رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نص حوار لم يُنشر مع أم كلثوم: كان نفسي في أولاد

أم كلثوم
أم كلثوم


كان فكرى صالح طالبًا فى كلية الهندسة، جامعة عين شمس، عندما جاءته فكرة الجلوس إلى كوكب الشرق أم كلثوم، فأسس «جمعية أم كلثوم» بالجامعة، واقترب من سيدة الغناء العربى عبر لقاءات متعددة، يذهب إلى منزلها الكائن فى ٥ شارع أبوالفدا بالزمالك، يحاورها، ثم ينشر الحوارات فى حلقات متتالية بمجلة الحائط، التى كان يصدرها، بالتعاون مع أصدقاء له، ضمن نشاطات الجمعية بالجامعة ما بين عامى ١٩٦٣ و١٩٦٩.

ومنذ ذلك الحين ظلت الحوارات فى حوزته إلى أن قرر نشرها فى كتاب «أم كلثوم وأنا.. ٥ شارع أبوالفدا»، الصادر عن دار الهالة للنشر والتوزيع فى الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب.
 «الدستور» تنشر هنا جانبًا من تلك الحوارات، التى أجراها فكرى صالح مع «كوكب الشرق»، كما كتبها هو.

■ ما هو أقرب طريق للنجاح؟
- العمل
■ ما رأيك فى الموسيقى الغربية؟
- أحب الموسيقى الغربية الكلاسيكية، لأنها تُهدئ الأعصاب ولأنها وصلت لمكانة فنية رفيعة، وأحب أغانى المطربة الفرنسية إديث بياف (Edith Piaf)، لكنها قالت إنَّ الموسيقى الغربية مثل لغة أجنبية ممكن نتعلمها ونسمعها ونتمتع بها ونستفيد منها، ولكنها لا تحب أن تكون هى لغتنا.
■ سألتها: مَن مِن الموسيقيين الغربيين كانت تسمع؟
- شوبان (Chopin) ورحمانينوف (Rahmaninof) وماهلر (Mahler) وفيردى (Verdi) وبتهوفن (Beethoven) وغيرهم، خصوصًا السيمفونية الثانية لرحمانينوف والسيمفونية الخامسة لماهلر وأوبرا عايدة تلحين فيردى.
■ سألتها لمن من الأدباء المصريين كانت تقرأ؟
- قرأت معظم ما كتب العقاد وطه حسين وهيكل وتوفيق الحكيم وغيرهم.
■ ماذا عن اللغات الأجنبية؟
- علَّمت نفسى الإنجليزية والفرنسية قبل سفرى للعلاج.
■ سألتها: ماذا تشعر عندما تسمع أغانيها فى الراديو أو التليفزيون؟
- أنا بسمعهم وبشعر بالطرب زى أى مستمع، ولكن كثيرًا ما أنتقد نفسى وأقول يا ريتنى غنيت الحتة دى بطريقة تانية أو طولت أو قصرت فيها وأحاول أن أحسن أجزاء منهم لمَّا أغنيهم فى حفلات بعد كده.
■ سألتها: هل تشعر بالسعادة بعد أن حققت نجاحًا لا مثيل له؟
- طبعًا والحمد لله، ولكن السعادة إحساس مثل كل الأحاسيس الأخرى ليست لها صفة الدوام، فالواحد يتمنى شىء ولمَّا يتحقق له ما يتمناه يسعد ثم يتمنى شىء آخر ويسعد بتحقيق الأمنية الجديدة وهكذا.
إنت طالب بتذاكر طول السنة وتتمنى إنك تنجح وتسعد آخر السنة الدراسية بالنجاح، وتنشغل بحاجات تانية وتنسى وترجع السنة اللى بعدها تعمل نفس الشىء، الإحساس الوحيد الذى يطول فى فترة السعادة هو الإحساس بالقناعة والرضا.
■ هل تشعر بالوِحدة أحيانًا؟
- كثيرًا ما أشعر بالوِحدة، أشعر بالوِحدة لمَّا يكون شخص عزيز عليا بعيد عنى لأى سبب، وأشعر بالوِحدة والحنين لأبى وأمى وإخوتى وأصدقائى الذين توفاهم الله، وساعات أشعر بالوِحدة وأنا أُغنى أمام الجمهور، وأكثر أغنية كنت أشعر بالوِحدة وأنا أُغنيها هى (سهران لوحدى).
