رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة فيروس صينى يهز أسواق العالم بعنف



بمجرد الإعلان عن «فيروس تاجى» جديد، ظهرت بعض حالات الإصابة به فى الصين، أصاب الخوف بلدان عدة، حيث لم يقف الأمر عند الصين وحدها، فالأخيرة اضطرت سلطات الصحة فيها أن تعلن عن قدرة الفيروس على الانتقال من شخص لآخر، بعد أن أكدت ثلاث دول أخرى، اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند، ظهور حالات إصابة بالفعل جرى تشخيصها باعتبارها جراء ذات الفيروس.
منظمة الصحة العالمية أصدرت الأسبوع الماضى تحذيرًا، بأن احتمالية انتشار الفيروس الصينى على نطاق واسع كبيرة، واعتبرت مرض الالتهاب الرئوى هو أحد أعراض هذا الفيروس الغامض، وقد رصدت السلطات المحلية بالفعل «٦٢ حالة» إصابة فى وسط الصين، أعقبه أيضًا إعلان وفاة اثنين من المرضى. فى الوقت الذى لجأت فيه العديد من المطارات بالدول المجاورة للصين إجراء اختبارات حمى على الوافدين، اعتمادًا على خبراء من أمبريال كوليدج لندن، الذين حذروا من عدم استبعاد انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، بالنظر إلى تجربة سابقة لتفشى متلازمة الالتهاب التنفسى الحاد «سارس» ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس».
الإصابات بدأت من إحدى أسواق المأكولات البحرية فى مدينة «ووهان» الصينية، حيث بلغ عدد الحالات المتضررة مرضيا ما يقارب «٧٠٠ حالة»، ما دفع السلطات الصينية لإقرار إغلاق السوق، وفرض الحجر الصحى على المتضررين حتى وصلت الجهات الطبية إلى تأكيد رقم الـ«٦٢ إصابة» محققة، وتمكنوا من عزل الفيروس المسبب للمرض من جسم أحد المصابين. معنى هذا أن «ووهان» لديها المكونات اللازمة لتفشى الفيروس، فهى مدينة كبيرة مكتظة بالسكان، مع تواجد عدد من الأسواق للحيوانات الحية، يختلط الناس فيها بالحيوانات من الخنازير والقطط والكلاب، كما أن هناك مرتعًا للخفافيش وغيرها من الثديّات الناقلة للفيروس. وهذا ما أكده خبراء الأوبئة الذين ذكروا إن معظم الأوبئة المرتبطة بالجهاز التنفسى، مرتبطة إيجابيًا بالحيوانات، وقد تم الاعتقاد أن فيروس «سارس» الذى انتشر فى العالم عام ٢٠٠٣، وقضى على حياة أكثر من «٧٠٠ شخص»، انتقل إلى الإنسان عن طريق الحيوانات مثل القطط والكلاب وغيرهما، حيث يوجد الفيروس غالبًا فى الخفافيش وينتقل الفيروس إلى بقية الحيوانات، عن طريق تناول الطعام الملوث بفضلات هذه الخفافيش. كما ارتبطت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية بفيروس «كورونا»، التى ظهرت عام ٢٠١٢، بتربية أو بيع الحيوانات أو حتى التعامل معها ومنها الجمال مثلًا، حيث عد حينها كحيوان مهم وخطير لانتقال المرض.
هذا باختصار عن الجانب الطبى والصحى وتفاصيل العدوى، لكن الأمر لا يقف عند هذا البعد رغم خطورته، فهو سريعًا انتقل إلى أسواق المال والأعمال وضرب العديد من المؤشرات بعنف. فقد هوى اليوان الصينى الثلاثاء الماضى مبتعدًا عن ذروة ٦ أشهر مضت مقابل الدولار، فى حين صعد الين اليابانى بصورة مفاجئة لم تكن فى الحسبان، فهناك رغبة أكيدة لتحاشى المخاطرة، فما أن انتقلت أخبار الفيروس حتى أحدثت هزة فى الأسواق العالمية. عملة «اليوان» الصينية منطقيًا تحملت معظم عبء المخاوف، إذ هوت نحو ٠.٧ بالمائة فى التداولات الخارجية إلى ٦.٩١٢٦ للدولار، لتهبط فى السوق المحلية أيضًا وتسجل «اليوان» أضعف سعر لها فى أكثر من أسبوع عند ٦.٩٠٩٤ دولار. هذا رغم أن المحللين الماليين يؤكدون أنه حتى الآن هناك ين يابانى قوى وفرنك سويسرى قوى، وفرضية تحاشى المخاطرة يطبق على كل شىء، ويرون أنه ستكون مفاجأة كبيرة لو أنه غير الاتجاه العام من الآن فصاعدًا، لكنهم يعتبرون أن الوقت ما زال مبكرًا نسبيًا.
