رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معايشة لـ"الدستور" مع أئمة كردستان العراق بـ"رابطة خريجى الأزهر"

جريدة الدستور

في 12 مايو الماضي، خرجت أرقام دولية تؤكد أن عدد المحررين من أيدى تنظيم "داعش" الإرهابى المنتمين لإقليم كردستان العراق، بلغ حتى 4 مارس الماضى، 3 آلاف و371 شخصًا؛ منهم 1165 امرأة، 337 رجلًا، 967 طفلة، و893 طفلًا.

الأرقام التي صدرت على لسان ديندار زيباري، منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق، أشارت إلى أنه منذ أغسطس 2014، وبعد غزو سنجار- المدينة التي تقطن بها الأقلية الإيزيدية- تم الإعلان عن إحصائيات تفيد بخطف 6284 شخصًا من الإيزيديين، من بينهم 3467 (من نساء وفتيات) و2717 (من رجال وفتيان)، كثفت حكومة الإقليم جهوداتها لتحريرهم.

هؤلاء العائدون من "داعش"، الذين يتم استقطابهم لينضموا لصفوف الإرهاب- وإن كانوا قلة كما أخبرنا أحد أئمة المساجد هناك- لا بد أن تتم "فلترة" الفكر الإرهابي الذي سيطر على تفكيرهم، وهو الأمر الذي يتم من خلال الأئمة وخطباء المساجد، كذلك أعضاء لجنة الفتوى العليا بالإقليم.

ولان دور الأزهر كبير، في محاربة ومواجهة تلك الأرقام ومحاولة السيطرة عليها، كان لزامًا عليه تأهيل الأئمة بكيفية مواجهة الفكر المتطرف، في شكل دورات تدريبية يقدمها لأئمة وعلماء العالم الإسلامي في مقره بمدينة القاهرة، وتوضحيًا لهذا الدور الرائد، عايشت "الدستور" تلك الدورات.

"عدم إذن الحاكم مانع من موانع الجهاد".. تلك الكلمات التي اختتم بها الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، محاضرته عن خطر الل امذهبية والتكفير، التي ألقاها على الوفد المسلم القادم من إقليم كردستان، بغية تعلم الفكر الوسطي المعتدل على يد مناهج الأزهر الشريف، من خلال الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، التف حوله الوفد المكون من 24 إمامًا وخطيبًا لينهلوا من علمه الذي ينقله لهم برحابة صدر.

في منطقة مدينة نصر بشارع عبدالعزيز الشناوي، بوابة سوداء اللون، على لافتها سُطرت "رابطة خريجي الأزهر العالمية" بخط عربي أصيل داخل إطار أخضر اللون، المبنى يضم بين طياته أماكن عقد الدورات التدريبية التي تعقدها الرابطة لكثير من وفود العالم الإسلامي، كذلك المكاتب الإدارية التي يدير من خلالها هؤلاء الجنود المجهولة أواصر الصلة التي تربط مصر متمثلة في أزهرها الشريف رمز المرجعية الدينية المعتدلة وقريناتها من دول العالم الإسلامي.

في الطابق الثالث كان طريقنا إلى طرقة في نهايتها قاعة التدريب، لنجد مشهد الأئمة جالسين في حلقة حول الدكتور خالد عمران، يتلقون منه العلم الذي ينقله لهم على الرغم من وجود كبار السن فيهم إلا أنهم يشعرون أن هناك المزيد ليتعلمونه على يد علماء الأزهر الشريف، وفي الحادية عشرة والنصف خرج الجميع في استراحة ثم المعاودة لاستكمال حلقة العلم التي جاءوا من أجلها.

التقت "الدستور" بثلاث أئمة، ودار الحديث حول فائدة التدريب، وكيف أثّر على طرقهم وأساليبهم في الفتوى لأهل بلادهم، ومعاصرة الأفكار التي طرأت على المجتمع، فهم يتسلحون بالعلم الذي يقضون به على الفكر المتطرف الذى تسرب إلى أذهان شبابهم.

الشيخ مؤيد: الوسطية منهج الأزهر
بجلباب أزرق وعمامة بيضاء كان لقاؤنا الأول مع الشيخ مؤيد أزيز النقشبندي، إمام وخطيب بإحدى جوامع كردستان، بلحيته البيضاء ويديه اللاتي كوّرهما داخل بعضهما بعضًا، نظر إلينا متحدثًا أنهم كأئمة وخطباء لهم دور كبير في الأمن والأمان واستقرار المنطقة، وتبين ذلك من خلال الأعوام الماضية التي مرت على عراق كردستان أهمها هجوم الجهات الإرهابية، على رأسها "داعش"فكان دورهم كبيرًا جدًا، ولولاهم لما وجدت المنابر والمساجد وإرشاد الناس إلى دور الإسلام ودور الفكر الإسلامي الاعتدالي الوسطي.

