رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ومؤشر السلام العالمى


لا جدال فى أن مصر هى الأقدم حضارة بين كل دول العالم على ظهر الكرة الأرضية، كما كانت مصر الأسبق عالميًا لاستقرار أهلها واشتغالهم بالزراعة والصناعة وتربية الماشية، منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، وعلى ضفاف نيلها تكونت إمارات متعاونة ومسالمة تتبادل المنافع بينها، وعلى طول وعمق تاريخنا لنا مكانتنا بين سائر بلدان عالمنا، فعرفت بلادنا بأنها مصر السلام دون منازع أو كلام.. فيحضرنا هنا السؤال: هل للسلام بديل؟ وهو سؤال يلح فى البحث عن إجابة.
يرى البعض أن السلام هو تجنب الحروب، وهذا ليس حلًا بديلًا عن السلام، بل هو تأجيل الحروب أو حالة من التجمد، وكما نقول فى أمثلتنا الشعبية: «صباح الخير يا جارى، إنت فى حالك وأنا فى حالى»، فهذا ليس سلامًا، هذا ليس إلا حالة سلبية، لا هى حروب ودمار، ولا هى سعى لتقدم وتبادل للمنافع كما يراه قادة الحروب، إن السلام هو وقف القتال كما حدث بين مصر وإسرائيل باتفاق بين الطرفين تحت عنوان «اتفاقية سلام». وهذا فى مفهوم العلاقات تجميد العداء وتعليق الكراهية، وليس المفهوم الكامل لعلاقة سلام وتبادل المنافع والمصالح المشتركة، صحيح أن هناك علاقات دبلوماسية وتبادل سفراء، ولكن فى حدود ضيقة ليست مثل العلاقات مع دول صديقة قريبة أو بعيدة جغرافيًا.
أما السلام بمفهومه الصحيح فقد عبر عنه السيد المسيح فى قوله «سلامًا أترك لكم، سلامى أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب».
والسلام فى اللغة مشتق من الفعل سَلِم، ويأتى بمعنى الأمان والنجاة مما لا يرغبه الإنسان، فيقال سَلِم من الأمر المعين، أى نجا من مكروه معين، فالسلام شرعًا يراد به البراءة من الخطر. كما أن السلام ليس مجرد تحية نتبادلها كقولنا سلام لكم أو السلام عليكم، ومع ذلك يظل ما فى القلوب كامنًا لا يظهر فى مواقف معينة سلبًا أو إيجابًا. السلام ليس مجرد أمنية تخلو من الرغبة والعمل لتحقيقها، وبهذا يبقى السلام يحتمل الرغبة فى تجنب الحروب والأذى فى الأرواح والممتلكات، دون سعى حقيقى لتحقيق ما نتغنى به من أناشيد.
كما يرى البعض أن السلام هو التسامح من جانب القوى مع الضعيف، ولكن يبقى ما فى النفوس كامنًا تطل منه الكراهية والرفض وتجميد المشاعر والمعاملات. وكل هذا لا يقضى على الكراهية والرفض من الطرف القوى للآخر الضعيف. والسلام فى المفهوم القانونى معناه المساواة والعدالة بين جميع الناس، وهناك قوانين تطبق على الجميع وهذا ما يعرف بالحكم الرشيد أو حفظ السلام، لكن تبقى معوقات السلام الحقيقى أو ما يعرف بالصداقة الحقيقية وليست الصداقة الدبلوماسية، وتبقى معوقات السلام العالمى والإقليمى حتى فى داخل الدولة الواحدة بين التيارات المختلفة، حيث يبقى ما خفى فى القلوب ونكرر القول: «صباح الخير يا جارى، إنت فى حالك وأنا فى حالى». بالرجوع إلى التاريخ البعيد والقريب، ففى مصر القديمة، وتحديدًا فى عام ١٢٧٨ قبل الميلاد وقع رمسيس الثانى معاهدة سلام بين مصر وآسيا الصغرى، كما وجدت اتفاقيات سلام يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، ومع ذلك تم اختراقها كما نقرأ عن الحروب الآشورية. وحتى نكون منصفين، لا ننكر الجهود التى تقوم بها هيئة الأمم المتحدة من أجل السلام بين دول العالم التى يبلغ تعدادها مائة وثلاثًا وأربعين دولة، حيث من أولويات عملها بذل الجهود من أجل السلام العالمى ونزع الأسلحة المدمرة، مع تنمية العلاقات وتحقيق التعاون الدولى فى كل المجالات.
ويبقى السؤال: هل تحقق السلام بين ربوع العالم.. أم لا تزال تدق نواقيس الحروب، ويستمر تسابق التسلح وابتكار أدوات وآلات للدمار أقوى وأسرع؟، وهذا ما نتابعه فى مقالات أخرى من أجل سلام عالمى.