رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد توفيق بندوة «الدستور»: قصة «علي وصفية» مغرية للكتابة.. ودراميتها تفوق الخيال

جانب من الندوة
جانب من الندوة

أعدها للنشر: حمدين حجاج - شارك في الندوة: إيهاب مصطفى - حسام الضمراني - آلاء حسن

نتيجة بحث الصور عن علي وصفية

• أيام لها تاريخ
في عام 1904 كانت مصر على موعد مع شتاء ساخن تبعه ربيع مضطرب ثم صيف ملتهب؛ لكن ذلك لم يكن له علاقة بأحوال الجو وظروف الطقس؛ بقدر ما كان مرتبطا بالأحداث على الصعيد السياسي والمستوى الاجتماعي، فقد أحدثت واقعة زواج الشيخ علي يوسف صاحب جريدة "المؤيد" مع صفية السادات زلزالًا مدويا في الشارع المصري، أقام ليلها ولم يقعد نهارها حتى منتصف عام 1905؛ وذلك بعدما سطرت القصة فصلها الأخير.

116 عاما مرت على الحكاية، لكن مازال في سطورها حروف تُغري بالكتابة وإعادة سرد الرواية، فتلك القصة تشبه في تفاصيلها حواديت الحب الكبرى أمثال "روميو وجوليت" و"قيس وليلى"؛ فقط كانت القصة ينقصها أن يعزف تفاصيلها مطربي الربابة على عود الشجن والمحبة في الطرقات والحواري.

مرة أخرى تطل القصة بزخمها وشخوصها وأحداثها ووقائعها؛ لكنها في تلك المرة تُخرج من عند عتبات الكاتب الصحفي محمد توفيق، والذي يقطف زهورا من حدائق تلك الحكاية، عبر كتابه الصادر حديثا عن دار "بتانة" تحت عنوان "علي وصفية.. قصة حب وحرب".

وعلى مائدة جريدة "الدستور" دارت الحديث عن كواليس "على وصفية" مع المؤلف، في ندوة العنوان الأبرز لها "حكاية من وراء الحكاية".

• الباز: الحياة قبل قصة علي وصفية ليست كما بعدها

- بدأت الندوة من الدكتور محمد الباز رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة "الدستور"، والذي أثنى على مشروع المؤلف الشاب الصحفي محمد توفيق، سواء باختراقه الجانب الآخر لكواليس الصحافة المصرية عبر إصداراته المختلفة السابقة، مؤكدا أن كتاب "علي وصفية" سيكون عملا جديدا ومختلفا، بفعل المهارة التي يتمتع بها "توفيق" في الكتابة وقدرته على ضبط القصة و"تضفيرها"، لتخرج مكتملة التفاصيل محكومة الأبعاد.


وأضاف "الباز": "قصة علي وصفية تمثل واحدة من أهم التحولات الاجتماعية الكبرى والمثيرة في مصر خلال القرن العشرين، ويمكن الجزم بأن الحياة قبلها في مصر المحروسة تختلف بشكل كبير عنها بعدها؛ فقد أحدثت نوعا من التعرية الاجتماعية، كانا أثرهما أكبر من مؤلفات قاسم أمين"؛ مرجعا السبب وراء تصاعد القصة بهذا الشكل للطبقية، بجانب أن أبطال القصة كانا الشيخ علي يوسف وصفية السادات.

• محمد توفيق: الحكاية فيها إنَّ
بدأ توفيق حديثه قائلًا: مصدر الإلهام الذي دفعني للتصدي من جديد لتلك القصة، كان كتابي السابق الملك والكتابة؛ فأثناء تحريري لفصوله، صادفتني القصة؛ ووجدت أنها تحتوي على أحداث وقصص تحتاج للتدوين من جديد.

ويستكمل: لاحقا عدت لكتابات الأساتذة الكبار أحمد بهاء الدين وحلمي النمنم ورشاد كامل؛ وبدأت في تجميع الخيوط ونسخ الخطوط الخاصة بها، وقتها أتيح لي رؤية الوجه الآخر لعدد من رموز ذلك العهد والعصر، فمثلا تستطيع أن تشاهد مصطفى كامل بصورة، وفي نفس القصة تستطيع أن تشاهد صورة مغايرة تماما، وهذا الأمر لم يكن مقتصرا عليه وحده دون غيره، بل ينطبق على الخديو عباس حلمي الثاني ومحمد فريد وعدد من مشاهير العصر آنذاك.

