رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السرّاج يتنفس تحت القاع!


المدعو فايز السراج، لم يتوقف، عن إبهارنا بانحطاطه منذ تم فرضه على الليبيين، منذ حوالى أربع سنوات. لكنه نجح، مؤخرًا، فى النزول إلى ما تحت القاع، بأميال يصعب عدّها، حين قام بتسليم مفاتيح بلاده للمحتل التركى. ثم ظل يهبط ويهبط إلى أن طالب، فى حوار مع وكالة بلومبرج، بـ«رد دولى» على إغلاق موانئ تصدير النفط الليبى!.
هكذا، بمنتهى البساطة أو البجاحة، استعدى رئيس ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى الليبى لحكومة الوفاق الليبية»، دول العالم على الليبيين، لمجرد أنهم قاموا بإغلاق حنفية النهب، وحاولوا حماية ثرواتهم. وقطعًا، سنجد فى الحوار، الذى لم تنشر الوكالة إلا مقتطفات منه، حتى كتابة هذه السطور، ما هو أكثر انحطاطًا من ذلك، ومن مطالبته، فى حوار نشرته صحيفة «دى فيلت» الألمانية، قبل ساعات من انعقاد مؤتمر برلين، بنشر «قوة حماية دولية» فى ليبيا!.
للنفط الليبى شعب يحميه، ووقف إنتاجه أو تصديره، لا يُعد إخلالًا بالتزامات أو بتعاقدات، لأن «المؤسسة الليبية الوطنية للنفط»، كما أشرنا أمس، أعلنت حالة «القوة القاهرة». وهى الحالة، التى تتضمنها بنود العقود، أى عقود، وتعفى كلا الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما حال حدوث ظروف طارئة خارجة عن إرادتهما، مثل الحرب، الثورة، إضراب العمال، الكوارث الطبيعية.
الطريف، هو أن بعض الأصدقاء والقراء، شككوا، تشككوا أو هالهم أن تتجاوز إيرادات ليبيا من النفط رقم الـ٢٠ مليار دولار، منذ بداية ٢٠١٩ إلى نهاية نوفمبر الماضى، مع أننا ذكرنا، أمس، أن الرقم مصدره مصرف ليبيا المركزى. وعليه، لا مانع من الإشارة إلى أن المؤسسة الليبية للنفط، كانت قد ذكرت فى بيان، أصدرته فى ٦ يناير الماضى، أن إيرادات النفط، خلال سنة ٢٠١٨، بلغت ٢٤.٤ مليار دولار. كما سبق أعلن مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة، أن الإنتاج سيتضاعف، بحلول ٢٠٢١، ما يعنى تضاعف الرقم.
نأتى للنقطة الأهم، وهى إصرار البعض على وصف حكومة فايز السراج، بأنها شرعية أو المعترف بها دوليًا، فى حين يقول الواقع إنها تم فرضها، كما تم فرض المذكور ليكون «الرئيس غير التوافقى لحكومة الوفاق بليبيا»، والوصف ننقله من عنوان نشره موقع «الجزيرة نت»، فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٥، نعم، هو ذلك الموقع التابع لشبكة «جزيرة موزة»، وغالبًا لم تكن العائلة القطرية الضالة تعرف، وقتها، أن المذكور يجلس على الحجر نفسه، الذى تجلس عليه!.
ما حدث بالضبط، هو أن برناردينو ليون، مبعوث الأمم المتحدة الرابع إلى ليبيا، هو الذى اختار السراج رئيسًا لحكومة، أطلق عليها اسم «حكومة الوفاق الوطنى»، فى ٨ أكتوبر ٢٠١٥، وكلفه بتشكيل مجلس رئاسى للبلاد يمثل أطراف النزاع: برلمان طبرق وحكومته وبرلمان طرابلس وحكومته وقوى سياسية أخرى. ثم نص الاتفاق، الذى تم توقيعه فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٥، بمدينة الصخيرات المغربية، على تعيينه، تعيين السراج، وجاء فرضه هذه المرة من مارتن كوبلر، المبعوث الأممى الخامس، متجاهلًا اعتراض غالبية القوى الليبية لكون السراج «ليس له أى تاريخ أو نشاط سياسى»، كما تجاهل أيضًا المظاهرات التى خرجت اعتراضًا على الاتفاق كله، ووصفته بأنه «يجسد الوصاية الغربية على ليبيا».
لم نخترع هذه الأحداث، بل تناقلتها، وقتها، صحف ووكالات أنباء ووسائل إعلام كثيرة، بينها «الجزيرة»، فى التقرير المشار إليه. بالإضافة إلى أن «اتفاق الصخيرات»، برمته، بكسر الراء أو ضمها، قوبل برفض قاطع من نورى بوسهمين، رئيس المؤتمر الوطنى العام «برلمان طرابلس»، وأيضًا من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب «برلمان طبرق». والاثنان أكدا، خلال لقاء جمعهما فى مالطا، يوم ١٥ ديسمبر ٢٠١٥، أن الموقّعين على ذلك الاتفاق لا يمثلون المؤتمر العام أو برلمان طبرق، بل وقعوا عليه بصفاتهم الشخصية.
سيرة السراج، وسيرة أهله، تكشف عن اعتياده على الحياة تحت قاع الانحطاط، أبًا عن جد. منذ أن قدم جده الأكبر، محمد أغا، من تركيا، سنة ١٨٤٠، جنديًا مع الغزاة العثمانيين. وصولًا إلى عمالة والده، مصطفى فوزى السراج، لبريطانيا، حين سيطرت على ليبيا «منذ ١٩٤٢ إلى ١٩٥١»، بعد أن عمل «منذ ١٩٣٩ إلى ١٩٤٢» فى الإذاعة الفاشستية الناطقة بالعربية، صوت الاحتلال الإيطالى، وتفاخره، فى مذكراته الصادرة سنة ٢٠٠٥، تحت عنوان «ذكريات وخواطر»، بأنه أمسك بلجام حصان «موسولينى»، خلال زيارته الشهيرة إلى «طرابلس»!.
لن نخوض فى تلك السيرة، مكتفين بالتأكيد على أن عدم إزاحة هذا العميل، ومَن يستعمله، وعدم القضاء على الميليشيات التى تحرك الأول ويحركها الثانى يكفيان وزيادة لكى ينزل سقف طموحاتك بشأن نتائج مؤتمر برلين، ولكى تتوقع أن يلحق بكل المؤتمرات والمفاوضات الكثيرة السابقة، التى فشلت فى إيجاد حلول للأزمة الليبيية. وحسنًا فعلت الحكومة الألمانية حين وصفت المؤتمر بأنه «مجرد لبنة أولى على طريق الحل السياسى».