رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتمية الاهتمام بوحدة الكنيسة القبطية


الكنيسة القبطية كنيسة عريقة بين كنائس العالم كله، فهى رائدة فى أنظمتها وتقاليدها وطقوسها وألحانها، كما هى رائدة فى نسكياتها وأديرتها، لذلك من المحزن أنه كلما اقتربت فترة أعياد الكنيسة نجد بعض الغرباء عنها ينادون بحتمية تغيير مواعيد الأعياد، تلك النبرة التى بدأت فى الكنيسة القبطية منذ نوفمبر ٢٠١٢، وسار فى هذا الموكب كثير من المنتفعين وغير الملمين بتقاليد الكنيسة وتاريخها المجيد.
الخوف كل الخوف أن تنفصل كنيسة المهجر عن الكنيسة الأم فى مصر، لأن بوادر الانفصال بدأت، ليس هذا فحسب، بل هناك تخوف من الانقسام الداخلى فى الكنيسة الأم، فسنجد مجموعة من الأقباط يحتفلون بيوم معين وآخرين بيوم آخر، كما هو حادث الآن فى الكنيسة القبرصية والكنيسة اليونانية. من هنا وجدنا أن البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦ اعتاد أن يذكر فى رسائله الرعوية فى الأعياد الكنسية: «الذين نامت ضمائرهم، ساءت مصائرهم». ربنا يستر على الكنيسة القبطية.
والمُطلع على تاريخ الكنيسة وعقيدتها الراسخة، سيجد أن هناك العديد من النقاط يجب الالتفات إليها وعدم تغاضيها. فمنذ القديم تصلى الكنيسة القبطية ٣ قداسات ليلية فقط، وتنتهى بعد منتصف الليل، وهى فى ليلة عيد الميلاد المجيد «٢٩ كيهك أو ٧ يناير فى السنة البسيطة و٨ يناير فى السنة الكبيسة» وليلة عيد الغطاس المجيد «١١ طوبة أو ١٩ يناير فى السنة البسيطة و٢٠ يناير فى السنة الكبيسة» وليلة عيد القيامة المقدسة «فى هذا العام يوافق ١٩ أبريل، والذى يأتى الاحتفال به بعد الفصح اليهودى، وهذا ما خالفته كنيسة روما، وللأسف هرع نحوها بعض من غير العارفين بقوانين الكنيسة». ولا يجوز إضافة أى قداس ليلى آخر إليها، لأن هذا يُعد مخالفة لنظام الكنيسة.
قضية الخلاف بين كنيستى روما ومصر بدأت منذ تولى البابا ديسقوروس البطريرك ٢٥ والمُلقّب بـ«بطل الأرثوذكسية» كرسى الإسكندرية، فكما هو كان من المعتاد القيام بإرسال رسائل إلى بطاركة الكراسى المختلفة يخبرهم بتوليه كرسى الإسكندرية. فما كان من بابا روما «لاون» إلا أن أرسل رسالة محزنة إلى البابا ديسقورس يطالبه فيه بضرورة عمل قداسات متعددة للناس كلما دعت الحاجة الرعوية، كما أنه ادعى أن كنيسة الإسكندرية لا يجوز لها أن تخالف ما يتم عمله فى روما بحجة أن القديس مرقس هو تلميذ القديس بطرس، ولا يجوز أن يخالفه. واضح أنها أوهام الرئاسة وليس لها سند قانونى. واعتبر «لاون» أن كنيسة الإسكندرية قد وقعت فى الخطأ، لكن لم ترضخ كنيسة الإسكندرية لتلك الأقوال ولا المفاهيم الخاطئة لمزاعم البابا الرومانى «لاون» وتمسكت بتقليدها الأصيل الذى حافظ عليه بطاركة كنيسة الإسكندرية الأمناء، ولن ترضخ طالما الكنيسة القبطية بها أساقفة وكهنة ورهبان وشمامسة وعلمانيون شجعان تجرى الشجاعة فى دمائهم. ومن هنا فإن قداس عيد الميلاد لا يتكرر، فهو واحد فقط سنويًا. وللعلم فإن البابا الرومانى «لاون» هذا، هو الذى قاد الانشقاق فى الكنيسة فى سنة ٤٥١م بمجمع خلقيدونية المشئوم والمرفوض جملة وتفصيلًا من الكنيسة القبطية. للأسف ظهرت مجموعة من الأساقفة غرباء عن الكنيسة، كما ظهر بعض الكهنة فى شيكاغو ولوس أنجلوس يدمرون تقاليد الكنيسة.
