رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعب مدينة سيدنى المسكين


فى ١٠ مارس ١٩٦٨ وفى حبرية البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦ قام الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية ومعه الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية بإقامة الشماس الأستاذ إدوارد لبيب نعمة الله «١٩٢٧- ٢٠٠٠» كاهنًا بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالإسكندرية كأول كاهن على مدينة «سيدنى» بأستراليا باسم القمص مينا لبيب نعمة الله، وكان يدبر أمور المدينة تدبيرًا حسنًا، وكانت الأمور تسير على خير ما يُرام فى كنف كاهن كان فى الأصل شماسًا وخادمًا حقيقيًا، بالإضافة إلى وجود أب بطريرك يحمل كل صفات الراعى الصالح. فمن الأمور الطيبة التى تبرز كيف كان البابا كيرلس السادس- المختار من الله وظل طوال رئاسته الكنيسة مؤيدًا بروح الله وتدبيره- كان يختار للكهنوت شمامسة أتقياء.
عندما هاجر القس مينا نعمة الله إلى أستراليا فى ديسمبر ١٩٦٨ أخذ معه من مصر جميع الكتب الكنسية المطلوبة للخدمة، كما أخذ معه الأوانى اللازمة للصلاة، وتوجه ومعه أسرته المباركة إلى ميناء الإسكندرية للسفر عن طريق البحر. وفى الباخرة طلب من القبطان أن يعد له مكانًا خاصًا لإقامة صلوات القداس. وكان يحرص على إقامة القداس كل يوم أحد واشتركت معه عائلات قبطية كانت معه على الباخرة. وفى ليلة رأس السنة الميلادية احتفل مع الأقباط بحلول العام الجديد ١٩٦٩ وأقام قداسًا ليلة عيد الميلاد المجيد فى ٧ يناير ١٩٦٩ «وليس ٢٥ ديسمبر!!» وسط فرحة الأقباط المصريين على الباخرة. وصل أولًا إلى ميناء مدينة ملبورن وبعدها سافر إلى سيدنى. وعندما اقتربت السفينة من ميناء سيدنى فى ٢٤ يناير ١٩٦٩ رتبت العائلات القبطية بسيدنى أن يخرجوا إلى عرض البحر على قارب استأجروه لاستقبال أول كاهن فى أستراليا. وعندما رأوا الأسرة ومعهم الأب مينا نعمة الله هلل الأقباط بالأفراح وزادت الزغاريد وأخذوهم بالأحضان وفى عيونهم دموع الأفراح. أكتب هذا لنرى الفرق فى الخدمة فى فترة البابا كيرلس السادس، وفيما يحدث الآن من أمور ليست لها علاقة بالخدمة الأمينة والصادقة والحقيقية. كانت كنيسة يعمل فيها الله بقوة، وكان الشعب ملتصقًا بالكنيسة بصدق تحت رعاية أب صالح وأمين يعمل تحت إرشاد من الله. هناك فرق بين ما حدث فى ١٩ أبريل ١٩٥٩ و٤ نوفمبر ٢٠١٢!!
ثم فى عهد البابا شنودة الثالث البطريرك ١١٧ ربما بطلب شعب المدينة فى احتياجهم إلى أسقف- وكان القمص مينا نعمة الله قد تنيح فى أول يوليو ٢٠٠٠- فقام الأنبا بيشوى، مطران دمياط، بترشيح أحد رهبان دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر «وهذا الحوار كان قد أكده أمامى الأنبا بيشوى فى عام ٢٠٠٤ أثناء وجود البابا شنودة بمدينة نيقوسيا القبرصية لتدشين كنيسة بها»، إذ قال للبابا شنودة: «قد ذكرت لك يا قداسة البابا أن الأنبا دانييل سيكون عنصرًا جيدًا فى مجمع الأساقفة»!! بعد فترة من رسامة الأنبا دانييل «وهو سودانى النشأة»، أحاط نفسه بمجموعة من أقاربه ومعارفه السودانيين وبدأت مشاكل مالية عديدة تظهر فى الإيبارشية!! فتقدم عدد من الشباب المخلصين للكنيسة بشكاوى ضده للبابا شنودة الثالث، فما كان منه إلا استدعاء الأسقف إلى القاهرة وتم استبعاده بقرار بابوى، لكثرة الشكاوى من تصرفاته بسبب الفسادين المالى والإدارى وأيضًا فى الخدمة الروحية. وكان قرار البابا شنودة بخضوع الأنبا دانييل للتأديب بقرار بابوى فى ديسمبر ٢٠٠٨ تمهيدًا لقرار المجمع المقدس عام ٢٠٠٩، وبالفعل قضى فترة قرابة ٤ سنوات مُستبعدًا عن الخدمة. فى تلك الفترة حاول التقرب من البابا شنودة عدة مرات، لكن البابا شنودة كان صارمًا جدًا فى التعامل معه، حتى إن الأسقف حاول أن يقدم للبابا شنودة انحناءة الطاعة والخضوع التى يُطلق عليها فى التعبير الكنسى «مطانية»، ولكن البابا شنودة قال له: «حتى لو قدمت ١٠٠ مطانية». ورفض البابا شنودة قبول أى التماس منه. حدث أن تنيح البابا شنودة الثالث فى ١٧ مارس ٢٠١٢، فما كان من قائمقام هذه الفترة إلا أن حاول أن يعيد أسقف سيدنى مرة أخرى إلى إيبارشيته!! ففى أغسطس ٢٠١٢ طلب الأنبا دانييل العودة إلى سيدنى، فقام قائمقام البطريرك، آنذاك، بتشكيل لجنة لبحث عودة الأسقف للخدمة بسيدنى!! ضمت أسقف عام البحيرة، ورئيس دير الأنبا بولا، وأسقف جنوب أمريكا، واجتمعت بدير الأنبا بيشوى. وبعد مباحثات مع عدد من أراخنة أستراليا، طرح القائمقام مطالب الأراخنة فى سمينار المجمع المقدس لتصويت الأساقفة عليه، وانتهى المجمع بعودته إلى إيبارشيته!! إن ما يحدث الآن فى سيدنى من مهازل يستوجب من مجمع الأساقفة مساءلة القائمقام والمشتركين معه فى المخالفة، وهم أسقف عام البحيرة والأسقف رئيس دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر وأسقف جنوب أمريكا، لأنهم أخطأوا فى حق هذا الشعب!! إذ كان تفكيرهم بشريًا جدًا، ربما أسقف جنوب أمريكا كان معترضًا على عودته.