لكن «الين»، الذى يعد أحد الرابحين كعملة نقدية، تراجعت الأسهم اليابانية الثلاثاء الماضى بسبب المخاوف من انتشار الوباء الجديد، وهبط المؤشر «نيكى» القياسى لينزل عن ذروة ١٥ شهرًا المسجلة يوم الإثنين، فى حين فقد المؤشر «توبكس» الأوسع نطاقًا الكثير من النقاط مما أكد تمدد الأزمة أفقيًا. كما انخفضت أسهم الخطوط الجوية اليابانية بما يمثل ٣٪ من قيمتها، كما هبط سهم الشركة المشغلة لمطار «هانيدا» فى طوكيو بنسبة ٤.٥٪ ومعه سهم إتش. آى. إس للسفر ٥٪، لتتبنى الحكومة اليابانية بصورة معلنة وسريعة سلسلة من الإجراءات لمواجهة الفيروس الجديد، الذى سجلت البلاد أول حالة إصابة به الأسبوع الماضى. على الجانب الآخر فى أوروبا تراجعت الأسهم سريعًا فى نفس اليوم، الثلاثاء، حيث هبط مؤشر «ستوكس ٦٠٠» الأوروبى بمقدار ٠.٨٪ ضمن خسائر أولية شملت شتى القطاعات، فأسهم مصنعى المنتجات الفاخرة صاحبة الانكشاف الكبير على الصين، مثل إل. فى. إم. إتش وكيرينج وهيرميس وبوربرى عدت من أكبر الخاسرين، كما أتبع ذلك سريعًا نزول مؤشر قطاع البنوك بنسبة أولية تقدر بحوالى ١٪.
فى المقابل تدافع المستثمرون الدوليين سريعًا إلى شراء أسهم مصنعى الأقنعة والملابس الواقية مما قفز بقيمتها إلى ما يتجاوز ١٦٪ قبيل الإعلان عن الفيروس، بل وحتى كاميرات الأشعة تحت الحمراء المستخدمة فى فحص المسافرين فى المطارات هى الأخرى زادت إلى نحو ١٢٪ فى ساعات، والمواقع الحساسة الأخرى. كما ارتفعت أسعار الذهب لأعلى مستوى فى نهاية هذا الأسبوع، فسعر الذهب، الذى بقى لفترة عند ذروة تاريخ ٨ يناير، بمجرد ورود أخبار الفيروس الصينى تحرك ليرتفع بنسبة ٣٪ فى الصفقات الحالية، ويمتد أيضًا لعقود الذهب الأمريكية الآجلة. حيث أجج انتشار الفيروس الجديد فى الصين المخاوف، من وباء يحتمل بشكل كبير أن يكون أوسع نطاقًا، مما أوقد شرارة نوبة مفاجئة من تفادى المخاطرة شملت الأسواق والمعاملات الرئيسية حول العالم، مصحوبة بإثارة الفزع من تفشى وباء سيرفع الطلب على الذهب ليومين آخرين على الأقل.
التراجع فى الأسهم والفوضى التى ضربت أسواق عديدة ورئيسية، الثلاثاء الماضى، مع سيطرة الخوف على المستثمرين والمحافظ والصناديق العملاقة، من تفشى فيروس تاجى جديد فى الصين على وجه الخصوص، ينظر إلى آثاره المحتملة بأنها قد تتجاوز بالسلب مجرد تعطل التحسن الاقتصادى، فى أعقاب اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين التى لم تلبث تسترد قدرًا خجولًا من التعافى العالمى.