رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيدة الكرم والهاربون الثلاثة


لن يمكننا أن نقول إننا قد حققنا إصلاحًا كاملًا وحقيقيًا على أرض الواقع طالما أن لدينا من يستبيحون عرض النساء والهجوم عليهن.. فلن نرى إصلاحًا حقيقيًا لمجتمع ما زال الهوس الدينى والتشدد والتطرف باسم الدين يُمارَس فيه ضد المرأة فى الشارع علنًا، ولا يجد ردعًا كافيًا.
لن نرى إصلاحًا حقيقيًا لمجتمع لا يزال يتيح للفتاوى المتطرفة أن تبث سمومها عبر الزوايا والمساجد.. مجتمع يترك دعاة الفتنة وتكفير الآخرين دون عقاب رادع وعدالة ناجزة.. فلا صلاح لمجتمع يوجه فيه الرئيس بضرورة احترام المرأة ووضعها فى المناصب العليا ودعمها، بينما لا يزال دعاة التطرف والتخلف والفوضى والعنف يمارسون ضدها أسوأ الممارسات التى تسلبها حقوقها ومكانتها وكرامتها.. لا صلاح لمجتمع لا يزال الجناة فيه هاربين من جريمة ارتكبوها منذ ٤ سنوات، ولم يحضروا النطق بالحكم فى محاكمتهم، لأنهم ما زالوا طلقاء لم يتم القبض عليهم.
وطالما أنهم هاربون، فمعنى هذا أن العدالة ناقصة، وأن الحكم لن يُنفذ عليهم، وأخشى ما أخشاه أن تتكرر مثل هذه الجرائم التى تستبيح الهجوم على النساء فى الشوارع تحت أى ستار ولأى سبب.
إننى أطالب وأتمنى تكثيف الجهود للقبض على الجناة فى «قضية سيدة الكرم»- التى تمت فيها تعرية امرأة مصرية فى الشارع بعد ضربها وإهانتها بأبشع الإهانات، وهى الجريمة المشينة التى حدثت منذ ٤ سنوات فى قرية الكرم بمركز أبوقرقاش بمحافظة المنيا- حتى ينالوا العقاب القانونى، لأنها جريمة تسىء لسمعة مصر، وقد صدر مؤخرًا حكم بالسجن المشدد لمدة ١٠ سنوات على الجناة الثلاثة، إلا أنهم تغيبوا عن جلسة النطق بالحكم الذى أصبح حكمًا غيابيًا، حيث اشترطت المحكمة حضور المتهمين للنطق بالحكم، ولا بد لتنفيذ الحكم من القبض عليهم ومثولهم للمحاكمة.
إن هذه القضية قد أحدثت ضجة كبيرة وغضبًا عارمًا فى الشارع المصرى، واستنكرها كل غيور على سمعة الوطن ونسائه، إلا أن الاستنكار لا يكفى، والغضب وحده لا يكفى أيضًا، لهذا نطالب رجال الأمن بسرعة القبض على هؤلاء المجرمين الثلاثة «نظير وعبدالمنعم وإسحق» حتى تتحقق العدالة، وحتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه هتك عرض امرأة مصرية، فطالما لا يزال الثلاثة المجرمون الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء هاربين، فإنه لن تهدأ نفوسنا ولن يتحقق الردع الضرورى والمطلوب فى هذه الجريمة التى هى بعيدة كل البعد عن طبيعة شعبنا العريق.
لقد عاش أبناء شعبنا العظيم فى سلام ووئام دائمًا وأبدًا، بغض النظر عن الدين واختلافهم فيه، ثم شهدت مصر مخططات شرسة لإذكاء الفتن بين عنصرى الأمة مع تأسيس حركة الإخوان المسلمين فى ١٩٢٩، وإن عُدنا بإلقاء نظرة سريعة على بعض الصور التاريخية لثورة ١٩١٩، سنجد فيها أن الهلال كان بجانب الصليب دائمًا للمطالبة باستقلال البلاد من الاحتلال الإنجليزى، وعودة الزعيم المصرى سعد زغلول من منفاه.
