رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة سيدة تحدت إعاقتها وكرست حياتها لمساعدة ذوى الاحتياجات (فيديو)

جريدة الدستور

عانت سنوات طويلة منذ لحظة ولادتها، لم تستطع ممارسة حياتها بشكل طبيعي لوقت كبير، فهي إحدى ضحايا جرعات الشلل الرباعي الفاسدة، التي أصابتها بالمرض فور تناولها، لكنها لم تيأس وجعلت من تلك الإعاقة حافزًا يشجعها على تحقيق حلمها، وهو مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة.

أمينة عبد الحميد، تبلغ من العمر 56 عاما، من قاطني منطقة إمبابة، تحكي خلال حديثها مع "الدستور"، سبب الإعاقة التي تعرضت لها حين تناولت جرعات الشلل الرباعي بعد الولادة مباشرة، وكانت الجرعة الثالثة فاسدة مما أصابها بمرض شلل الأطفال، ولم تكن هي الحالة الوحيدة في ذلك الوقت، بل تعرض العديد من مواليد عام 1964 لهذا المرض.

بدأت الإعاقة تؤثر على السيدة حين اضطرت للذهاب إلى المدرسة في المرحلة الابتدائية، كونها تستخدم جهازا في ساقيها مما كان يرهقها دومًا في الحركة، لكنها قاومت المرض وأصرت على استكمال مسيرتها التعليمية، مشيرة إلى دور والدتها في تلك المرحلة، فهي كانت تتابع معها بشكل دوري للكشف في معهد الشلل.

"الشلل كان في جسمي كله لحد ما عملت عملية والشلل تمركز في رجلي بس"، تقول "أمينة" إنها خضعت لعدة عمليات داخل معهد الشلل، المعهد الذي استطاع إنقاذها من الشلل المتملك من جسدها، كما لاقت هناك مساعدة كبيرة من العاملين به، وكانت تعتبره بيتها الثاني، حتى أصبحت مهتمة بمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة.

لم تنتظر السيدة إنهاء مسيرتها التعليمية حتى قررت الالتحاق بالعمل، وقدمت بالفعل في الـ5% للمعاقين بالشهادة الإعدادية، وتم توظيفها في شركة استيراد وتصدير بجانب الدراسة في المرحلة الثانوية، لكنها تعرضت لمشكلة في عملها، ومضت على بعض الأوراق الرسمية التي كانت تعتقد أنها تخص أمور العمل، لكنها كانت أوراق استقالتها من الشركة دون علمها.

لم تقف رحلة السيدة هنا، لكنها عافرت وواجهت الحياة الصعبة، حتى استطاعت الالتحاق بالعمل داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي ما زالت تعمل بها حتى وقتنا هذا، مؤكدة أن مرض ساقيها لم يكن إعاقة بل كان دافعا قويا جعلها تستمر في المثابرة.

قررت السيدة بعد ذلك خوض تجربة الزواج، وتكوين أسرة مثلها مثل أي شخص، حتى واجهت صدمة جديدة في حياتها، وهي مرض زوجها الذي كان يعاني من مرض القلب، وقضت معه 10 أعوام حتى توفاه الله، وكانت قد أنجبت منه 3 أطفال، مشيرة إلى أنها كانت أصعب المراحل التي واجهتها.

نفذت "أمينة" بعض المشروعات الصغيرة التي استطاعت وقتها تلبية مصاريف البيت من خلالها، وكانت تعمل على بيع الطعام الذي تجهزه داخل منزلها، وانغمست أيضًا في تصنيع الحرف اليدوية وتوفيرها للمراكز التي تحتاج إليها بدون مقابل كنوع من أنواع الأعمال الخيرية، بجانب مشاركتها في تعليم المعاقين كيفية التصنيع وإدارة المشروعات الصغيرة وتقديم ورش تخاطب أيضًا.

عانى ابنها أيضًا من زيادة في كهرباء المخ، مما جعله غير قادر على مساعدة والدته في تلبية احتياجات الأسرة، لكنها استطاعت تقسيم المهام على ابنتيها، حين قررت الابنة الكبرى التكفل بجميع أمور البيت من تجهيز طعام وتنظيف، وخرجت الأخرى للعمل خارج المنزل لمساعدة والدتها في المصاريف.

لم تتوقف أحلام "أمينة" التي طالما أرادت من الله أن يساعدها في تحقيقها، فهي كانت ترغب طوال عمرها في إنشاء مؤسسة خيرية تعمل على مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في أمورهم الشخصية والعملية، ونفذت الفكرة بالفعل بعد أن شجعتها إحدى دكاترة التخاطب التي كانت تدربها على كيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

بدأت "أمينة" في تأهيل ذاتها لإنشاء جمعية خيرية لذوي الاحتياجات الخاصة، ونجحت في تأدية دورة التخاطب التابعة لوزارة الثقافة، وحصلت على كارنيه رسمي وشهادة مصدقة من الوزارة، حتى توجهت على الفور لإنشاء جمعية تساعد على حل مشاكل المعاقين، وتدريبهم على التخاطب، وإدارة المشروعات الصغيرة، وتعديل السلوك وصعوبات التعليم.

"الجمعية تحل مشاكل ثلاث أشخاص يوميًا"، لم يقتصر دور الجمعية على تدريب وتأهيل المعاقين فقط، بل من دورها أيضًا حل مشاكلهم الشخصية، مثل مشكلة الديون وفوائدها، فهي تكرس وقتها وجهدها للجلوس مع جميع الأطراف التي تخصها مشكلة ما، حتى تصل إلى حل يرضيهم.

تختم السيدة حديثها معبرة عن سعادتها بما حققته خلال حياتها، ورغبتها في استكمال مسيرتها الخيرية التي لا تنتظر أي عائد من خلالها، منوهة إلى أنه تم تكريها أكثر من مرة كأم مثالية من قبل عدة جمعيات للصم والبكم ودار الياسمين وجمعية القواز، وجمعية حقوق رعاية المعاقين التابعة لوزارة التضامن.