رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفال خاص بعيد ميلاد يوسف شاهين

سيرة جو
سيرة جو

المبدع الكبير كان يقول «الفنان هو صاحب الرسالة مش اللى راكب مرسيدس»
قال لى قبل تجسيدى شخصيته الحقيقية فى «إسكندرية ليه»: «راقب تصرفاتى بنفسك مقدرش أشرحهالك»

«حين أستعرض مشوارى مع السينما المصرية بكل سلبياته وإيجابياته، وبكل ما قدمت من إضافات وحصلت عليه من عذابات، أستطيع القول إننى أخذت من السينما بقدر ما أعطيتها، وإن رحلتى هذه كانت تستحق كل ما قدمته من أجلها».. منهج إبداعى فريد سار عليه واحد من أهم مبدعى السينما فى الشرق الأوسط وليس مصر فحسب، واعتمد فيه على بذل «روحه» قبل جسده فى سبيل «الفن السابع». إنه المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذى تحل اليوم السبت ذكرى ميلاده «٢٥ يناير ١٩٢٦»، والذى تزخر رحلته بالعديد من الأسرار والمحطات التى لم يعرج عليها أحد من قبل، ونحاول الاقتراب منها فى السطور التالية، من خلال حوار مع واحد من أنبل وأقرب تلاميذه، الفنان محسن محيى الدين.

■ كيف كانت بدايتك مع يوسف شاهين؟
- قبل عملى مع المخرج العالمى يوسف شاهين فى فيلم «إسكندرية ليه»، قدمت ٥ أعمال سينمائية و٣ مسرحيات، كان آخرها فيلم «أفواه وأرانب» مع النجمة الكبيرة فاتن حمامة، والفنان محمود ياسين.
كانت معنا فى الفيلم الفنانة القديرة مدام رجاء حسين، التى تؤدى دور الأم، وفى الوقت ذاته كان زوجها الأستاذ سيف عبدالرحمن يعمل مع المخرج الكبير يوسف شاهين، ويزورنا فى الاستديو باستمرار أثناء التصوير.
فى إحدى المرات طلب «شاهين» فنانين شبابًا للعمل معه فرشحنى سيف عبدالرحمن له، وفى اليوم التالى اتصل بى شخص يعمل فى مكتب الأستاذ وحدد لى موعدًا للقاء، وذهبت إليه فى الاستديو، فنظر إلى وجهى وشعر بالسعادة لأنه كان مليئًا بـ«حب الشباب»، ما توافق مع بحثه عن ممثل فى سن المراهقة.
■ ماذا حدث بعد ذلك؟
- أتذكر وقتها أنه طلب منى ترشيح بعض أصدقائى للعمل معه، فرشحت الفنانين أحمد سلامة، وعبدالله محمود، وطلب منى أن يحضرا إلى مكان التصوير فى الغد، وأحضرتهما بالفعل، وأعطى لنا سيناريو فيلم «إسكندرية ليه»، وقال لنا: «كل واحد يشوف نفسه يحب يلعب دور إيه؟».
حينها طلبت لعب الدور الذى جسده «سلامة»، وهو «الولد بتاع البنات»، لكن «شاهين» رفض قائلًا: «لا هتلعب دور (يحيى).. أنا اللى أحدد مش أنت.. أنا المخرج»، وبالفعل جسدت الدور بكل ما فيه من تعقيد، ومن هنا بدأت علاقتى بالأستاذ يوسف شاهين.
■ بمَ تصف «جو» فى تعامله مع الناس؟
- يوسف شاهين كان قريبًا من الناس، يجلس مع طاقم العمل والممثلين، ويتحدث معهم ويستمع لآرائهم، ويقرأ أفكارهم ويصحح لهم ويثقفهم، كان «أستاذًا» بمعنى الكلمة، ورغم كل هذا كان يحب التعلم من تلاميذه، ويسألنا عن التطورات التى يشهدها المجتمع بصفة عامة.
وكثيرًا ما شدد- فى أحاديثه معنا- على أن الفن رسالة، وأن الفنان ليس ذلك الذى يركب «مرسيدس» أو يكون فاحش الثراء، لكن من تكون عنده رسالة ومثقفًا ويستطيع تغيير المفاهيم الخاطئة لدى الجمهور.
وكانت النجومية بالنسبة له أن تفعل ما تحبه، وتفكر فيه، وتخلص له، لذا لم يكن غريبًا أن أفلامه تستغرق فترة تحضير من ٣ لـ٤ سنوات، وكان يحرص فيها على التعبير عن الطبقات الكادحة، وتقديم العديد من الرسائل السياسية والاجتماعية، وإظهار مصر بعظمتها وتاريخها.
■ ما الذى تعلمته منه على المستوى الشخصى؟
- تعلمت منه الكثير لدرجة تدخلى لإجراء تعديلات فى سيناريو فيلم «وداعًا بونابرت»، فوقتها وبفضله عرفت كيف يفكر، ولماذا يستغرق السيناريو عامًا واثنين معه، وكيف يعمل على تطوير الشخصيات، وصياغة الحبكة الدرامية.