■ سألتها: ماذا عن الآهات التى كانت تثير انفعال الجمهور؟
- مش كل الآهات زى بعضها، فى معظم الأوقات أنا بكون منسجمة مع اللحن وأُعبر عن انسجامى وبعدين أُعيد تلبيةً لطلب الجمهور، وفى بعض الأحيان كانت آهات من الحزن لفقد إنسان عزيز أو آهات من آلام المرض الذى أُعانى منه.
■ بماذا تشعر عندما يُقبل بعض الناس يدها أو قدمها؟
- لا أحب إطلاقًا أن يُقَبل أى أحد قدمى، لأن فى ذلك نوعًا من الخضوع، والخضوع أو الركوع لغير الله مذلة، وأنا لا أقبل ذلك لأى إنسان.
وأما تقبيل اليد فقد يكون تقليدًا لعادة أوروبية حيث يُقَبل الرَجل يد المرأة إعجابًا، أو فى بلادنا وخصوصًا فى الأرياف تقبيل يد الأب أو الأم أو رجال الدِين نوع من الاحترام، وأحيانًا يكون نوعًا من المرح مثل فؤاد المهندس أو أمين الهنيدى، وأحيانًا يكون محبة وتقديرًا من فنانين آخرين أو أشخاص من الجمهور.
وأول مَرة رَجل تُقبل يدى كان فى منزل أحد الباشوات فى القاهرة بعد غنائى، وكنت صغيرة، وما زلت أقيم فى قريتى طماى الزهايرة، وكانت مفاجأة لى، وكان رد فعلى وقتها أن سحبت يدى بسرعة وقوة، وكانت النتيجة أن ظفرى جرح وجه الرجل، وبعد ذلك قررت ألَّا أجرح شعور أو وجوه من يقبلون يدى، وكنت أقول دائمًا سرًا أو علانيةً «أستغفر الله»، كلما قبل أحدهم يدى.
■ كنت أعلم أنها تحب الشِعر وتحفظ منه الكثير.. سألتها عن بيت شِعر فيه كلمات لها أكثر من معنى واحد؟
- «باتت على الروض تسقينى بصافيةٍ لا للسلاف ولا للورد رياها».
■ سألتها عن بيت شِعر يعبر عن الصداقة؟
- «بعيد عنك ما استغنيت عنى وطلاع عليك مع الخطوب».
■ سألتها عن بيت شِعر يعبر عن الشوق؟
- «من كتر شوقى سبقت عمرى وشفت بكرة والوقت بدرى».
■ بمناسبة كلمة عمرى فى البيت السابق.. سألتها: هل تذكر بيت شِعر عن العمر أو السن؟
- «وإيه يفيد الزمن مع اللى عاش فى الخيال واللى فى قلبه شجن أنعم عليه بالوصال».
■ ما هى ملاحظاتها عن الفروق بين العادات هناك ومصر؟
- إنت فكرتنى بالإمام الشيخ محمد عبده لمَّا زار أوروبا من زمان للدراسة ورجع مصر فقال رأيت فى أوروبا إسلامًا بلا مسلمين وفى بلدنا مسلمين بلا إسلام.
■ ماذا كان يقصد بذلك؟
- لا أستطيع التحدث عن قصده، بل أقول لك تفسيرى أنا بناء على ما شاهدت، الأوروبيون يعملون بأخلاق الإسلام الكريمة فى سلوكهم وأعمالهم ومعاملاتهم بينما كثير من المسلمين هُنا مع الأسف بعيدون عن أخلاق دينهم، الناس هناك يحترمون بعضهم البعض ويتعاملون بأمانة وصدق، وهنا ينسون أنَّ الدِين المعاملة.
هناك يتحدثون بأصوات منخفضة هادئة وهُنا ينسون ما ذُكر فى كتاب الله (واخفض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)، هناك يمشون على الأرض هونًا وبتواضع وهُنا ينسون كلام الله «ولا تمش فى الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا»، هناك النظافة فى كل مكان وهُنا ينسون أنَّ النظافة من الإيمان.