وتابع: كان من المفترض أن تكون الحكاية بلا حكاية، لو حسم الإمام "محمد عبده" القضية بكلمة واحدة، وهي"نعم أو لا"، باعتباره مفتي الديار المصرية وقتها، لكني أعتقد أنه رفض التدخل بشكل مباشر خوفا من أن تكرر الواقعة مع بنات أخريات، قد تكون واحدة منها ابنته مثلا.




ويرى المؤلف أن شعبية على يوسف لعبت دورا رئيسيا في ذلك المنحني الذي أخذته قضية زواجه؛ فهذا الرجل بالتعريف البسيط يمثل الأستاذ الأهم الذي نقل الصحافة نقلتها الكبرى بعد سنوات من الجمود.

وعن أسلوب السرد، يقول"توفيق": تلك القصة كانت بحاجة إلى أن تقدم للقارئ في صورة حدوتة، ولذلك اخترت البداية من عند مشهد دخول المحكمة، والمثير أن الصحافة المصرية ظلت تتابع القضية بشكل شبه يومي، لدرجة أن جريدة "الأهرام" أصدرت عددا مجمعا عن القضية بتفاصيلها.

ومن الأمور اللافتة هنا، والتي تحدث عنها المؤلف، أن الصحافة المصرية- والكلام مازال على لسانه- نجحت في تحقيق أرقام توزيع قياسية خلال أحداث القضية.

وبالرغم من كون العمل الصحفي كان السبب فيما وصل إليه علي يوسف من شهرة؛ إلا أنه كان القشة التي قصمت ظهره، وجعلت القاضي الشهير "أبو خطوة" يحكم بالتفرقة بينه وبين صفية، فقد اعتبره يعمل في مهنة من "أخس الحرف"، حيث يروج للنميمة بين الناس من خلال جريدته؛ معتبرا ما يفعله لا يمت للصحافة الحقيقية بأي صلة.

ويعتقد توفيق، أن أحداث تلك القضية مازالت فصولها تتكرر بصورة نمطية في بعض أجزاء من الصعيد، وداخل الريف المصري، لذا من هنا نقول إن التعامل مع التاريخ باعتباره ماضٍ ليس صحيحا؛ التاريخ هو المستقبل، ومن يقرأ ما بين السطور سيتأكد من تلك الحقيقة التي لا تقبل الشك.





• رحلة البحث الشاق
أصعب لقطة في مشهد "على وصفية" كان مرور 116 عاما على حدوثها، وهو ما كان يتطلب الإطلاع على القضية بكل أبعادها، لذا لجأ المؤلف للإطلاع على كافة المراجع التي تناولتها، بجانب الاطلاع على الأعداد اليومية للصحف مثل "الأهرام" و"المؤيد" و"المقطم" وغيرهم.

وأكد " توفيق" أن قصة علي وصفية ستبقى مغرية للكتابة دائما، وليست هي وحدها بل هناك الكثير من القصص في صفحات التاريخ، تتصاعد الدراما في أحداثها بصورة تفوق وتتفوق على خيال أعظم المؤلفين.

واستطرد كلامه بأنه حاول الابتعاد عن الكتابة بطريقة روائية معقبا: "في البداية لجأت للكتابة بأسلوب روائي، لكني لاحقا عدلت عن تلك الفكرة بالانحياز إلى الشكل النهائي الذي خرجت به القصة، باعتبار أن القصة تحتوي على قدر كافٍ من الإثارة والتشويق". ويضيف: الهم السياسي العام في مصر كان حاضرا وبقوة في كل تفصيلة من تفاصيل الرواية، فقد كنت حريصا على إبراز أوجه الحياة في مصر على الصعيد الثقافي والاجتماعي ووصولا للشأن السياسي.

واختتم "توفيق" حديثه بالتأكيد على أن قصة "علي وصفية" عمل يصلح للتناول السينمائي أو الدرامي؛ مؤكدا أنه خلال الفترة المقبلة يستعد لإصدار الجزء الثالث من كتابه "الملك والكتابة"، والذي يرصد تفاصيل الصراع بين الصحافة والسياسة في القرن التاسع عشر.