تعلمت منه أن كل شىء لا يحدث صدفة، وأن تجسيدى أى دور يتطلب دراسته من النواحى النفسية والاجتماعية، ومن كل الزوايا الممكنة، بجانب دراسة تاريخ الشخصيات حتى أستطيع تجسيدها، دون الاعتماد على الموهبة التمثيلية فقط، لأن ذلك يضيف للممثل ولحجم وأهمية الدور، فضلًا عن احترام العمل والتوقيت والتفانى فى أداء الأدوار، وعدم الاستهانة بأى دور مهما كان حجمه ومساحته، بجانب تعلم الإخراج منه فى معهد السينما.
■ ماذا تتذكر من تصوير «إسكندرية ليه»؟
- الفيلم كله كان غريبًا ويزخر بالعديد من أساتذة وعمالقة التمثيل، مثل يوسف وهبى، ويحيى شاهين، وفريد شوقى، ومحمود المليجى، وأحمد زكى، وعقيلة راتب، وعبدالوارث عسر. والعمل مع هؤلاء العباقرة كان «مخيفًا»، لكنى استطعت التغلب على ذلك، لأن يوسف شاهين كان دائمًا ما يضعنى فى تحدٍ مع نفسى، ويهتم بالممثل بشكل كبير.
■ جسدت شخصية يوسف شاهين نفسه فى الفيلم.. كيف فعلت ذلك؟
- كان يدون تفاصيل دقيقة عن الشخصية المكتوبة فى السيناريو، ويوجهنى للعمل عليها، كما أنه طلب منى دراسة شخصيته عن قرب، قائلًا: «حاول أن تراقب تصرفاتى لأنى لا أستطيع أن أشرحها لك»، لذا كنت أشاهده عندما ينفعل ويضحك ويحزن، وحاولت أن أعبر عن ذلك فى الفيلم.
فمن خلال تصرفات الإنسان يمكن التعرف على أبعاد عديدة فى شخصيته، لأن الإنسان يتقدم فى العمر ويظل محتفظًا بالطباع والسمات الشخصية التى اعتاد عليها منذ الصغر، مثل خجله، وطريقة توتره وانفعالاته، وكيفية تفكيره.
■ فى تقديرك.. هل خانك التقدير عندما تركته؟
- أنا أعتبره «المرحلة الجامعية فى مشوارى الفنى»، وعندما يتخرج الفرد فى الجامعة لا يرتبط بها ويستقل بذاته، فعندما تعلمت الكثير من هذه المرحلة، رغبت فى إثبات نفسى وأن تكون لى شخصيتى كممثل، لذا بعدما تركته أنتجت وأخرجت فيلمًا اسمه «شباب على كف عفريت»، فى عام ١٩٩٠، حتى أثبت للجميع أنى تخرجت فى «مدرسة يوسف شاهين»، وهذا كان دائمًا تفكيرى، هو الاستقلالية والحرية فى العمل.
فى هذه الفترة مَن يعمل مع الأستاذ يوسف شاهين كان «مُحتكرًا» بالنسبة له، وأنا من طبعى لا أحب الاحتكار، ولا أحب التقييد بشخص، بل أرغب فى العمل مع جميع المخرجين والتعلم منهم، وأن أنطلق وأعمل ما أشاء.
فى فيلم «وداعًا بونابرت» شعرت بأنى بدأت أتحول إلى «ممثل مطيع»، أحقق ما يريده فقط، وأنى مقيد، رغم أننى أعشق الحرية وتجسيد شخصيات مختلفة منذ الصغر، لذلك بعد فيلم «اليوم السادس» بدأت أستقل بذاتى، وفتحت شركة إنتاج، لكنه كان على اتصال دائم بى.
■ مَن من الفنانين كان الأقرب لـ«شاهين»؟
- جميع تلاميذه كانوا قريبين منه، ومنهم يسرى نصرالله، وأحمد محرز، ومريان خورى، وهى ابنة شقيقته وتلميذته، وكل من كان يعمل معه قريب جدًا منه، وكانوا يعتبرونه الأب الروحى لهم، وكان الجميع يتعلم منه ويحب أن يجلس معه، لأنه شخص يحب الجميع ويتعامل معهم باحترام.
■ هل تتذكر مواقف معينة جمعتك به؟
- هو كان يعلم أننى أعشق التحدى، لذا كان يقول لى مثلًا: «أنت هتمثل دور (هاملت) لكنى لا أستطيع مساعدتك.. حاول إثبات أنك تجيد التمثيل»، وفى كل يوم يطلب منى تحديًا آخر، كما كان يطلب منى حفظ بعض الأشعار القديمة حتى أجيد التحدث باللغة العربية الفصحى.
■ ما قصة «القردة» التى ظهرت معك فى فيلم «اليوم السادس» وأهداها لك يوسف شاهين؟
- لم تكن «قردة» واحدة بل اثنتين، ففى المرة الأولى أهدانى «قردة» تدربت معها يوميًا حتى أستطيع أداء مشاهدى معها فى الفيلم، وكانت «قردة» كبيرة جدًا فى الحجم، وبعد فترة من العمل توفيت، وعرفت أنها كانت مريضة بـ«السل»، ما سبب لى صدمة كبيرة، لأننى عندما كنت أتدرب معها كانت زوجتى حاملًا، فخشيت أن تكون نقلت العدوى إلى، لذا أجريت العديد من الفحوصات والتحاليل الطبية حتى تأكدت من عدم إصابتى بالمرض.