هناك يُعاملون الحيوانات برفق وعناية وهُنا ينسون أنَّ الرفق بالحيوان واجب وفريضة، «المهاتما غاندى» قال إن حضارة الشعوب تقاس بكيفية معاملتهم لحيواناتهم. دليل على ذلك أنَّ أيام أجدادنا فى الحضارة المصرية القديمة العريقة كانت الحيوانات تُعامل باحترام كبير.
ورغم كل ده مصر عندى أجمل بلد فى العالَم وشعبنا طيب وذكى وخفيف الدم، حاجات صغيرة ممكن تحليها أكتر لو كل واحد ياخد باله من الكلام ده، وكمان ينظف قدام بيته ويزرع ورد فى بلكونته أو قدام البيت الميه موجودة والشمس طالعة.
■ هل هناك أى ملاحظات أخرى عن الفروق بين العادات فى أوروبا ومصر؟
- شفت ناس كثيرة فى الحدائق ومحطات الأتوبيس والمترو وفى المطارات فى أيديهم كتب يقرأونها، وهنا رغم أن عندنا أدباء وشعراء ممتازين ومع ذلك عدد القراء قليل جدًا. وهذا مع أن أول ما نزل فى القرآن الكريم (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) صدق الله العظيم.
■ هل لنشأتك الدينية فى القرية تأثير فى المبادئ التى سرت عليها طول حياتك؟
- حاجات كتيرة لكن أقول لك اللى على فكرى دلوقتى:
- قال الرسول عليه الصلاة والسلام (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه).
- وفى كتاب الله سبحانه وتعالى (أولئك يسارعون فى الخيرات) صدق الله العظيم. خلى بالك من كلمة (يسارعون) الواحد مايعرفش العمر إمتى ينتهى.
- رأس الحكمة مخافة الله، اللى يخاف من الرب ميخافش من العبد.
- زى ما قلت لك قبل كده قبل فتح السِتارة أقول «رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى» صدق الله العظيم.
- وقبل أن أخرج من البيت أقرأ آية الكرسى.
- وفيه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام لا أذكر النص بالضبط لكن معناه أحسن الناس أنفعهم للناس.
عدم الحُكم على الآخرين، لأن المظاهر خداعة والحُكم لله وحده، وإذا شخص قال لى قصة أو إشاعة فلازم أتأكد من صحتها مباشرة من الشخص المذكور فى القصة لكى لا أظلم أى إنسان، ربنا سبحانه وتعالى قال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) صدق الله العظيم.
■ لاحظت من صور كثيرة تنشرها الجرائد والمجلات حبها للأطفال وحنانها عليهم وكذلك حبهم لها.. سألتها: هل كنتِ تحبين أن يكون لحضرتك ولد أو بنت؟
- سكتت لمدة ثوانى قليلة وشعرت أنا بالذنب والخجل أننى سألتها فى هذا الموضوع الحساس ولاحظت هى ذلك، فنظرت فى عينى وقالت: يعجبنى فيك جرأة الشباب الواثق من نفسه، نادرًا ما يجرؤ أى أحد أن يسألنى سؤال شخصى بدون لف ودوران.
نعم أنا كنت أحب أن يكون لى ولد أو بنت أو الاتنين، يعنى ولد وبنت ولكن الظروف لم تسمح، وليس كل ما يتمناه الإنسان يتحقق، والإنسان لابد أن يرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى، ففى كتابه الكريم يقول (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وكذلك يقول (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) صدق الله العظيم.
ومتنساش إن كل أغنية أغنيها بتكون زى طفلة بالنسبة لى أراعيها وأحاول أربيها فى ذهنى حتى تكبر وتحلو فى أُذن ونظر جمهورى الذى أقدره وأحترمه بقدر حبه لى وزيادة.
■ من أكثر شخص أحبته فى حياتها على الإطلاق؟
- أمى طبعًا ومتسألنيش مين بعدها.
■ هناك نوعان من الناس، نوع يأكل من أجل أن يعيش والآخر يعيش من أجل أن يأكل، وحضرتك... (لم تعطنِى فرصة أكمل)
- قالت: «أنا من النوع الأول».