وقال لـ "الدستور"، إن إشادة بعض الصحف الأمريكية بالأمن والاستقرار في إقليم كردستان، سببه العلماء الذين جعلوا من الوعظ والخطابة إحدى وسائل استقرار الأمن في المنطق، لذلك في حكومة إقليم كردستان واتحاد العلماء الكردستاني يهتمون كثيرًا بالنظر في المواضع الحرجة، حيث لهم القدرة على تخطيط الوضع وتهدئة الوضع الأمني في المنطقة.

وانتقل للحديث عن المواطنين الذين يأتون إلى المساجد أو مجلس الفتوى يسألون عن أي شىء، ففكر علماء الدين في إقليم كردستان على المذهب الشافعي والاعتدال والوسطية، فنجيب عنهم بالجواب الكافي الذي ينقل صورة الإسلام المعتدل، لذلك نجد أن أكثر عناصر الإرهابية التي تظهر لا يوجد بينهم مواطن كردي أو من إقليم كردستان، وهذا يرجع إلى توعية العلماء والخطباء في مساجدهم، وكيفية تسقية المسلم الحقيقي أن الإسلام ليس مع الحرب ولا الاعتداء ولا القتل ولا الإرهارب ولا الخوف، لذلك المواطن عندما يأتي للفتوى يقول له ما يمليه علينا الإسلام، ليقتنع ويلتزم بقول الإمام.

وأشار إلى أن هذه هي الدورة الرابعة التي يأتي لها وفد من علماء كردستان إلى الرابطة، وقال: تبين لنا من خلال الأسبوعيين الماضيين من المشايخ والأساتذة هنا أن الوسطية والاعتدال هو منهج مشيخة الأزهر، وهم دومًا ما يؤكدون على ذلك، كذلك محاربة الإرهاب والسلفية، وذلك تم بالفعل في المحاضرات السابقة، فهذه الأفكار يخرج منها الإرهاب والقتل والمنظمات الإرهابية، الذين يأخذون ظاهر القرآن وظاهر الحديث الشريف ولا يوجد عندهم التأويل أو المجاز، والتأويل والمجاز مذهب الأشاعرة الذي يحكم بباطن الآية وواقع الحال.

وعن تلك الدورات، حدثنا أن الأهم بالنسبة له من بينها كانت الفقه المعاصر ثم الفتوى الجديدة، والرد على السلفية؛ مفسرًا أن محاضرات الفقه المعاصر معنية بالأفكار الحديثة التي طرأت على مجتمعاتنا، مثل بيع أعضاء الإنسان والتجميل وزراعة النخاع الشوكي، وهل يقبل الدين هذه الأمور والإقدام على تلك الأفعال، القرآن والحديث لا يتغير لكن كيف نحكم هذه الأفعال الجديدة بالحكم الشرعي، والناس يسألون عنها فيجب أن تكون لدينا إجابات.

الحكومة تتعاون معنا كثيرًا في مواجهة الفكر المتطرف الذي قد يتسرب إلينا، من خلال عقد كثير من الدورات للأئمة والعلماء بشكل كبير داخل الإقليم وقليل خارجه، من خلال المنظمات عن التعايش الديني، والتي تأخذ عددًا من الأئمة لمدة معينة قد تصل إلى 7 أيام لحضور محاضرات تدريبية لصقل مهارات الإمام، كما اختتم الشيخ معنا.

الشيخ إسماعيل: دورنا مهم في وأد الإرهاب
خطوات قليلة فصلتنا عن الحديث مع الشيخ إسماعيل محمد الهالوتي، إمام وخطيب وعضو الاتحاد الإسلامي الكردستاني، مرتديًا الزي الكردستاني، الذي توجد مزاعم عنه أنها الملابس الشبيهة بملابس سيدنا إبراهيم عليه السلام- وعلى رأسه عمامته، وبدأ بتحضير نفسه للحديث معنا من خلال نقاط محددة سطرها في دفتر.

"نشكر فضيلة الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي هيأ لنا هذه الفرصة الثمينة لتدريبنا وتعريفنا بالمنهج الأزهري وسار عليه علماؤنا القدامى، الذي هو على الوسطية"، كانت تلك البدايات التي استهل بها "الهالوتي" حديثه معنا، متابعًا: هذه المحاضرات أفادتنا كثيرًا في دحض الأفكار الخاطئة، فالأزهر الشريف هو قبلتنا للعلم.

وأشار خلال لقائه مع "الدستور"، إلى أن المواطنين في كردستان يلجأون إلينا للفتوى في كل الأمور التي تشغل بالهم، من خلال لجنة الفتوى العليا الموجودة في العاصمة، والتي يلجأون إليها في حال تعسر على إمام تقديم الفتوى الملائمة لسؤاله، وهي لجنة معترف بها من قبل حكومة كردستان، والمتخصصة في إعطاء الفتوى الأخيرة في أي شئ يحدث.