للأسف الشديد الحوار المرفوض الذى يدور بداخل أروقة الكنيسة القبطية بلا أى سبب، بل وجميعها أسباب وهمية بنفس أعذار الاحتياجات الرعوية التى جعلت البابا الرومانى «لاون» يريد أن يفرضه علينا فى مصر. وأذكر أننى عشت فى كندا فترة دراستى بالخارج، لم أسمع نغمة «الاحتياجات الرعوية»، بل إن جميع المصريين كبارًا وصغارًا، حتى منهم من وُلد فى بلاد المهجر لم يطالبوا فى يوم من الأيام بتغيير موعد الاحتفالات الكنسية. وهنا أذكر الواقعة الآتية: حدث فى فترة من الفترات أن توجه بعض أعضاء مجلس كنيسة بإحدى الولايات الأمريكية إلى كاهن الكنيسة، وطالبوه بالتنازل عن بعض الأمور من أجل أولادهم، لكنه رفض! فقال له أحدهم، وكنت شاهدًا على هذا الحوار: «إن كان من الممكن مواربة الباب قليلًا»، فأجاب بشجاعة كاملة تكشف صدق انتمائه للكنيسة القبطية: «لو واربت الباب اليوم، فغدًا لن أجد الباب»، وتمكن هذا الكاهن الحكيم من أن يحصّن أولاده بداخل حضن الكنيسة القبطية، كما كان يفعل البابا كيرلس السادس. فالأمر يتطلب أن نكون أمناء فى تسليم الأمانة كاملة لأولادنا وأحفادنا للحفاظ على مصريتنا. وفور أن أعلن مطران «لوس أنجلوس» بولاية كاليفورنيا عن موافقته على إقامة قداسين لعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر و٧ يناير انبرى له بعض الكهنة الأقباط والشمامسة والرهبان وبعض الأساقفة، فما كان من أحد الأساقفة إلا أن هاجمهم بل تهكم عليهم!، مؤيدًا مطران «لوس أنجلوس»، فقام أحد الشباب القبطى الواعى، وهو الموسيقار بيشوى عوض ورد على كل جملة قالها هذا الأسقف، فقال ردًا على جملة: «إللى ليه وإللى مالوش فيه بيتكلم»، قال: جملة فلتت من فمك، فأساءت إلى حق كل قبطى وتعارضت مع كوننا جميعًا أعضاء فى جسد الكنيسة منذ طفولتنا الصغرى يوم العماد، وحتى صلاة الجناز يوم الممات، جُملتك غير المُنمقة تعارضت مع كوننا جميعًا أعضاء فى جسد الكنيسة، ولجميعنا حق التعبير عن رأينا بالحرية التى أعطاها لنا الرب. وردًا على جملة: «هناك من يعتقدون أنهم رقباء على المجمع المقدس وعلى أعماله وقراراته»، قال: جملتك ملأت نفسى الرهيفة بالخوف، فكيف لا يراقبكم أحد، ولا حق لأى قبطى فى مراجعتكم؟ وأنت قلت فى مقال سابق لك، إن أى سلطة مطلقة تفسد وتتجبر. وردًا على جملة: «الأنبا سيرابيون وجه كلمته إلى كهنته فى إيبارشيته ولا دخل لأى أحد بالموضوع» قال: جملة أخرى ملأتنى استياءً، فالكهنة هم خدامنا وليسوا خدام الأنبا سيرابيون، والإيبارشية هى إيبارشيتنا وليست إيبارشية الأنبا سيرابيون، وأنك مرة أخرى تُصر على قطع لسان أى قبطى يود الحديث، وهذه أشياء تجرح مشاعرنا وتشعرنا بالدونية. وردًا على جملة: «هذا القداس الاحتفالى سيتم دون كسر للصوم للى ظروفه ما تسمحش»، قال: معلومة خطيرة تخص إجبارية الصوم من عدمه ولا أحد يعرف عنها شيئًا، وإن كان فعلًا الصوم اختياريًا فلِمَ لا تعلن الكنيسة عن الأمر ليخص الجميع؟ وردًا على جملة: «الكنيسة عبر العصور لها سلطان، أن تدبر أحوال العبادة والطقوس بما يتناسب مع الاحتياجات الرعوية» قال: لقد نسيت أن لفظة الكنيسة تشمل الجميع خدامًا ومخدومين صغارًا وكبارًا، وبجملتك اقتصرت الكنيسة على نفسك وعلى أعضاء المجمع المقدس، وهذه نبرة جعلتنا نشعر بالدونية وقلة الحيلة والقيمة. وردًا على جملة: «الإنسان من أجل السبت أم السبت من أجل الإنسان»، قال: شعور الاستياء وصل لقمته حينما رأيتك تمسك الإنجيل وتستخدم آياته لتسقط الاتهام على معارضيك بأنهم «سبتيون» وأن عقولهم ضيقة، وهى طريقة غير سوية وغير حيادية، بل طريقة تقتل الحوار وتقتل بها المعارضين. وردًا على جملة: «أيها الأخ إنك ترى نفسك كبيرة فى عينيك»، قال: الحقيقة أن كل قبطى كبير، بحق كبير، لأن له عقلًا، وكبير لأن مسيحه الرب، وكبير لأنه عضو فى جسد كنيسته المجيدة، وكبير بمصريته العريقة، وأن من مرارة جملتك مررتنا وقللت من كرامتنا. ثم يختتم هذا الموسيقار الجليل بقوله: «إننى أضم صوتى لصف المعترضين، فأعيادنا مصرية قبطية لا يجب المساس بها وضبطها إلا على الطريقة المصرية القبطية؛ لأننا نعرف أننا نحن من علمنا الأمم كل شىء». كيف يكون بداخل كنيستنا القبطية دخلاء وغرباء؟ بعد نياحة البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث ظهر بعض الأساقفة والكهنة المغرضين الذين يدمرون وحدة الكنيسة! الله يسامحهم.