■ ما أحب الأكلات إليك؟
- الجبنة القريش والجبنة البيضة والزيتون الأسود والسريس والفول المدمس والفواكه، والمهلبية يا سلام عليها بتفكرنى بأول أجر لى كان طبق مهلبية وأنا طفلة مقابل الغناء مع والدى فى قريتى، وكنت بكون فرحانة بيه جدًا، فأنا أحاول الابتعاد عن اللحوم والطعام الدسم.
■ قلت لها إنها بعد أن تغنى أغنية جديدة فى حفلة تغنيها بطريقة أجمل فى الحفلات التالية، فسألتها: هل غنت أغنية فى حفلة ولم تغنها مَرة أخرى ولماذا؟
- نعم وهذا حدث أكثر من مَرة لكن منذ زمن طويل، لأن تجاوب الجمهور مهم جدًا بالنسبة لى فإذا شعرت بأن الجمهور لم يقابل الأغنية الجديدة بالحماس الذى تعودت عليه لا أُغنيها فى حفلة أُخرى.
■ سألتها: هل تذكر اسم أغنية لقيت هذا المصير؟
- أغنية «وقفت أودع حبيبى».
■ سألتها: هل كانت نشأتها فى القرية هى السبب فى حبها للحيوانات؟
- ربما، ولكن السبب الأهم هو أن الرفق بالحيوان واجب دينى وإنسانى، وفى الإسلام أقوال ومواقف كثيرة تحثنا على ذلك، فالقرآن الكريم فيه سبع سور مسماة باسم حيوان أو طائر.
■ سألتها: هل تذكر أسامى هذه السور؟
- فكانت نظرتها نظرة عتاب ثم قالت: «البقرة والأنعام والنحل والنمل والأنفال والعنكبوت والفيل»، ثم أضافت: «وغير كده قصة أبى هريرة لمَّا نامت قطة فى حجره وهو قاعد فى مجلس بدلًا من أن يزعجها عندما أراد أن يقوم طلب مقص وقص جلبابه حولها. أنا مش فاكرة التفاصيل بالضبط».
وقصة أخرى للشخص الذى أعطى الماء الذى كان معه لكلب عطشان فى الصحراء بدلًا من أن يشربه هو، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذا الشخص إن له الجنة بهذا العمل وتلك الرحمة.
وغير كده أمثال لا تعد ولا تحصى. وكذلك فى الإنجيل والتوراة وحتى فى العقائد الأخرى. أنا سبق أن قلت لك ما قاله المهاتما غاندى إن حضارة الشعوب تقاس بكيفية معاملتهم لحيواناتهم.
■ حضرتك غنيتى فى القدس عاصمة فلسطين سنة ١٩٣٥م.. هل تفكرين فى الغناء هناك مَرة أخرى؟
- «أنا غنيت هناك أكثر من مَرة قبل النكبة والاحتلال الصهيونى..
■ هل فعلًا أول من لقبك بكوكب الشرق هى سيدة فلسطينية؟
- نعم، وكان فى أوائل الثلاثينيات فى إحدى حفلاتى هناك وأذكر أنها كانت من غزة، صاحت بهذه الكلمات بعد أن انتهيت من الغناء وسمعها صحفى ونشرها، وبعد ذلك فتحوا قهوة فى بيروت باسم كوكب الشرق ودعونى لزيارتها كلما كنت فى بيروت.
■ قلت لها: «لى زملاء يهود فى الكُلية بيحبوا أغانى حضرتك جدًا لكن بيقولوا إنك بتكرهى اليهود».. هل تكرهينهم بالفعل؟
قالت: قول لهم إننى لا أكره أى أحد بسبب ديانته أو جنسيته أو أصله، الدِين المعاملة، الدِين اليهودى دين سماوى إبراهيمى نسبة لسيدنا إبراهيم- عليه السلام- وهو أساس المسيحية والإسلام.
ومن أوائل من لحنوا لى كان داود حسنى وكان يهودى، ومن ضمن أصدقائى أُسرة ليلى مراد وهم يهود، ولى أصدقاء كتير يهود ومسيحيين.
أنا لمَّا كنت بتعالج فى أمريكا طلبت مجموعة من اليهود المتدينين، وكانوا لابسين إسود فى إسود، زيارتى فى المستشفى، ومدير المستشفى كان قلقان ولكن أنا وافقت إنى أشوفهم.