الشيخ عميد: ننشر الفكر الوسطي
وقال الشيخ عميد عثمان، إمام وخطيب جامع، يرتدى جلبابا أخضر، وعلى رأسه عمامة بيضاء، تحدث عن أن أساليب كردستان العراق لمحاربة الفكر المتطرف هي نشر الفكر الوسطي والاعتدال مع الشباب في مساجدنا ولقاءاتنا المتلفزة والإذاعية، ما يعزز ثقة الناس ويمنحهم فكرة الإقدام على التعايش السلمي.

فالتطرف لا يثمر إلا خرابًا وتدميرًا وتشريدًا، وهذا فكر يرفضه الله عزوجل والشريعة الإسلامية، فدومًا ما ندعو إلى السلام والمحبة وقبول الآخرين، وهذا مبدأنا في كردستان العراق، ونؤكد عليها في كل أحاديثنا، وليس هناك سوى قسم قليل لديه هذا النوع من الفكر المتطرف، لكننا نسعى إلى دحضه، الحديث لا يزال لـ"عثمان".

وانتقل للحديث عن مشاركته ضمن وفد أئمة وعلماء كردستان لدورات الرابطة، قال: بناء على التنسيق بين مشيخة الأزهر واتحاد علماء كردستان ووزارة الأوقاف، ما أدى إلى العلاقة التي أثمرت عن مزيد من الوفود في سبيل العلم والمعرفة التي نأخذها من الأزهر الشريف الذي هو أعلى جامعة في العالم الإسلامي ونعتز ونفتخر به، ونعتبر أنفسنا طلابًا لهذه الجامعة، ونتمنى السلام الدائم للأزهر منبر العالم الإسلامي.

أسامة ياسين: نسعى لتدريب الدعاة بالعالم الإسلامي
في نهاية جولتنا، هبطنا إلى الطابق الأول، لمقابلة أسامة ياسين، نائب رئيس مجلس إدارة الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، فطرقنا بابه للحديث حول أهمية تلك الدورات، وكيف يتم التنسيق بينهم وبين دول العالم الإسلامي لاستقدامهم إلى مصر لتعلم المنهج الأزهري.

بداية الحوار كان تاريخيًا حول أن الرابطة هي في الأساس جمعية غير حكومية خاضعة للقانون المصري، تأسست عام 2007، تستهدف الوصول إلى الأزهريين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وإنشاء قاعدة بيانات لهم ثم الاستفادة منهم في ترسيخ الإسلام الوسطي بعيدًا عن العنف والتطرف.

"الرابطة حصلت على عضوية الأمم المتحدة، كما أصبحت منظمة دولية، ومنذ ذلك فهي تمارس عملها من خلال فروع منتشرة في محافظات مصر المختلفة، فضلًا عن فروع مختلفة موجودة في العديد من دول العالم"، يقولها "ياسين"، في لقائه مع "الدستور"، متابعًا أنه من أحد أبرز الأنشطة التي تقوم بها تدريب الأئمة ورجال الدعوة الإسلامية من دول العالم المختلفة لمواجهة أنشطة التطرف والتنظيمات المتشددة، ويتم التنسيق في هذا المجال من خلال فروع الرابطة في مختلف دول العالم أو من خلال سفارات الدول المختلفة في مصر. (2:11 لـ 2:58)

وبسؤاله عن سبل التنسيق بينهم وبين هؤلاء من جميع أنحاء العالم، تابع معنا أنه ضمن الأساليب المتبعة في ذلك اختيار مجموعة من الطلاب الوافدين الذين أصبحوا في السنة النهائية من الدول التي تواجه مشكلة التطرف، مثل نيجريا والنيجر وسوريا وليبا ومالي وكينيا.

ثم يتم ترشيح طلاب من هذه الدول، ويتم عمل دورة تدريبية يحاضر فيها كبار علماء الأزهر المتخصصون في هذا المجال، وكذلك أساتذة جامعة الأزهر، وتستمر الدورة لمدة شهرين في نهايتها يكون لدى هؤلاء الطلاب القدرة على مواجهة هذه التنظيمات المتطرفة فكريًا عند عودتهم لبلادهم، الحديث لا يزال لـ"ياسين"،

يذكر أنه تم إنشاء "كردستان" بعد معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970 بعد الاتفاق بين الحكومة العراقية والمعارضة الكردية عقب سنوات من القتال والمعارك، وتصل مساحة الإقليم لنحو 83.643 كم2، عاصمتها أربيل، لغتها الرسمية الكردية العربية.