رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلطان طومان باى




أثار المسلسل الذى يعرض الآن على شاشات الفضائيات حول دخول العثمانيين إلى العالم العربى، والصراع العثمانى المملوكى، الكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث بدأ البعض فى استدعاء التاريخ، وبدأنا اللعبة القديمة- الجديدة «الحرب بسيوف التاريخ».
إذ مال أنصار تيار الإسلام السياسى إلى الدفاع عن «التاريخ المقدس» للدولة العثمانية، حتى بالغ البعض فى وصفهم بأنهم «ملوك الإسلام الأطهار»، وعلى الطرف الآخر بدأ أنصار التيار القومى العربى وأيضًا المصرى فى رصد خطايا «الاحتلال العثمانى»، وللأسف لا ينتج عن الدراما التاريخية خيار هادئ.
لكن الملفت للنظر بالفعل شخصية «طومان باى»، آخر سلاطين المماليك، هذا السلطان الذى وصفه البعض بـ«السلطان الشهيد» نتيجة الإعدام الشنيع له من قِبل السلطان سليم، وتعليق جثته على باب زويلة، أحد أهم أبواب القاهرة، فمن هو السلطان «الشهيد» طومان باى؟
فى الحقيقة يُعتبَر كتاب «طومان باى: السلطان الشهيد»، الذى أصدره دكتور عماد أبوغازى منذ سنوات، أهم ما كُتِب فى هذا الشأن، إذ يولى أبوغازى اهتمامًا خاصًا بالتاريخ الشعبى، وصورة طومان باى فى الذاكرة الشعبية المصرية، فيبدأ كتابه بتذَكُر برنامج تليفزيونى حول باب زويلة- والذى يُعرَف أيضًا ببوابة المتولى- حيث تسأل المذيعة إحدى نساء الحى حول ما تعرفه عن الجامع والبوابة، فترد قائلةً: إنه جامع بَنته امرأة «رحمة ونور» على زوجها السلطان الذى تم إعدامه هنا! وقصة نسب الجامع لزوجة طومان باى هى قصة غير حقيقية، ولكنها تعبر عن استمرار ذكرى طومان باى فى ذاكرة البسطاء حتى الآن.
يذكر الكتاب أن اسم طومان باى اسم مُرَكَب من لفظين: «طومان» ومعناها الفرقة العسكرية التى يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل، و«باى» وهو لفظ تركى يُضاف إلى أسماء الأعلام للدلالة على السطوة والنفوذ والثراء.
ودفعت شخصية طومان باى المحببة إلى الناس، ودفاعه المستميت أمام العثمانيين، الشيخ أحمد بن زنبل الرمال إلى تأليف سيرة لهذه الفترة، أبرز فيها دور طومان باى فى التصدى للعثمانيين، ومعاركه ضد السلطان سليم، ثم وقوعه فى الأسر وشنقه. والمثير فى الأمر أن هذه السيرة أصبحت واحدة من السير الشعبية التى تُروى فى مقاهى القاهرة فى العصر العثمانى.
ولم تقتصر «السيرة الشعبية» لطومان باى عند المصريين فحسب، إذ يذكر الكتاب أن الإعجاب بشخصية طومان باى وبطولته امتدا إلى الأوربيين، فبعد أكثر من مائة عام على شنقه نجد صورة هذا المشهد حاضرة فى كتابات الرحالة الأوربيين الذين زاروا مصر، وهى صورة ملؤها التعاطف مع طومان باى والتأثر بما حدث، ودفع ذلك مؤرخًا إيطاليًا معاصرًا للأحداث إلى وضع طومان باى مع الشخصيات التاريخية الكبرى فى العالم، وأفرد له قسمًا من تاريخه.
لكن إعجابنا الشديد بطومان باى كبطل قومى لا ينبغى أن ينسحب على كل المماليك، فلم يكن معظمهم فى عظمة طومان باى، بل إن الخيانة جاءت على يد الأمير المملوكى «خاير بك» الذى سخر منه المصريون بعد ذلك واطلقوا عليه «خاين بك»!