قالوا إنهم عرفوا عن وجودى هناك من الصحف وأرادوا أن يتمنوا لى الشفاء وأرادوا إبلاغى إنهم لا يحبون السياسة الاستعمارية الإسرائيلية ولا الأفكار الصهيونية وإنهم متعاطفين مع الشعب الفلسطينى.
المشكلة هى الصهيونية واحتلال أرض فلسطين. اليهود كانوا عايشين فى سلام مع المسلمين والمسيحيين فى مصر وفى فلسطين وفى معظم الدول العربية والإسلامية قبل سنة ١٩٤٨م وحتى بعدما طردوهم من إسبانيا راحوا يعيشوا مع المسلمين فى تركيا ودول عربية وإسلامية.
اللى بهدلهم وحرق كتير منهم فى الحرب العالمية التانية ماكانوش مسلمين، دول كانوا هتلر والنازيين، وكان إجرام لا يتقبله إنسان ذو ضمير، لكن الصهاينة استغلوا عطف العالَم بعد ذلك واحتلوا فلسطين.
فيه فيلسوف بريطانى مش فاكرة اسمه دلوقتى قال إن دى أكبر سرقة فى القرن العشرين، وأنا حاسة إن إسرائيل مهما طال الزمن هتدوب فى بحر من العرب.
بمناسبة سؤالك أنا سمعت فى الإذاعة البريطانية «بى بى سى» حديث مع جمال عبدالناصر وكان يرد على إنه بيكره اليهود قال لو الذين احتلوا فلسطين كانوا مسلمين من تركيا أو باكستان مثلًا كنا برضه هندافع عن حقوق الشعب الفلسطينى بنفس الروح ونفس العزيمة.
■ حضرتك معلوماتك الموسيقية كبيرة وتستطيعين أن تلعبى العود والقانون وآلات أخرى.. متى وكيف تعلمت هذا؟
- من صغرى وأنا محاطة بموسيقيين كبار اتعلمت منهم وعلمت نفسى وكان أولهم الشيخ أبوالعلا محمد.
■ هل أفادك ذلك فى اختيار الألحان المناسبة للكلمات؟
- بدون شك. لازم أوافق على اللحن وكثيرًا ما أطلب من الملحن تغيير جمل موسيقية.
■ وهل كانوا دائمًا يوافقون؟
- فى معظم الأوقات، لكن أحيانًا كان الملحن يقنعنى إن هو ده أحسن من غيره أو يناسب صوتى فى فترة معينة من عمرى.
■ هل فكرتى فى تلحين أغانى لنفسك؟
- أنا جربت، ولكن المثل يقول إدى العيش لخبازه، وفيه مثل إنجليزى بيقول إن الواحد لازم يعرف كل شىء عن شىء واحد ويعرف على الأقل شىء واحد عن كل شىء، وأنا أحب الإتقان فى عملى، وعملى هو الغناء.
■ عُرضت عليك مرات عديدة الإقامة فى أوروبا أو أمريكا فى مقابل أموال كبيرة وخيالية أو التدريب على الغناء بالإنجليزية أو الفرنسية لينعم العالم الغربى ومعظم دول العالم بصوتك الرائع الفريد من نوعه.. لماذا رفضت؟
- أنا كفاية عليا الـ١٠٠ مليون فى العالم العربى، بالإضافة لمن يفهمون اللغة العربية فى بلدان أخرى (كان فى وقتها تعداد العالم العربى ١٠٠ مليون)، وأنا لا أحب ولا أستطيع أن أعيش بعيدًا عن بلدى مصر وأرض مصر وجمهورى فى مصر ولو قدموا لى كنوز سليمان.
■ هناك من يقولون إنهم عمرهم ما حبوا ولا وقعوا فى غرام أحد.. ماذا تقولين لهم؟
- ردت بابتسامة على شفتيها: «يا قلبه اللى طول عمره ما داق الحب وحلاوته.. تشوفه يضحك وفى قلبه الأنين والنوح.. عايش بلا روح.. وحيد.. والحب هو الروح».