عاد الأسقف إلى سيدنى وتفاقمت المشاكل فى الإيبارشية بعد أن وجد تكاتف مجمع أساقفة الكنيسة معه، ودخل مع شعبه فى سيدنى فى مشاكل قضائية وتحقيقات، كما أنه استعان بالبوليس الأسترالى لطرد بعض من الشعب القبطى من الكنيسة!! تقدم الشباب بشكاوى للرئاسة الدينية فى القاهرة ولكنها لم تسمع لهم- لأسباب عديدة أعفى نفسى عن ذكرها!!- ومع السكوت وعدم الاهتمام ازدادت المشاكل فلم يعد الأسقف خادمًا لشعب الإيبارشية. للأسف إن ما يُسمع من فوق المنابر غير ما يتم تنفيذه على أرض الواقع. لكن الشعب لم يسكت وظل فى مقاومته الفساد المنتشر فى الإيبارشية. وأمام الأمر الواقع اضطرت الرئاسة الدينية فى القاهرة إلى أن تشكل لجنة من ثلاثة أساقفة للسفر إلى سيدنى لدراسة المشاكل على أرض الواقع بعد أن تفاقمت منذ أغسطس ٢٠١٢!! ولم يهتم أحد بالشعب المسكين الذى افتقد إلى الأبوة الحقيقية والخدمة الباذلة.
بعد ما حدث فى سيدنى من انقسامات، تم استدعاء أسقف سيدنى ليقيم بديره وهو دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، أى عدنا مرة أخرى إلى قرار البابا شنودة الثالث!! العجيب أنه تمت تسمية إقامة أسقف سيدنى بالدير أنها «خلوة روحية» على الرغم من أنها عقوبة له، لماذا خداع الناس بعبارات رنانة غير حقيقية. مثلما تم خداعهم من قبل عن طريق مطران لوس أنجلوس وأسقف الإسكندرية فى عبارة «الاحتياج الرعوى» وحقيقتها «الفقر الروحى»؟. وإن كانت فعلًا «خلوة روحية» كان بالأولى أن يُقيم بالدير الموجود فى سيدنى. وإن كانت فعلًا «خلوة روحية» فكثير من الأساقفة فى احتياج لخلوة روحية!
ثم صدر أخيرًا قرار بانتداب مطران بورسعيد «نعم بورسعيد» للإشراف الروحى والرعوى والإدارى والمالى على الإيبارشية وأن يُقدم تقريرًا نصف سنوى!! هل مدينة بورسعيد مجاورة لمدينة سيدنى؟ أنا أعلم أن مطران بورسعيد رجل مُسن وصاحب أمراض ودائم السفر للعلاج بأمريكا، وتاريخ ميلاده سهل تذكره- كما أخبرنى به أحد كهنة بورسعيد- ١٢٤٣، أى أنه يبلغ حاليًا ٧٧ عامًا، كيف سيتمكن من تفقد الكنائس المختلفة بسيدنى لخدمتها والتوقف على مشاكلها المتعددة؟ ثم من سيهتم برعاية شعب بورسعيد؟ ألا يوجد فى القاهرة أساقفة عامون «ولو أن موضوع الأسقف العام غير موجود أصلًا فى ترتيب الكنيسة القبطية» يمكن إرساله لرعاية الشعب فى سيدنى؟ ثم من يرعى شعب ملبورن؟ بعدما استقال أسقفها وذهب للإقامة بمدينة لوس أنجلوس بالمخالفة لتقاليد الكنيسة. كما أنه مطلوب من مطران بورسعيد أن يستعين بأسقف سيدنى المُبعد فى مصر للتشاور فى بعض الأمور!! كيف تتشاور مع مذنب ومخطئ فى حق شعبه وحق الكنيسة؟ عندما استبعدنا الرب عن فكرنا ساءت أمورنا. كان الرب فى عون شعب سيدنى ويعيد لهم السلام الحقيقى المفقود.