فى المرة الثانية، أهدانى «قردة» أخرى، وكشفنا عليها قبل بدء التصوير حتى تأكدنا من خلوها تمامًا من أى أمراض، وكنت كلما أقترب منها للتدريب معها تصرخ وتعض يدى، فأدركت أن مدربها هو من يفعل ذلك، فدخلت فى مرة وضربته أمامها، وحاولت أن تدافع عنه، لكنى أخرجته من الاستديو، فشعرت بالخوف من ناحيتى. حين اقتربت منها بعد ذلك لم تعضنى، وبدأت فى مغازلتها إلى أن أحبتنى كثيرًا، وظهر ذلك فى الفيلم، واستغرقت فترة تدريبى معها ٣ أشهر، وكانت تكره يوسف شاهين بشدة، وعندما تشاهده تصرخ وتحاول أن تهجم عليه، وعندما نبدأ فى التصوير ويريد إظهارها غاضبة فى المشهد «ينكشها» فتنظر له بشكل غاضب فيلتقط اللقطة. وكانت هذه «القردة» غيورة جدًا علىّ، ففى أحد المشاهد كانت داليدا تضع يدها على كتفى، ففوجئت بها تهجم عليها وتعضها فى يدها، وتحاول أن تجرها من شعرها، كما كانت تشعر بنوع من الغيرة عندما تجد امرأة شعرها طويل فى موقع التصوير، حيث كانت تجرى نحوها وتشدها من شعرها، وكانت فى فترة من الفترات تغير على جدًا، وأى شخص يلمسنى تعضه.
■ لماذا لم تعمل بعد فيلم «إسكندرية ليه»؟
- بالفعل بعد هذا الفيلم لم أعمل لفترة كبيرة، وكنت أظن أنه بعد تكريمى فى مهرجان برلين سأعود إلى مصر فتتجه إلى عيون كل المنتجين والمخرجين، و«هكسر الدنيا»، و«مفيش ممثل هيقدر ينافسنى»، و«مش هلاحق على الشغل»، لكنى فوجئت بعد عودتى بعكس ذلك، فلم أجد عملًا كل هذه الفترة، وشعرت باكتئاب شديد، لأننى كنت أعمل فى الإذاعة والتليفزيون والسينما والمسرح قبلها.
■ أخيرًا.. ماذا عن مسلسل «سيف الله» الذى تشارك به ويعرض فى رمضان المقبل؟
- من رشحنى للدور هو الأستاذ رءوف عبدالعزيز، مخرج العمل، وأنا سعيد جدًا بهذه المشاركة، فنحن نحتاج لعودة الأعمال الدينية التاريخية من جديد، كما أن المسلسل يوضح للعالم كله أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف، وذلك بالاستناد إلى توثيق لكبار الكتاب، وعلى رأسهم محمود عباس العقاد فى كتابه «عبقرية خالد». والمسلسل يزخر بتفاصيل مرسومة بدقة من المخرج وطاقم العمل ككل، على مدار الأشهر الماضية، وسيكون الناتج النهائى انعكاسًا لتعب وتحضيرات طويلة، كما أنه سيحقق طفرة كبيرة فى مستوى الإنتاج الدرامى بالوطن العربى، وسيكون الأضخم فى فئة الدراما التاريخية، ويضم عدد فنانين سيكون مفاجأة كبيرة للمشاهدين.
ونستهدف من ذلك الخروج بالعمل فى أفضل صورة، خاصة أنه يتناول سيرة الصحابى الجليل خالد بن الوليد، وأرى ضرورة زيادة هذه النوعية من الأعمال خلال الفترة المقبلة، والتركيز عليها والفخر بتاريخنا العظيم وشخصياتنا القوية والعبقرية، وغرس بطولاتهم فى نفوس الأطفال والأجيال الناشئة.
■ ما الرسالة التى توجهها لـ«جو»؟
- أقول له: «كتر ألف خيرك» على كل مجهودك، وسيرتك موجودة ولن تموت، وتربيتك لكل تلاميذك جعلت منهم نجومًا ما زالوا يحملون إرثك، فى الوقت الذى تغيب فيه عنهم. وأقول لجمهور «الأستاذ»: هو فنان كبير وقامة عظيمة، وكان سابقًا لعصره فى كل أفلامه، وتنبأ بأحداث وقعت بعدها بسنوات، فمثلًا فى فيلم «هى فوضى» تحدث عن الفوضى قبل حدوثها، وفى «إسكندرية ليه» تحدث عن التطرف والأفكار الظلامية، لذا أطلب منكم أن تشاهدوا أفلامه وتدرسوها جيدًا، وستدركون حينها أنه لم يكن يخرج فيلمًا لمجرد التسلية، لكنه كان يحمل العديد من الرسائل.