رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رويترز.. BBC.. والمخابرات البريطانية


وثيقة حكومية، تم رفع السرية عنها مؤخرًا، أظهرت أن الحكومة البريطانية قامت، بناء على توصية من المخابرات، بتمويل وكالة «رويترز» سرًا، خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، وأنها استخدمت هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، كغطاء، لإخفاء هذا التمويل.
الوثيقة المنقحة، أى التى خضعت للحذف والإضافة، تحمل عنوان «تمويل رويترز من حكومة جلالة الملكة»، وجاء فيها أن هذا «الدعم الحكومى السرى لخدمات رويترز فى الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية»، يستهدف خدمة «مصالح حكومة صاحبة الجلالة بشكل جيد». وطبقًا لما ذكرته الوثيقة، فقد بلغ حجم هذا التمويل ٢٤٥ ألف جنيه إسترلينى «حوالى ٣١٨ ألف دولار» سنويًا قبل ١٩٦٩، لكنه تقلص إلى ١٠٠ ألف إسترلينى فى ١٩٦٩-١٩٧٠، ثم زعمت الوثيقة أن هذا التمويل انعدم فى ١٩٧٢-١٩٧٣، وغالبًا تمت إضافة هذا الزعم فى التنقيح!.
ديفيد كروندول، المتحدث باسم رويترز، قال فى بيان، أصدره الإثنين، إنه «كان أمرًا معتادًا فى هذا الوقت أن تتلقى المؤسسات الإعلامية دعمًا من الحكومات»، وأشار إلى أن «كثيرًا من المؤسسات الإخبارية كانت تتلقى دعمًا حكوميًا، بشكل ما، بعد الحرب العالمية الثانية». زاعمًا أن هذا الاتفاق جرى توقيعه ١٩٦٩، وأن الوكالة فى ذلك الوقت لم تلتزم بـ«مبادئ الثقة» الخاصة بها، وأنها لا تفعل ذلك اليوم، وأضاف: «فى حين تبيع رويترز الأخبار إلى عملاء شتى، من بينهم حكومات، فإنه لا توجد أى حكومة تمارس أى سيطرة على ما تنتجه ولا على طريقة إنتاجه».
استخدام الدول لوسائل إعلام فى لعب أدوار داخل دول أخرى، ليس سرًا، أو اتهامًا مرسلًا يطلقه من أكلت «نظرية المؤامرة» أدمغتهم. ومع ذلك، قالت مبادئ الثقة الخاصة بـ«رويترز»، التى تم وضعها سنة ١٩٨٤، إنها تحافظ على «الاستقلال والنزاهة وعدم التحيز فى جمع ونشر المعلومات والأخبار». وستجد كلامًا شبيهًا فى ميثاق هيئة الإذاعة البريطانية، التى نقل تقرير رويترز عن متحدث باسمها أن هذا الميثاق يضمن «الاستقلالية التحريرية بصرف النظر عما إذا كان التمويل يأتى من الحكومة البريطانية أو رسوم الترخيص أو مصادر تجارية».
تأسست وكالة رويترز سنة ١٨٥١ على يد جوليوس رويترز، إلا أنها ظلت وكالة صغيرة حتى جرى استخدامها سنة ١٩٦١ لنقل أخبار الحرب الأهلية الأمريكية، إلى أوروبا لإرباك أسواقها المالية، ثم اندمجت مع «تومسون» الكندية، ليكون اسمها «تومسون رويترز»، لتصبح إحدى أكبر مؤسسات الأخبار والخدمات الأخرى. ولو سألتنى عن طبيعة تلك «الخدمات الأخرى»، سأقول: «الله أعلم». أما ما أعلمه فهو أن الخدمات الإخبارية التى تبيعها الوكالة لا تمثل أكثر من ٨٪ من حجم عوائدها، التى تزيد على ١٢ مليار دولار، بينما تحصل على الـ٩٢٪ الباقية من دول وشركات كبرى، مقابل تقديم «أو بيع» تلك الخدمات الأخرى!.
المهم، هو الكلام عن الوثيقة المنقحة، المرفوع عنها السرية، بدأ بتقرير نشرته «ذا هيل» الأمريكية، الساعة الخامسة عصر الإثنين، تبعتها وكالة «رويترز» بتقرير آخر بعد حوالى ست ساعات. كما تناولت «بى بى سى»، أيضًا، الموضوع نفسه أو الفضيحة ذاتها. وأهم ما لفت نظرنا فى تلك الوثيقة كان ذلك الارتباط القديم بين وكالة «رويترز» و«بى بى سى»، الذى نعتقد أنه ظل مستمرًا، حتى جمع رأسى «أورلا جيورين» و«مايكل جورجى»، فى الحلال أو الحرام، والاثنان كانا وما زالا فى خدمة مصالح حكومة صاحبة الجلالة، بالشائعات، التقارير المفبركة، وترويج الأكاذيب.
جيورين، هى مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية، التى فبركت، بتهوّر ودون إتقان، قصصًا وهمية، عن انتهاك حقوق الإنسان داخل مصر، أما جورجى، فهو مدير مكتب وكالة «رويترز» السابق فى القاهرة، الذى هرب من مصر، فى ٢٤ أبريل ٢٠١٦، بعد قيامه بفبركة تقرير عن طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى، زعم فيه أنه تم احتجازه فى قسم شرطة الأزبكية، ثم مقر الأمن الوطنى بلاظوغلى قبل مقتله، وهى الأكاذيب التى نفتها وزارة الداخلية فى بيان رسمى، وحركت بشأنها دعوى قضائية ضد المذكور، فرّ على إثرها هاربًا أو قامت المخابرات البريطانية، التى تستعمله، بتهريبه.
الخلاصة أننا أمام فضيحة ثابتة لوكالة الأنباء الساقطة. والساقط هو الدنىء، اللئيم، المتأخر عن غيره فى الفضائل. والمؤسف هو أن كُتّابًا وصحفيين وإعلاميين مصريين، يتعاملون مع كل ما يصلهم من تلك الوكالة، على أنه حقائق، ما يؤكد أن «لكل ساقطة لاقِطة»، أى لكلّ بضاعة رديئة زبونها الوضيع أو العبيط. والكلام نفسه ينسحب على «بى بى سى»، التى لم نكن نحتاج إلى ظهور تلك الوثيقة لنعرف أن المخابرات البريطانية تستخدمها كغطاء، سواء لإخفاء تمويلها لجهات أو أشخاص أو لمآرب أخرى.