقلين فى استخدام اعترافات زعموا أنها تم انتزاعها منهم تحت التعذيب. وأمام ٥ من ضحاياه، قال ميتشل: «قد أستيقظ اليوم وأقوم بذلك مرة أخرى»، مؤكدًا أن «واجبه الأخلاقى» حتّم عليه المساعدة فى حماية البلاد. ومشددًّا أمام المحكمة على أن «حماية الأرواح الأمريكية تفوق مشاعر انزعاج الإرهابيين الذين تطوعوا لحمل السلاح ضدنا».
معتقل «جوانتانامو» يقع فى قاعدة عسكرية أمريكية، أقصى جنوب شرق كوبا. وجرى إيداع المتهمين فيه، لأن وجوده خارج حدودها يعفى الولايات المتحدة، نظريًا أو على الورق، من الالتزام بحقوق الإنسان. وبسبب ذلك توقعت تقارير أن تواجه المحكمة معضلة كبيرة بشأن أدلة الاتهام، خاصة فى ظل اعتزام فرق الدفاع عن المتهمين عقد سلسلة جلسات استماع مع شهود، لإسقاط الاعترافات التى أدلى بها المتهمون، بزعم أن تلك الاعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب. وهناك بالفعل وثائق كشفت عن قيام وكالة المخابرات الأمريكية بتعذيب المتهمين، سواء فى «جوانتانامو» أو فى سجون سرية تابعة للوكالة.
بينت منجزات «ميتشل» أنه كان أحد مهندسى «عمليات الاستجواب المعززة» التى زعمت السلطات الأمريكية أنها حظرت استخدامها، باعتبارها غير قانونية. ومما يستحق الدهشة، أو السخرية، هو أن جوليا هول، خبيرة تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بمنظمة العفو «أو العفن» الدولية، لم تنتقد «ميتشل» لأنه شارك فى تعذيب السجناء أو المعتقلين، بل لأنه «يتحمل جزءًا كبيرًا من حرمان عائلات الضحايا من العدالة»، وأوضحت أن «التأجيل تلو التأجيل يعود إلى حد كبير إلى تقنيات التعذيب التى ابتكرها، وطبّقها على المعتقلين»، كما أشارت إلى أن «الأدلة التى انتزعت تحت التعذيب لا يمكن استخدامها فى هذه المحاكمات».
خالد شيخ محمد، الذى كان أحد الخمسة الذى حضروا جلسة الاستماع، اتهم ميتشل وفريق من عملاء الـ«سى آى إيه» بأنهم قاموا بتعذيبه ١٨٣ مرة، بينما قال ابن أخيه محمد عمار البلوشى واثنان آخران إنهم لم يلتقوا بميتشل منذ إرسالهم إلى جوانتانامو. غير أنهم اتهموه بالمشاركة فى تعذيب «أبوزبيدة»، أحد أوائل الذين وقعوا فى قبضة وكالة المخابرات المركزية، والذى لا يزال مسجونًا فى جوانتانامو، إلا أنه لم يكن بين الخمسة الذين واجهوا ميتشل. كما غاب عن الجلسة رمزى بن الشيبة، أحد المتهمين الرئيسيين فى القضية. وهنا، لا مانع من الإشارة، إلى أن جين ماير «Gene Mayer» الصحفية الأمريكية فى مجلة الـ«نيويوركر»، ذكرت فى كتابها «الجانب المظلم» أن مقدم البرامج يسرى فودة، بريطانى الجنسية مصرى الأصل، متعدد الولاءات، قام بدور بارز فى إلقاء القبض على بعض هؤلاء، خلال فترة عمله بقناة «الجزيرة» القطرية.
هؤلاء المعتقلون وغيرهم يواجهون اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام. وكان الادعاء العسكرى الأمريكى قد تعهد بالفعل سنة ٢٠٠٨، أى منذ ١٢ سنة، بالسعى لإعدام المتهمين جميعًا. وفى ٥ مايو ٢٠١٢، عقد قضاة المحكمة أكثر من ٣٠ جلسة استماع، ثم قامت إدارة الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، بوقف إجراءات المحاكمة، وحاولت نقل المحاكمة إلى محكمة اتحادية فى نيويورك، لكنها اضطرت إلى التراجع بعد احتجاجات واعتراضات الكونجرس. كما كانت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قد أوقفت، منتصف فبراير ٢٠١٨، إجراءات صفقة، حاول خلالها اثنان من المسئولين مساومة المتهمين على الاعتراف بتفاصيل أدوارهم فى الهجمات، مقابل عدم الحكم بإعدامهم. وانتهت تلك المساومة أو الصفقة بأن أقال جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى السابق، هذين المسئولين: هارفى ريشيكوف، وجارى براون، مستشاره القانونى.
تعذيب المعتقلين فى السجون السرية، ثم فى معتقل «جوانتانامو»، مثال صارخ على انتهاك الولايات المتحدة لحقوق الإنسان، وتأكيد جديد على أن من يأمرون الناس بالبر ينسون أنفسهم، أو يبيعون بضاعة يمتنعون عن استهلاكها. هذا لو تغاضينا، كما تغاضت المنظمات الحقوقية الدولية، عن محاكمة مدنيين، إرهابيين كانوا أم كفارًا، أمام محكمة عسكرية. ولو تجاهلنا، كما تجاهلت، احتجاز متهمين على ذمة قضية، لمدة تقترب من العشرين سنة!.