رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«على عتبة الدار» فى فلسطين



بدعوة كريمة من اتحاد المرأة الفلسطينية بمصر تشرفت بحضور فيلم فلسطينى رائع «على عتبة الدار»، وهو فيلم وثائقى طويل (٤٦ دقيقة) إنتاج فلسطينى سيناريو وإخراج المبدعة ساهرة درباس. تم عرض الفيلم فى اليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى «٢٩ نوفمبر» بالتزامن مع عرضه فى نفس الوقت فى غزة الحبيبة وذلك فى افتتاح «مهرجان القدس السينمائى الدولى» فى دورته الرابعة. وتجدر الإشارة إلى أنه تم التعاون بين «مهرجان القدس السينمائى الدولى» بغزة و«مؤسسة كادراج لفنون السينما» بمصر، التى يشغل الدكتور ياقوت الديب منصب أمينها العام وهو «أستاذ التذوق والتحليل السينمائى بمعهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون». تم اختيار الدكتور ياقوت عضوًا بلجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، وأجمعت اللجنة على اختيار عدد من الأفلام منها: يافا، وأم الغريب، وعلى عتبة الدار.
يبحر ويطوف بنا الفيلم فى رحلة كلها ألم وشجن وحزن وذكريات وفى نفس الوقت يحمل لنا موجات الأمل والفرحة بجيل من الشباب والشابات الفلسطينيين فى المهجر والشتات فى العديد من البلدان مؤمنين بحق العودة إلى ديارهم فى فلسطين العربية المحتلة من الكيان الصهيونى العنصرى، يحلمون بالرجوع ويحملون مفاتيح «بيبان الدور» وفى صدورهم وعقولهم وقلوبهم وعيونهم حكايات الآباء والأمهات والأجداد والجدات عن الأرض والبيت والزرع وذكريات الطفولة الجميلة ثم ذكريات أليمة بهجوم عصابات الصهاينة من الهاجاناة وشتيرن وأراجون تسيفاى ليومى التى هاجمت الفلسطينيين العزل وحاصرتهم وقطعت عنهم المياه والكهرباء، وقامت بارتكاب المذابح والمجازر لتبث الرعب فى الأسر الفلسطينية وتجبرهم على ترك أراضيهم وبيوتهم قسرًا لتستولى عليها الأسر اليهودية التى تم جلبها من جميع أنحاء العالم، وذلك أثناء الانتداب البريطانى على فلسطين وبموجب وعد بلفور عام ١٩١٧ بإعطاء فلسطين وطنًا قوميًا لليهود. كما استولت بعد ذلك أعداد من الأسر اليهودية على بيوت الفلسطينيين غير المأهولة وفقًا لقانون جائر أصدرته الحكومة الإسرائيلية عام ١٩٥١ «قانون أملاك الغائبين» وينص على «من غادر لدول معادية- والمقصود الدول العربية- يتم الاستيلاء على بيوتهم ومصادرتها وإدارتها من قبل الحكومة الإسرائيلية، حيث تقوم بتأجيرها أو بيعها». وبالطبع يا سادة ويا سيدات هذا القانون مخالف لكل الاتفاقيات الدولية التى تحظر قيام المحتل بتغيير واقع ومعالم الأرض المحتلة، ولكن هاهم الصهاينة يعربدون ويرتكبون جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطينى، وذلك بمساندة ودعم الاستعمار البريطانى ثم مساندة الدولة الرأسمالية المعسكرة المتوحشة أمريكا، والتى، وبالمخالفة للقوانين والشرائع الدولية، تصدر قرارات لدعم الكيان الغاصب لتقنين استيلائه على أراضى وبيوت الفلسطينيين، ومنها قرار حاكم البيت الأبيض دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس واعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، بجانب قراراته طوال هذا العام، ومنها ضم الجولان السورية المحتلة وضم غور الأردن، وأخيرًا وليس آخرًا قراره بنزع صفة غير الشرعية عن المستوطنات الصهيونية فى الضفة الغربية واعتبارها شرعية وقانونية، تمهيدًا لقيام الدولة اليهودية القومية المزعومة والقضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها ومنع عودة اللاجئين.
يجىء فيلم «على عتبة الدار» ليصرخ بصوت عالٍ فى وجه العدو الصهيونى الغادر على لسان بطلته الشابة الفلسطينية التى جاءت من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية بحثًا عن بيت جدودها وآبائها وهو «فيلا هارون الرشيد» فى القدس بفلسطين الحبيبة، جاءت وكلها إصرار على رؤية بيت جدها الذى استولت عليه أسرة يهودية، بموجب القانون الذى تحدثنا عنه فى بداية المقال، جاءت لتقول لمن سرقوا واحتلوا الوطن فى بداية الفيلم ونهايته: «هذا منزلى وأنتظر خروجكم منه إننى لن أستسلم، الفلسطينيون لديهم أقل أرض وأقل عمل ولكن نستمر بالإصرار ولا يمكننا التوقف، جئت لإعادة تراث جدى، إننى الوريثة الحقيقية لهذا البيت».
ومن الأهمية أن نعرف أن المخرجة ساهرة درباس تعمل على إخراج هذا الفيلم من سنة ٢٠١٣ مصاحبة حفيدة صاحب الفيلا «المقدسى حنا بشارات»، الذى يبلغ من العمر ٩٠ عامًا والذى بناها عام ١٩٢٦ بحى الطالبية الغربى خارج القدس القديمة وآلت الفيلا بعد نكبة ١٩٤٨ إلى القاضى فى المحكمة العليا الإسرائيلية وجولدا مائير، التى تولت حقيبة الخارجية الإسرائيلية فى ستينيات القرن الماضى وعندما قرر الأمين العام للأمم المتحدة زيارتها أمرت مائير رجال الأمن بإزالة النقش الذى وضعه بشارات على فيلته، والذى يشير إلى اسمها باللغتين العربية والإنجليزية كى لا ينتبه الضيف الأممى بأن الفيلا التى تقيم فيها كانت لشخص عربى. ومن جماليات الفيلم الموسيقى المصاحبة لرحلة الفتاة فى البداية والنهاية والكلمات الغنائية «أنا أبحث عن العدالة فى حياتى، سوف نعيش أحرارًا فى وطننا، الحرية فى القبر غير كافية أريد حريتى قبل أن أموت».
بعد عرض الفيلم امتد الحوار والنقاش عبر الندوة، التى أدارها الناقد السينمائى الدكتور ياقوت الديب حول الفيلم وجمالياته وحول القضية الفلسطينية، قضية الأمن القومى العربى والمصرى.
إن فيلا هارون الرشيد رمز لمعاناة الفلسطينيين، فالبريطانيون سلموها للصهاينة واستمرت عائلة بشارات فى المطالبة باستعادتها بعد النكبة.
حق التحرير والعودة لن يموت.. المجد والخلود للشهداء.. والنصر للمقاومة والشعب الفلسطينى.