رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان فى تونس.. وجيشه فى ليبيا


فجَّرت زيارة الرئيس التركى «أردوغان» لتونس، والتصريح الخطير الذى أطلقه بعدها، والمُتضمن الإعلان عن تكوين حلف «تركى، قطرى، تونسى، جزائرى»، للدفاع عما سماه «الشرعية» فى ليبيا، جدلًا واسعًا فى الأوساط المعنية بهذه القضية الأخيرة، وليس هناك من هو معنى بهذا الأمر، أكثر من مصر، الجار الذى تُلاصق حدوده الغربية، على امتداد مئات الكيلومترات، الحدود الليبية المفتوحة، والذى تأذّى أذى غير محدود من تسرُّب الإرهابيين والأسلحة، فى فترة ما بعد الرئيس الليبى السابق «مُعمر القذافى»، لدعم جماعات الإرهاب المحلية والمُستجلبة، والمدعومة من دول عدوة وأجهزة استخبارات حاقدة، فى صراعها المصيرى، الذى هُزمت فيه، ضد مصر.. شعبًا وجيشًا.
صحيح أن الجزائر لم تؤكد أو تنفى، والرئيس التونسى أعلنَ بعد الزيارة أن تونس: «لم، ولن تدخل فى تحالفات أو محاور فى المنطقة»، لكن إذا كان الأمر على هذا النحو، فمن الطبيعى التساؤل: لماذا إذن اصطحب «أردوغان» فى معيّته، خلال الزيارة، وزير الدفاع التركى، ورئيس جهاز الاستخبارات، فضلًا عن وزير الخارجية، إذا لم تكن القضايا الأمنية والعسكرية مطروحة، بإلحاح، على طاولة المفاوضات؟
غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما تعداه إلى نقطة أخرى تُجَسِّدُ السلوك العدوانى الأردوغانى، بإعلانه عن إرسال قوّات عسكرية تركية لدعم حكومة «فايز السراج» فى طرابلس، وهو ما أكده «السرّاج» باعترافه بأنه طلب من تركيا، بصورة رسمية، التدخل بالدعم العسكرى.. البرى والبحرى والجوى، وبما يعكس تطورًا كيفيًا بالغ الخطورة، فى مجريات الصراع، تُفسره مجموعة من الدوافع والأسباب والأهداف، لعل من أهمها:
أولًا: محاولة إحياء مشروع «العثمانية الجديدة»، أو حلم استرجاع مجد الإمبراطورة العثمانية البائدة، ومنحه قُبلة الحياة مُجددًا، بعد أن واجه طعنةً نجلاء بإسقاط مصر حكم الجماعات الإرهابية، بقيادة «جماعة الإخوان المسلمين» فى عام ٢٠١٣، خاصةً أن هذا الأمل تدعّم، مُجددًا، بمشاركة «إخوان» تونس، بزعامة «راشد الغنوشى» فى الحكم، وسيطرتهم على البرلمان، ومواقع مهمة أخرى فى إدارة جهاز الدولة.
ثانيًا: إشغال مصر، وتهديد استقرارها، بتواجد تركى مُلاصق لحدودها، بطريقة غير مُباشِرة بواسطة عصابات الميليشيات العميلة المتكاثرة فى قسم من الأرض الليبية الشاسعة، أو مُباشرة بالتواجد العسكرى التركى المادى فى البلاد. مع ملاحظة أن مخزونًا كافيًا من هذه الجماعات، من العناصر الإرهابية و«الدواعش»، النازحين من سوريا والعراق، متواجد فوق الأرض السورية التى تحتلها القوات التركية، أو فى معسكرات تدريب على القتل والتخريب، فى تركيا ذاتها، جاهز ومهيأ لتنفيذ تعليمات «أردوغان» للتحرُّك مُجددًا وبما يُهدد أمن مصر تهديدًا واضحًا.
ثالثًا: القفز على الأزمة الداخلية الطاحنة، والعزلة السياسية الواضحة، المترتبة على مسلكيات «أردوغان» الانتقامية، وحالة الترويع الواسعة التى طالت عشرات الآلاف من المواطنين والعسكريين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتمرد عناصر مهمة من حزبه، ومنهم «أحمد داوود أوغلو» وزير خارجيته ورئيس الوزراء السابق، وغيره من كبار كوادر نظامه.
رابعًا: وهو عنصر بالغ الأهمية، لا يمكن تجاهله، ويتمثل فى احتياج «أردوغان» الماس للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والمتصاعدة من جراء العقوبات الخارجية، وانهيار الليرة التركية، وزيادة التضخُّم والبطالة، والتكاليف الباهظة للتمدد العسكرى، ونشر القوات التركية فى سوريا وعلى الحدود العراقية التركية، وفى الصومال وجيبوتى وقطر، وغيرها، وإنفاقه الكثير على إعاشة وتأهيل الجماعات الإرهابية المسلحة.
ومن وجهة نظر «أردوغان»، فلا حل لهذه الأزمة المُستحكمة، سوى بدعم حكومة «السرّاج» للسيطرة الكاملة على كل التراب الليبى، وبما يعنى، بالتبعية إحكام تركيا القبضة على ثروات ليبيا، النفطية والغازية، الهائلة، وقد بدأت بوادر هذا التوجّه بتوقيع الجانبين مُذكرتى تفاهم: الأولى تتعلق بتعيين الحدود البحرية «غاز البحر المتوسط»، والثانية تتعلَّق بالعلاقات الأمنية والعسكرية، وكذلك بتوقيع اتفاقيات مع الشركات التركية تصل قيمتها إلى ٢٨.٩ مليار دولار.
ولكل ما تقدّم، ولغيره من الأسباب والدوافع، وللنتائج الخطيرة التى يُرتبها هذا التطور على المحيط الجيوـ سياسى كله، وعلى مصر بشكل رئيسى، لا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدى أمام ما يحدث. فماذا هى فاعلة فى هذا الأمر الجلل؟!