رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجنيه والجبنة وضحك كالبكا



اللى خلانى أفكر فى قصة الضحك، هو بيت المتنبى الشهير:
وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكا
سيبك من حكاية «كالبكا»، الموضوع بـ النسبة لى هو إنه المتنبى لما جه مصر، لقى ناس كتير بـ تضحك، بس هو ما اعتبروش ضحك، فى السلسلة دى، دورت معاك على مواقف مختلفة، الناس فيها بـ تضحك بس مفيش «ضحك»، مش معنى إنك ضحكت، تبقى قيمة الضحك اتحققت، أو إن الشىء اللى صاحب ضحكك، هو بـ الضرورة حاجة تضحك.
الحكاية دى عاملة زى التاجر عديم الضمير والأخلاق، غير المحب لـ البلد، لما يبيع لك شوية حنة مخلوطين على إنهم حشيش، حتى لو إنت خدتها، ورحت مع أصحابك شربتوها، واللمة كانت ظريفة، فـ مشى الحال، هل كدا الحنة دى بقت حشيش؟ كلا وألف كلا، بعد ما فكرت شوية فى موضوع المتنبى، والضحك اللى مش ضحك، كتبت مقالًا عنوانه «عن الجنيه اللى مش جنيه والجبنة اللى مش جبنة»، فكرته بـ بساطة إنه المواطن المصرى عادة وهو مروح بـ الليل، بـ يعدى ع البقال، يدى له جنيه، ياخد بيه حتة جبنة، يتعشى بيها وينام.
إنما هل الجبنة دى جبنة؟ لأ، دى شوية أصباغ على حاجات غريبة كدا، الجبنة اللى فيها ضئيلة جدًا، بس دا متوافق مع الجنيه، هل الجنيه اللى خده البقال دا جنيه؟ لأ، التضخم المستمر، وانهيار العملة قدام الدولار، خلى الجنيه دا كمان مش جنيه.
بس العملية ماشية، والبقال عامل نفسه بـ يكسب، والمواطن عامل نفسه بـ يتعشى، وبـ تقضى.
معظم الحاجات فى مصر ماشية كدا، نجيب محفوظ فى «الجريمة» بـ يقول إيه: جميع القيم مهدرة، لكن الأمن مستتب.
«القيم» بـ النسبة لى، حاجة غير الأخلاق غير المبادئ، القيم جمع «قيمة»، إهدار القيم فى مصر، ناتج بـ الأساس من عدم فهمها، يمكن فى العالم كله كدا، إنما يهمنى هنا فى مصر، معرفة القيمة لا تساوى الالتزام بيها.
يعنى المواطن اللى خد شوية الحنّة، وتعامل معاها بـ اعتبارها حشيش، لـ مجرد إنه انبسط فى القعدة، ولو قلت له، هـ يقول لك: المهم إنى انبسطت، دا واحد ما يعرفش «قيمة» الحشيش، أنا شخصيًا، لا أتعاطى الحشيش إطلاقًا، ولا أحبه، لكن الحشيش له «قيمة»، هى قيمة مضرة، لـ الدرجة اللى تستدعى محاربته، ومطاردة تجاره ومتعاطيه، إنما هو له قيمة.
إهدارها بـ إنك تغشه كـ تاجر، وإنك كـ مستهلك ما تبقاش عارف، أو يبقى مش فارق معاك، أخطر بـ كتير من تداوله، إهدار قيمة أى حاجة خطر كبير، لما فريقك يكسب ماتش فـ إنت تضخم فى قيمة الماتش دا، زى الأهلاوية لما كسبنا ريال مدريد، أو الزملكاوية لما كسبوا «السوبر المصرى السعودى»، أخطر من التعصب نفسه.
لما كاتب ينجح، لـ إنه مسلى أو ساخر أو رايق أو ظريف، فـ تعتبره «أديب» و«مثقف» و«مفكر» و«باحث»، دا خطر.
لما أى حد معدى يحط كام صورة قديمة لـ مصر، على كام جملة من نوعية «الغزو الوهابى»، على شوية هجوم ضد الحجاب، يبقى «كاتب ومفكر تنويرى»، دا خطر.
لما أى حد بـ يعرف يحط انطباعاته فى صورة لطيفة، تعتبره «ناقد»، دا خطر.
كل حاجة ليها قيمة، وارد جدًا إن القيم تبقى نسبية، وإننا نغلط فى تقديراتنا لـ القيمة، إنما فيه فرق كبير، بين الغلط بعد بحث وتفكير، أو الاختلاف على الناتج النهائى، وبين إهدار القيم بـ الكلية، والتعامل مع كل حاجة وأى حاجة، بـ اعتبارها بـ بساطة ١ + ١ = ٢.
خرجنا بره موضوع الضحك شويتين، فـ خلينا نرجع لـ السؤال: إذا كل الحاجات دى، وحاجات تانية كتير لا تحقق قيمة الضحك، أومال إيه اللى يحققها؟ دا بقى نشوفه المقالات الجاية.. تابعونا.