رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من هانت عليه نفسه



يقول المثل السائر: «مَن هانت عليه نفسه هانت على الناس»، وقد هانت العرب، وتخلّت عن نخوتها، وطرحت عنها كبرياءها، فأصبحت مطمعًا لكل رائحٍ وغادٍ، ومع مطلع كل شمس، تأتينا الأخبار تترى بكل جديدٍ عجيب، فيها ما يكفى للتدليل على أن العالم، الآن، لم يعد يُقيم للعرب وزنًا، ولا يحترم لهم حقًا، أو يمنحهم اعتبارًا.
بعيدًا عن الكلام الدبلوماسى المدهون بالسكّر، فنظرة إلى هذه البقعة المسكونة بالنفط والثروات الهائلة، والمملوءة بالفقر والبؤس والتطاحن وأنهار الدماء السائلة، تكفينا للوصول بالفعل إلى نتيجة لا مراء فيها، وهى هوان العرب على أنفسهم، الأمر الذى أطمع الأعداء فيهم، فراحوا ينهبونها نهبًا، وإلاّ فما هو تفسير ما فعله «دونالد ترامب» منذ فترة ليست بالبعيدة، عندما راح يهدد بأن دولًا فى المنطقة لن تصمد لأسبوعين إذا رفعوا يد الحماية عنها، فكان أن عاد بمئات المليارات التى ضخّها إلى خزينة بلده وهو يضحك ملء شدقيه؟!
وما تفسير مصادرته مئات المليارات من الدولارات، هرّبها لصوص المال العام، من المسئولين العراقيين، الذين سرقوها فى غفلة من الزمن، إلى بلاد «العم الحنون»، فكان أن سقطت الأموال التى نهبها هؤلاء اللصوص، فى براثن القرصان الأعظم، «ترامب الأمريكى»، و«يا دار ما دخلك شر»؟!
وما تفسير نقله سفارة بلاده، إلى القدس المحتلة، رغم أنف العالم العربى، بل والعالم كله، وإعلان مباركة ضم الاحتلال الصهيونى مرتفعات الجولان السورية إليه، دون أن نسمع عن موقفٍ حقيقى يقول له: قف عند حدك، لأن فى العرب نخوة ترفض الضيم، وأناسًا أحياء يأبون الهوان؟

أقول هذا الكلام بمناسبة التصريحات الأخيرة للمستر «مايك بومبيو»، وزير الخارجية الأمريكى، التى تبجَّحَ فيها، داهسًا بحذائه القانون الدولى والقرارات «الأممية»، اللذين يُقرّان عدم مشروعية اغتصاب الأراضى الواقعة تحت الاحتلال، أو تغيير ملامحها الطبيعية، أو العبث فى بنيتها الديموغرافية.
فقد أعلن «بومبيو»، بصفاقة لا نظير لها، ردًا على بيان «جامعة الدول العربية»، بشأن رفض القرار الأمريكى، الذى اعتبر المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية «غير مخالفة للقانون الدولى»- عن أن: «الوقت قد حان للدول العربية، للتخلى عن المُقاطعة والعمل مع إسرائيل».
وأضاف الوزير الأمريكى، فى مواجهة الرفض «اللفظى» الرسمى العربى، مُدافعًا عن قرار شرعنة المستوطنات فى الضفة، أن «القرار صحيح ويصبّ فى مصلحة أمن إسرائيل»، مُضيفًا: «من الواضح جدًا أن المستوطنات.. ليست فى حدّ ذاتها غير قانونية بموجب القانون الدولى».
ونقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عنه أن «إدارته» تتصور أن «الأمر غير المنطقى هو الاعتقاد بأن أىّ نشاط استيطانى يُعتبر غير قانونى بطبيعته، لمجرد أنه استيطان فى المنطقة نفسها».

مزيج من الوقاحة والاستهبال، بل والاستغفال، وكأنه يتحدث إلى أمةٍ من المهابيل والسُّذج، أو حفنة من الأطفال الصغار، يسهل عليه أن يستغفلها، أو يُلهيها، ويضحك عليها بقبضة من «البون بون».

لكن فى الواقع، المسئول الأول والأساسى، عن هذا التمادى فى الاعتداء على الحق العربى والفلسطينى، هو، كما ذكرنا: «هوان العرب» أنفسهم، وعلى أنفسهم، فـ«بومبيو» يعلم- علم اليقين- أن العرب كفّوا منذ زمن طويل عن أن يكونوا قوة فاعلة مرهوبة الجانب، يُحسب حسابها قبل أى تطاول على حدودها ومصالحها. وهو يعلم علم اليقين- صحة مقالة «نتنياهو»، بأن «الدول العربية لم تعد تعتبر إسرائيل عدوًا، بل إن لهم ولإسرائيل عدوًا مشتركًا واحدًا»، يقصد إيران.
وهو يعلم كذلك أنه برغم العدوان الصهيونى الفاجر على شعب فلسطين وحقوقه، فإن وفود «المُطبعين الجدد» من أهل العرب فى دول النفط، تتدفق تدفق الزيت فى الأنابيب، لزيارة كيانه الذى يلغ فى دماء أبناء شعب فلسطين، وكأنها تكافئه على انحطاطه وإجرامه.

الدرس واضح: «مَن هانت عليه نفسه.. هانت على الناس»، ولن يحترمنا الغير إلا إذا استعدنا احترامنا لأوطاننا ولمواطنينا، فى المقام الأول.