النقطة دى كتب فيها كاتب فرنسى معروف وهو من أصل روسى اسمه هنرى ترويات، وكان قد أرسل لى خطابًا ومعه كتاب من كتبه كهدية منه، قال إنه سمع صوتى ونوى ييجى مصر يحضر حفلة ويقابلنى، وأنا بحاول أعلم نفسى شوية فرنساوى، كل صفحة أقرأها لازم القاموس يكون جنبى. وساعات رامى يساعدنى الله يمسيه بالخير. الجملة اللى لفتت نظرى فى الكتاب وبترد على الموضوع ده»:
:Pour aimer
quelqu'un، on devrait
s'aimer moins lui-meme
يعنى الواحد علشان يقدر يحب شخص آخر لازم يفتح قلبه ويحب نفسه أقل شوية، فيه ناس بتحب نفسها زيادة عن اللزوم ومفيش فى قلوبهم مكان لأى حُب آخر.
■ لاحظت إن معظم حفلاتك للإذاعة فى الخميس الأول من كل شهر التى حضرتها لم تكن فيها تصوير تليفزيونى وأنها كانت أجمل بكثير من الحفلات التى صورها التليفزيون، وكنت قرأت فى جريدة الأهرام أو الأخبار أنك كنت ترفضين أن يصورها التليفزيون.. فلماذا؟
- أنا لغتى هى الغناء وأنا أحب الراديو وأحب التفاعل مع الجمهور الحاضر أمامى فى المسرح، بشعر بإنى بغنى لكل واحد أو واحدة منهم. واللى بيسمعوا فى الراديو بيسمعوا وخيالهم يسمح لهم يعيشوا قصص فى حياتهم الأغنية تفكرهم بيها.
أضرب لك مثل. الأغنية زى الكِتاب، أنا أحب أقرأ كتاب وخيالى مفتوح لا حدود له وبعدين يعملوا فيلم من قصة الكتاب ده. ميعجبنيش لأن الفيلم فيه قيود مثل خيال المخرج الذى يختلف عن خيالى وكذلك قيود مادية وقدرة الممثلين وعوامل أخرى فى عمل الفيلم تقلل من لذة أن تقرأ الكتاب، وكمان لمَّا تكون الكاميرات بتصور والأضواء تزداد ده بيأخذ من تركيزى واندماجى مع الكلمات واللحن.
كثيرًا ما وجهت المسئولين عن التصوير ألا يظهروا صور مقربة من وجهى، إنت عارف ليه بلبس نظارة سوداء، وأنا بغنى لا ألبسها. ومع ذلك فى بعض التسجيلات المصورة لم يحترموا أو نسوا هذه التعليمات.
كمان أنا لمَّا بقوم من على الكرسى بعد المقدمة الموسيقية يصفق الجمهور ومن زمان المستمعين فى الراديو لا يرونى وإنما يفهموا أن هذا التصفيق يعنى نهاية المقدمة وتقديرًا لها ولأعضاء الفرقة وللملحن، وأيضًا لكى يستعدوا لبداية الغناء، والصورة فى التليفزيون بتضيع النقطة دى.
■ هل فيه أى عادة منتشرة فى مصر لا تحبها؟
- التدخين عادة مضرة بالصحة ومكلفة، مضرة بصحة اللى بيدخن واللى حواليه. فى نظرى إنه من الخطأ أن يصرف الشخص من دخله على التدخين، بينما فيه ناس مش لاقية تاكل.
لو كل مدخن فى مصر يقلل من عدد السجاير اللى بيدخنها ويوزع ما يدخره من ذلك فى أعمال خيرية زى مساعدة الفقراء والمحتاجين ربنا يبارك له فى صحته ويزيد فى ميزان حسناته.
■ لماذا لا تنصح بعدم التدخين تمامًا ومَرة واحدة؟
- لأن معظم المدخنين وصلوا لمرحلة الإدمان، فمن الصعب أن يتوقفوا مَرة واحدة إلَّا لو كان عندهم عزيمة وإرادة قوية أو يلجأوا لمساعدة طبية.
المشكلة هى إن فيه أطباء كتير مدمنين تدخين، هيكون زى المثل اللى بيقول جبتك يا عبدالمعين تعينى لقيتك يا عبدالمعين عايز تتعان.
أنا بقول كده ولكن عندى أمل إن مع التوعية فى المستقبل العادة دى تنقرض. لا أظن أن ذلك هيحصل فى حياتى لكن يمكن فى حياتكم إنت وزملائك.
