رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام ســقوط الدولار ... والأشــــرار




لا تستطيع أن تتحدث عن عام 2019 دون أن تذكر أنه عام الهبوط الكبير في سعر الدولار أمام الجنيه المصري، أو كما يرى خبراء المال الاقتصاد بأنه عام ارتفاع سعر الجنيه أمام العملة الأمريكية، وهذا الانخفاض- أو الارتفاع- فاق المائة وثمانين قرشًا، وهو أمر أسعد المصريين ، لكنه حطم آمال المتربصين الحالمين بسقوط مصر، الذين يبثون سمومهم من قنوات "الصرف الصحي" القادمة من تركيا، وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم التخريف، والذي أشاع أن الدولار سيصل في نهاية ديسمبر 2019 إلى 250 جنيهًا.

* وهذا التحسن في أحوال الجنيه جعله ثانى أفضل عملة في العالم من حيث القوة، وفقًا للمؤسسات العالمية، وهو تحسن لم يأت بالصدفة، ولكنه نتيجة لبداية قطف ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي ، الذي نجح في خفض الدين العام من 103% من الناتج الإجمالي للدولة ، ليصل إلى 83% فقط في نهاية يونيو الماضي، كما تراجعت نسبة التضخم من 33 % في يوليو 2017 لتصل في سبتمبر الماضي إلى 8.83 % فقط، وفقا لما أعلنه صندوق النقد الدولى، وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي 44.419 مليار دولار مقارنة مع 36.143 مليار قبل عام.

* وقد بدأنا نشعر لأول مرة أن أسعار السلع بدأت تنخفض بالفعل ، بداية من الخضر والفواكه واللحوم، ونهاية بأسعار السيارات والبنزين، وهي البداية التي نتمنى أن تتلوها المزيد من الانخفاضات في الأسعار.
* في عام 2019 رأينا ربط سيناء بوادي النيل بأكثر من عشرة أنفاق وكباري، وبداية اكتمال العاصمة الإدارية الجديدة، وافتتاح محطة "بنبان" العملاقة للطاقة الشمسية في أسوان ، لتوليد طاقة كهربائية تعادل إنتاج السد العالي، وغيرها من المشروعات العملاقة، التي افتتحت تباعًا على أرض مصر.

* وفي الوقت الذي كان فيه الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار، كانت هناك حولنا مشاهد انهيار كثيرة، فقد انهار حكم الإخوان المسلمين أو "حكم الكيزان" في السودان الشقيقة، حيث ثار شعبها ضد عمر البشير الذي كشفت التسريبات أنه مكن الإخوان من السيطرة على مفاصل الدولة، ومع هذا لم تجن بلاده من هذه التجربة سوى انقسام الجنوب والركود الاقتصادي ، وتردي الأحوال بسبب العقوبات الدولية، بسبب جرائمه في دارفور، ولأنه أوى الإرهابيين وعلى رأسهم أسامة بن لادن على أرضه، وقد حاول قبل السقوط فتح الباب أمام تركيا لبناء قاعدة في مدينة سواكن، لكن الثورة كانت إليه أقرب.

* في هذا العام أيضا سقط نظام عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر، لأن الشعب رفض أن يحكم صوريًا بواسطة رجل مريض، لا يستطيع الكلام ولا حتى تحريك يديه، فأصبحت الدفة في يد شقيقه الذي أدار البلاد بواسطة عصابة قادت الجزائر الغنية بالنفط والثروات الطبيعية إلى ظروف لم يتحملها ولم يطقها أبناؤها .

* السقوط الكبير والمدوي في 2019- في اعتقادي- كان سقوط الأقنعة عن رموز إيران التي كانت تحكم وتتحكم فعليا في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، أعترف أنه ليس سقوطًا نهائيًا ولكنه بداية مهمة، أن نرى العراقيين يثورون ضد كل الجماعات والأحزاب والشخصيات الطائفية التي وصلت إلى الحكم على أسنة الحراب الإيرانية، رأيناهم يهتفون علنا وفي أكبر الساحات ضد سلطة إيران، ومرجعية خامنئي وضد سطوة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

* في لبنان أيضا سقطت هيبة حسن نصر الله، قائد حزب الله، والذي كذب على ملايين البسطاء في المنطقة لسنوات طويلة ادعى خلالها أنه قائد المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال، وأدرك الجميع أنه ليس سوى ذيل من أذيال إيران ووليها الفقيه علي خامنئي، كما سقطت أقنعة زعماء الطوائف التي تحكم البلاد وتنهب ثرواته منذ عقود، بموجب دستور يفرض أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا، وتحت هذه اللافتات الدينية أصبح لبنان تعرف باسم دولة المزرعة، وهو تشبيه مأخوذ من رواية الأديب البريطاني جورج أورويل الشهيرة "مزرعة الحيوان"، التي أشار فيها لبدايات تولي ستالين مقاليد الحكم في روسيا ، واستعمل أورويل مجتمع المزرعة هذا كتعبير عن الحكم الديكتاتوري والفساد والطمع واللامبالاة.

* لم تسقط الأقنعة الإيرانية وحدها في 2019 بل وسقطت أيضا أقنعة إردوغان، الذي ظل يوهم ملايين المخدوعين بشعارات الإسلام السياسي، وأوهام إحياء دولة الخلافة، بأنه خليفة المسلمين، لكن هذا المغرور فقد حرصه فكشف عن حقيقته بنفسه، وأنه ليس إلا ساع لاستعادة أمجاد الدولة العثمانية، التي ذاقت شعوب المنطقة الويلات خلال فترة حكمها أو احتلالها لبلادهم.

* لقد دفعت أطماع هذا العثمانلي "البجم" لأن يفتح جبهتى قتال في آن واحد، واحدة في سوريا والأخرى في ليبيا، وكأنه يسير على درب الإيرانيين في الاستيلاء على زمام الأمور في أكثر من بلد، لكن خطواته غير المحسوبة أكدت أنه أغبى كثيرًا من الإيرانيين، الذين لا يحاربون بجيوشهم مثله، ولكن من خلال ميليشات طائفية، ومن خلال رؤساء أحزاب وجماعات تدين بالطاعة التامة للولي الفقيه لهم.

* كثير من الكتاب والمحللين يرون أن إردوغان الذي بدأ رحلة الصعود في عام 2003 ، بعدما أصبح رئيسا للوزراء في تركيا ، ونجح في تعديل الدستور التركي في 2017 ليصبح رئيسا ويزيح الجميع من أمامه، قد بدأ رحلة السقوط المدوي في نهاية 2019 ، حيث تمرد على أوامر الناتو واشترى منظومة صواريخ "إس 400" من روسيا، رغم أنها العدو التقليدي للناتو، وهدد الرئيس ترامب بأنه سيغلق قاعدة إنجرليك التي يعتمد عليها الناتو، إذا صدر قرار بإدانته من الكونجرس، كما تبادل العداء علنا مع الاتحاد الأوربي، بسبب محاولاته إشعال التوتر والحرائق في شرق البحر المتوسط.

لقد كان عامًا ساخنًا.. حافلا بالبدايات القوية والنهايات الدرامية، وشهد خطوات ربما تكون مقدمة لأحداث مهمة سوف تتبلور في العام المقبل بإذن الله.