رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دائرة النار» الإيرانية والحرب مع إسرائيل


التراشقات بين إيران وإسرائيل أضحت صدامات مباشرة، منذ أن بدأت الأخيرة استراتيجية المواجهة الصريحة مع الوجود العسكرى الإيرانى بالمنطقة، بهجومها الكاسح على الأهداف الإيرانية فى سوريا مايو ٢٠١٨، الذى كان الأوسع منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣، ثم توسيع نطاق عملياتها لتشمل كل الأذرع الإيرانية بالمنطقة.
تحقيقات الحكومة العراقية رجحت مسئولية إسرائيل عن الاعتداءات الجوية التى استهدفت ميليشيات «الحشد الشعبى» الموالية لإيران!! لكن نتنياهو كان أكثر وضوحًا، إذ أكد فى أغسطس ٢٠١٩، أن «إسرائيل تعمل ضد إيران فى كل الاتجاهات بما فى ذلك العراق وسوريا ولبنان»، وكشف عن أنه «منحَ قواتِه حريةَ التصرفِ، ووجَّهَ لها أمرًا بإحباط مخططاتِ إيران فى العراق، وفى العديدِ من المناطق الأخرى»، وكرر قاطعًا بأن «قواتِه تعملُ فى العراق، سواء لزمَ الأمر أو لم يلزم».. معسكر ميليشيات «اليبشة» الإيزيدية العراقية بمنطقة خان صور، التابعة لقضاء سنجار غربى الموصل، تعرض لقصف جوى ٢٠ نوفمبر، أسفر عن تدمير المقر بالكامل وقتل وجرح ٢٠.. الميليشيات المعروفة بوحدات حماية سنجار شكلها الإيزيديون بعد اجتياح «داعش» المنطقة، وتعرضهم لحملات إبادة أغسطس ٢٠١٤.. تعاونت مع إيران و«الحشد» خلال تحرير الموصل، وتواصل تعاونهم حتى أصبح جبل سنجار أهم الطرق غير المكشوفة التى تربط طهران بدمشق، وتحول معسكرها إلى قاعدة تستخدمها إيران فى نقل الأفراد والأسلحة لسوريا، مما يفسر استهداف إسرائيل لها، ضمن محاولاتها تقويض الوجود العسكرى الإيرانى بالمنطقة.
الطائرات الإسرائيلية اغتالت بهاء أبوالعطا، القيادى فى «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامى» فى غزة، وقصفت منزل أكرم العجورى، عضو المكتب السياسى للحركة بمنطقة المزة فى دمشق ١٩ نوفمبر، ما «أدى لمقتل أحد أبنائه»، وهو استهداف مباشر لإيران، التى تمول «الجهاد» وتدربها وتمدها بالصواريخ التى توجهها لإسرائيل من القطاع أو من سوريا، بتعليمات مباشرة من طهران.. الحركة، سبق أن أطلقت وابلًا من الصواريخ باتجاه تل أبيب خلال عملية «الجرف الصامد» ٢٠١٢، وهددت فى فبراير ٢٠١٩ بتحويل المدن الإسرائيلية إلى جحيم بعد تجديد ترسانتها وتطوير صاروخ جديد قادر على الوصول إلى تل أبيب ونتانيا، بمساعدات تقنية إيرانية.
«الجهاد» فى غزة، إحدى أذرع إيران بالمنطقة، أسوة بحزب الله فى لبنان، والحوثيين باليمن، و«الحشد» بالعراق، بومبيو وزير الخارجية الأمريكى أكد أن «إيران تستخدم الجهاد-وكيلها الإرهابى- لضرب حليفتنا إسرائيل».. نافذ عزام القيادى البارز فى الحركة رد بأن «الجهاد تفخر بعلاقاتها الوثيقة مع إيران، وتعتبرها فى صالح الشعب الفلسطينى».. طهران تستهدف من تنشيط دور «الحركة» فى القطاع توجيه رسالة لواشنطن بأن غزة مرشحة لأن تكون إحدى بوابات الصراع فى المنطقة، ورسالة لإسرائيل بأن المواجهة لن تقتصر على سوريا وجنوب لبنان، بل ستمتد إلى القطاع لتكون أحد منطلقات الرد الإيرانى على أى هجوم إسرائيلى ضد مصالح طهران ونفوذها بالمنطقة.
الطائرات المسيرة الإسرائيلية نشطت منذ بداية نوفمبر بمنطقة البوكمال شرق دير الزور قرب الحدود السوريةالعراقية، لأنها تعتبر أحد المنافذ الحدودية المهمة لإيران على سوريا ولبنان، لذلك تمركزت فيها ميليشيا «الحشد» العراقية، لاستخدامها فى تهريب الأسلحة والمعدات الإيرانية، وتسلل عناصر الميليشيات.. خلال الأسبوع الأول من نوفمبر استهدفت غارتان مواقع «الحشد» بقرية الرمادى بريف البوكمال، ودمرت الثالثة سيارة للحشد مساء ١٧ نوفمبر عند أطراف المدينة، وقتلت من فيها.