وبنظرة سريعة أيضًا على بعض الصور، سنجد أن الشيخ والقس كان كل منهما يحمل المصحف والإنجيل، وهما يهتفان معًا بحرية الوطن أثناء الثورة فى شوارع مصر، وحينما سقط شهداء برصاص الاحتلال الإنجليزى لم يفرق أحد بين دم مسلم أو دم مسيحى، لأن الدماء اختلطت معًا حينما أطلق الاحتلال الإنجليزى رصاصاته عليهما دون تفريق، كما سقطت فى هذه الثورة ٤ شهيدات مصريات أيضًا، وكان يعيش فى مصر رجل الدين المسلم ورجل الدين المسيحى فى سلام، كانا يجمعهما دائمًا حب الوطن، إلا أن نبرة التفرقة بين المسلم والمسيحى قد تصاعدت مصحوبة بمحاولات مستمرة وحثيثة لإثارة الفتنة بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث تصاعدت وعلت وتيرة تيار التشدد والتطرف والعنف تحت ستار الدين الإسلامى، ووصل الأمر إلى حد التكفير والتهديد والإيذاء البدنى والنفسى، وبث الكراهية والتحريض على العنف.
إن حادثة سيدة الكرم كانت صادمة ووحشية بالنسبة للنساء، وللرأى العام بشكل عام، وكنت قد كتبت عنها مستنكرة ورافضة لها، لأنها تعد كارثة بكل المقاييس، بل وتنم عن تخلف ووحشية وتشدد لعين، كما أنه تم التخطيط لها لإثارة الفتنة والكراهية للمسيحيين، ولأنها تعكس عنفًا مرفوضًا لا بد من القضاء عليه، ومعاقبة مرتكبيه بأشد عقوبة ممكنة حتى لا تتكرر باعتبارها وصمة عار فى جبين الوطن، وعار علينا إن صمتنا عنها.
وإذا عُدنا بالذاكرة إلى شهر مايو ٢٠١٦، حينما حدثت هذه الجريمة المشينة، لتذكرنا مشهد تعرية امرأة مصرية فى السبعين من عمرها، وهى السيدة «سعاد ثابت» بعد ضربها والاعتداء عليها، والتى لقبت «بسيدة الكرم»، حيث إنها تقطن بقرية الكرم بمركز أبوقرقاص بالمنيا، كما تم حرق بيتها بغية إذلالها بزعم أكذوبة مغرضة لا تستند إلى دليل، وقام بهذا ٣ أشخاص وبمساعدة بعض البلطجية والمتعصبين، حيث سار هؤلاء بها فى أحد شوارع القرية دون ملابس لمسافة ٩ أمتار على مرأى ومسمع من المارة.
وأنا هنا لا أعلق على حكم قضائى، حيث أصدر القاضى حكمًا بالسجن المشدد لمدة ١٠ سنوات على المجرمين الثلاثة، وإن كانت قد علقت على الحكم سيدة الكرم نفسها حيث قالت: «النهارده رجع حق بهدلتى وتعريتى، وأشكر القضاء العادل، والرئيس الذى وقف بجانبى وصدقنى فى بداية أزمتى، ورعى كرامتى»، وأضافت، موجهة كلامها للرئيس عبدالفتاح السيسى: «أنت راعيت كرامتى فى بداية أزمتى، ربنا يخليك وأنت بنيت لنا بيت ربنا ينصرك وينصر القضاء العادل».
إننى هنا أضيف أن الحكم قد صدر غيابيًا دون حضور المجرمين الثلاثة الهاربين، مما يعنى أنه ستُعاد المحاكمة فى حالة القبض عليهم، ولهذا فإننى أطالب بسرعة القبض على الجناة، حيث إن الواقعة قد مضى عليها ٤ سنوات، ما يعنى أنه قد مضى وقت طويل قبل أن يظهر الحق ويتم النطق بالحكم المنصف لهذه السيدة الكريمة التى كانت قد تقدمت ببلاغ «هتك عرض» ضد المتهمين الثلاثة، وأثبتت التحريات الأمنية حدوث الجناية النكراء، لهذا فإن تحقيق العدالة والردع لن يتحقق إلا بالقبض على المجرمين الهاربين، وأتمنى أن يكون ذلك قريبًا.