■ ما العوامل التى أدت لنجاحك وجعلتك أشهر مغنية فى العالَم؟
- النجاح ده من فضل ربى والحمد لله، النطق السليم للكلمات يرجع لأنى درست القرآن الكريم فى القرية وأنا طفلة وتعلمت تجويده، ومن هنا يأتى الأداء الصحيح. كمان قضيت وقت طويل فى بحث ودراسة تراث الموسيقى العربية، زائد حبى للأدب والشعر.
وتجدنى كثيرًا ما أبدل بعض الكلمات فى الأشعار والقصائد والأغانى قبل ما أغنيها من أجل أن تتناسب مع شخصيتى والمبادئ التى تربيت عليها، وحفاظًا على ذوق جمهورى الذى أحترمه.
ويساعدنى فى ذلك كثيرًا الأستاذ أحمد رامى، الله يمسيه بالخير، كمان بعمل بروفات كتيرة لمحاولة إتقان الأغنية قبل ما أسجلها على اسطوانة أو أغنيها فى حفلة.
■ حضرتك مقلتيش حاجة عن صوتك كعامل من عوامل النجاح.
- قالت لى: «قلت لك ده من فضل ربى. ده هبة من الله أنا بعمل الواجب اللى عليا وهو المحافظة على هذه الهبة، وإنت وزملائك بتدرسوه. لمَّا تخلصوا إنت قول لى رأيك العلمى إيه».
■ وماذا تفعلين للمحافظة على هذه الهبة؟
- المشى كل يوم أو بقدر المستطاع وتدريبات للتنفس العميق لفترة يوميًا والمحافظة فى الأكل وعدم التدخين والبعد عن المدخنين بقدر الإمكان، وأدفى نفسى فى الشتاء علشان ميجيليش برد ودى أكتر حاجة بخاف منها فى الأيام اللى قبل أى حفلة.
■ سألتها: ما هى أظرف نكتة أو قصة سمعتها؟
- قرأت قصة حقيقية ظريفة أضحكتها كثيرًا، وهى أن امرأة أرسلت خطابًا للكاتب الأيرلندى المشهور جورج برنارد شو (George Bernard Shaw) قالت فيه إنها جميلة وتريد الزواج منه لتنجب أطفالًا فى جمالها وفى ذكائه، فرد عليها بخطاب شكرها فيه وقال إنه يخشى أن يتزوجها فينجبوا أولاد فى ذكائها هى وفى جماله هو.
■ زملائى فى الكُلية طلبوا منى أن أسألك لماذا لا تغنين أجزاء من القرآن بتلحين رياض السنباطى؟
- نظرت لى نظرة ثاقبة لم أفهم معناها وإنما شعرت بشىء من القلق أن أكون قد أغضبتها، وقالت: «أنا لا أُحبذ الكلام فى هذا الموضوع، تلاوة القرآن تكفى ولها رهبة فى النفوس، والموسيقى لن تزيد ولا داعى لها».
■ مَن مِن المقرئين تُفضلين سماعه وهو يتلو القرآن؟
- عندنا فى مصر عدد من المقرئين الممتازين وأحبهم كلهم، كل واحد فيهم له صوت معين ونبرة معينة وطريقة مختلفة.
صوت وتلاوة الشيخ رفعت تعجبنى وتُدخل السكينة فى قلبى، وأحب الأذان بصوته خصوصًا بعد مدفع الإفطار فى رمضان وسورة الكهف بصوته تأخذنى لعالَمٍ آخر، عالَم روحانى جميل.
■ كنت فى صغرى أسمع إشاعة إن أم كلثوم كانت تستحم باللبن فى البانيو بدلًا من المياه لتحافظ على جسمها ومظهرها الذى كان منظر شباب دائمًا.. هل سمعت هذه الإشاعة وهل هى صحيحة ولا أدرى كيف كانت لدى الجرأة أن أسألها فى ذلك؟
- ضحكت قليلًا ثم قالت: كل الإشاعات بتوصلنى، لكن معنديش وقت أرد على تفاهات زى دى. يا ابنى الناس اللى بتطلع بأفكار زى كده دول ناس فاضيين وخيالهم واسع ومخهم مهلبية، وطبعًا الكلام ده غير صحيح وأعتقد إنه حرام. اللبن نعمة من نعم الله. ناس كتير مش لاقيه اللبن علشان يطعموا أولادهم.