• للحكاية وجوه كثيرة
الدكتور عاطف عبيد صاحب دار نشر "بتانة"، والتي أصدرت كتاب "علي وصفية" قال إنه كان واحد من أشد المتحمسين لإصدار ذلك العمل، ومنبع حماسه نشأ من السيرة الذاتية القوية التي يتمتع بها المؤلف محمد توفيق. وتابع: لا أنُكر أنه في البداية كان يوجد تخوف بسيط نابع من كون القصة سبق وأن تناولتها عدد من أقلام كبار الكتاب؛ لكن الثقة في أسلوب وقدرات المؤلف، وقدرته على تقديم حبكة مكتملة التفاصيل، أذابت كل تلك المخاوف وأزال كل الهواجس.

وأوضح أن فكرة الكتاب تتماشى مع اللون الذي يحاول صبغته على "بتانة"، فالدار تجمع بين كتاب من أقصى اليمن وفي الوقت ذاته شخصيات تنتمي لليسار والوسط وغيرهم، وتحاول التماس والتلامس مع كافة أنواع الكتابة؛ مؤكدا أنه كصاحب دار ليس لديه خطوط حمراء في النشر، إلا القضايا التي تُجرح في الثوابت والقضايا الوطنية.



• المريخي: التأريخ ظاهره رحمة وباطنه العذاب
الكاتب والشاعر أحمد المريخي، قال إن التعرض للتأريخ أمر ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، خاصة وأن هذا العلم لديه وجوه كثيرة، وأحداث متشعبة؛ بالإضافة إلى وجود مناطق به أشبه بكرة اللهب، لكن تبقى الميزة في مشروع محمد توفيق تتمثل في نجاحه في تقديمه بصورة إنسانية أو ما يمكن أن نُطلق عليه "أنسنة التاريخ".

وواصل، أنه كان يتوقع أن يقدم "توفيق" كتابه "علي وصفية" بصورة روائية درامية؛ لكنه نجح في التعاطي معها بأسلوبه المعروف عنها، والذي قدمه في مؤلفاته السابقة، مشددا في الوقت ذاته على أن كتاب "علي وصفية" ليس انفصاما على مشاريع "توفيق" التي ترصد تاريخ الصحافة، لكنه يبقى استكمالًا لها.

• عثمان يتحدث عن عناصر نجاح توفيق
الناشر حسين عثمان، قال إن محمد توفيق نجح في تقديم قراءة جديدة للتاريخ، تعتمد على عنصرين هامين أولهما هو اعتماد نمط الحدوتة في تقديم القصة التاريخية، وهو الشكل المحبب دائما للقراء والثاني هو الإيقاع السريع في العرض، وهو ما يجعل المحتوى في النهاية جذاب وممتع.

وأشار عثمان إلى أن تلك الحبكة ربما تكون عنصر البقاء للكلمة المطبوعة، والتي تبحث عن صياغة للبقاء وسط هذا الطوفان التكنولوجي.


• الصورة لا تكذب ولا تتجمل
عبد الرحمن الصواف مصمم الغلاف، قال إن هناك كيمياء خاصة تجمعه بمحمد توفيق، فقد تعاونا من قبل في ما يقارب 10 مؤلفات سابقة؛ معتبرا رحلة تطوره كمصمم للأغلفة تبدأ منذ عمله الأول مع توفيق وصولًا لكتابه الأخير "علي وصفية".

وتابع: فكرة الغلاف دائما ما تكون مرتبطة بمحتوى الكتاب، بجانب الاعتماد على مستوى الشراكة وتبادل الآراء بينه وبين المؤلف؛ مؤكدا أنه يحاول رفع مستوى الجمال في أغلفة الكتب التي يقوم برسمها، خاصة وأنه عامل جذب وحسم في إقبال الملتقي أو عزوفه عن الشراء، مؤكدا أنه مازال لديه مشروع مستمر يعتمد على خلق هوية خاصة ومختلفة بعمله، وهو ما تحقق بصورة كبيرة خلال الفترات الماضية، ويأمل في استمراره خلال الوقت القادم.