إسرائيل ادعت أن أحد المواقع التابعة لميليشيات فيلق القدس الإيرانى قرب دمشق أطلقت أربعة صواريخ على الجولان المحتل، وهو ما أكدته مصادر الأنباء.. الجنرال يعقوب عميدرور، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى، أحد واضعى السياسة الإسرائيلية تجاه إيران، أكد أن ما يجرى يسمى «دائرة النار».. التى تحاول إيران إشعالها حول إسرائيل.. ورونى دانييل المحلل العسكرى فى «القناة ١٢» بالتليفزيون الإسرائيلى، نقل عن مسئولين فى تل أبيب «أن إطلاق الصواريخ، تم ضمن سياسة إيرانية جديدة تقضى بالرد على أى عملية عسكرية إسرائيلية توجه لأذرعها بالمنطقة»، ما يعنى أن أى استهداف مباشر لأراضيها سيعقبه رد مباشر وعنيف على إسرائيل نفسها، على نحو يوسع نطاق المواجهات ويصعب السيطرة عليها، الطيران الإسرائيلى رد بإطلاق خمسة صواريخ على أهداف إيرانية قرب دمشق، واستهداف بطاريات الدفاع الجوى التى تعاملت مع الطائرات المغيرة.. لكنه عاد ليمطر ريف دمشق بـ٤٠ صاروخًا مجنحًا، متجاهلًا التهديدات الإيرانية. وضمن تنشيط إيران لـ«دائرة النار» التى تشكلها أذرعها بالمنطقة، أكد عبدالملك بدر قائد الحوثيين فى خطاب المولد النبوى الشريف «الوقوف إلى جانب فصائل المقاومة وأبناء الشعب الفلسطينى»، وفى ندوة تم تنظيمها فى صنعاء بعنوان «الأطماع الإسرائيلية فى اليمن» اتهم العميد يحيى سريع، المتحدث باسم الحوثيين، إسرائيل بتنفيذ مخططات ومؤامرات تهدف إلى التوسع والسيطرة على أهم المنافذ الحيوية فى الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، وهدد بأن «القوة الصاروخية والطيران المسير التابعين للحوثيين أصبحا قادرين على ضرب أهداف حيوية داخل العمق الإسرائيلى».. رفع إيران سقف التهديدات الحوثية عملية استفزاز، تستهدف سحب إسرائيل إلى «المنزلق اليمنى»، لكن تأكيدات العاهل السعودى بأن المملكة تعرضت لـ٢٨٦ صاروخًا بالستيا و٢٨٩ طائرة مسيرة، يفرض على إسرائيل التعامل بجدية مع تلك التهديدات.
التهديدات الحوثية تزامنت مع تنفيذ عملية سطو مسلح جنوب البحر الأحمر، استهدفت قافلة بحرية كانت متجهة من ميناء جازان السعودى إلى ميناء بربرة فى الصومال، تضم القاطرة البحرية السعودية «رابغ ٣»، أثناء قطرها لحفار بحرى تملكه إحدى شركات كوريا الجنوبية، وسفينتين كوريتين، وذلك على بعد ١٥ ميلًا من جزيرة كمران اليمنية المواجهة للحديدة، وسحبتهما إلى ميناء الصليف بالحديدة التابع للحوثيين، مما يمثل تهديدًا لحرية الملاحة الدولية والتجارة العالمية، ويعد سابقة خطيرة تمس أمن جنوب البحر الأحمر وباب المندب.. كوريا أسرعت بدفع المدمرة «كانغ كام تشان» إلى موقع احتجاز السفينتين، بعد أن كانت تقوم بمهامها لمكافحة القراصنة قبالة السواحل الصومالية.. القرصنة الحوثية ينبغى التعامل معها بجدية، لأنها بالون اختبار يسبق تنفيذ التهديدات التى وجهوها إلى معين شريم، نائب المبعوث الأممى لليمن يناير ٢٠١٨، بأنه «إذا استمر تصعيد التحالف العربى ضد مدينة الحديدة، فسيتم الدخول فى خيارات استراتيجية، منها قطع الملاحة الدولية فى البحر الأحمر».
إيران دولة كبيرة، لها أطماعها الإقليمية الواسعة، تتعرض لحصار أمريكى خانق، فى الوقت الذى يهتز فيه عرش «الملالى»، بفعل الاضطرابات الداخلية، ورفض متظاهرى العراق ولبنان تدخلاتها، ولنفوذ الحرس الثورى، وتتعرض ميليشياتها وأذرعها فى المنطقة لعمليات تكسير عظام إسرائيلية.. تراشقاتها مع إسرائيل فى ظروف كهذه، تضع الإقليم فوق صفيح ملتهب، ما يفرض التحسب لمخاطر تطاير الشرر.