أنا مش قصدى أزعل حد، أنا بحب المهلبية، وكانت أُجرتى وأنا طفلة فى القرية لمَّا أغنى فى الأفراح طبق مهلبية.
لكن الغريب إن فيه ناس بيصدقوا الكلام الفارغ ده وبيكرروه لغيرهم. إنت عارف إن الكدبة لمَّا تتكرر تبدأ الناس تصدقها، حتى اللى اخترع الكدبة نفسه من كتر التكرار ينسى إنه ألفها ويصدقها هو كمان.
■ ماذا عن شعورك وأنت على القمة منذ سنوات طويلة؟
- أنا لا أشعر بأننى فى القمة أنا فقط ماشية فى الموكب، عندى آمال وأمانى كتير وكبيرة ولن يتسع العمر مهما طال لتحقيقها.
■ ماذا عن الأشياء التى تحبينها؟
- أُحب كل شىء له مستقبل، أُحب الزرع والشجر لأنه بيكبر ويخرج منه الورد والزهور والثمرات، أُحب الهلال لأنه بيكبر ويكون قمر وينور.
■ قلت لها إن ذلك ذكرنى بأغنيتها الرائعة (هلت ليالى القمر) التى تقول فيها: (يصعب عليه تفوت لياليه من غير ما أشوف حسنك جنبى وأبات على الأيام أراعيه وأشوفه يكبر مع حبى).
- قالت: «ما هو إنت حافظ أهه، دى من كلمات الأستاذ أحمد رامى الله يمسيه بالخير».
■ سألتها: مَن هو الذى اكتشف موهبتها الغنائية؟
- والدتى ووالدى، وأيضًا علمنى والدى أنَّ الغناء السليم مبنى على التنفس السليم والصدر السليم، وكان يساعدنى ويدربنى لعمل تمرينات رياضية صعبة يوميًا لتقوية الصدر والرئتين وطبعًا كان يشجعنى على النطق السليم كما تعلمته فى الكُتاب (مدرسة القرية).
■ من هو أكثر شخص ساهم فى حياتها الفنية ولأطول فترة زمنية؟
- كل مَن غنيت أشعارهم وكل من لحنوا لى ساهموا فى حياتى الفنية، وأكثرهم هو صديق العمر الأستاذ أحمد رامى، تأثرت به وجعلنى أتذوق الشِعر، وعندما لاحظ حبى فى القراءة أخذ يستعير لى دواوين الشعر من دار الكتب حيث كان يعمل.
كنت أقرأها وأعيدها إليه ثم يأتى لى بغيرها. قرأت دواوين شِعر المتنبى وابن الرومى ومهيار الديلمى والبحترى وغيرهم. ثم بدأت أشترى كتبًا وأُكون مكتبة خاصة لى.
■ سألتها: ما هى أول كتب شِعر اشترتها لمكتبتها الخاصة؟
- «الشوقيات (للشاعر أحمد شوقى) وديوان حافظ إبراهيم».
■ كانت معلوماتى أنها غالبًا ما تقوم بتغيير وتعديل كلمات الأشعار والأغانى التى تغنيها، فسألتها إذا كان للأستاذ أحمد رامى دور فى ذلك؟
- التغييرات أنا أعملها لكى تتناسب مع صوتى وذوق الجمهور والزمن الحديث واللحن أيضًا، وكان رامى وما زال له دور كبير. دايمًا أستشيره وهو لا يبخل أبدًا فى مساعدتى.
■ ما هو أكثر شىء أو أجمل هدية قدمها لها الأستاذ أحمد رامى ذات قيمة كبيرة؟
- وقته وهذا لا يُقدر بثمن. شوف كل حاجة إذا ضاعت لفترة ممكن تتصلح وتعود كما كانت ويمكن أحسن مثل المال والصحة، ولكن الوقت هو من عمر الإنسان، والوقت من ذهب وممكن نفسرها إن الوقت ثمين وعندما يذهب لا يعود، ولكن يبقى فى الذاكرة، ولذلك أثمن هدية يهديها صديق لصديقه جزء من وقته.