رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طرق الأبواب فى قضية تزوير الكتاب« 1»


تصاعد فى الفترة الأخيرة الحديث عن تفشى ظاهرة «تزوير الكتب»، وانقسم «القُرّاء»، وما أقلهم فى هذه الأيام، بين مؤيد مُحَبِّذ، ورافض مُدين، هذه الظاهرة اللافتة، التى اجتاحت فى الفترة الماضية سوق الكتاب، بحيث يتعذر اليوم أن تعثر عند بائعى الكتب المنتشرين فى أغلب المناطق على كتاب «أصلى». أى مطبوع بطريقة شرعية، لدار نشر معروفة الاسم والموقع.
بينما تجتاح «أسواق» الكتاب، و«فرشات» الكتب أسماء لمئات العناوين، لكُتّاب مصريين وعرب وأجانب، ولدور نشر مصرية وعربية وأجنبية، جميعها منشورة بواسطة مطابع «بير السلم» المجهولة الهوية والعنوان، وفى طبعات تفتقد أحيانًا الدقّة وجمال الطباعة، لكنها، فى كل الأحوال، تُشبع نهم الراغبين فى القراءة، على مختلف توجُّهاتهم ودوافعهم، بأسعار زهيدة، قد لا تتجاوز، ربع أو خُمس، أو حتى عُشر ثمنها، مثلما يحدث بالنسبة للكتب ذات الأصل الأجنبى، أو المطبوعة فى المنطقة العربية. وقبل أن نُدين أو نُبيح هذه الظاهرة، ينبغى أن نُلقى نظرة على أسبابها الموضوعية، وأهمها ارتفاع تكلفة الطباعة، ووصولها إلى حد غير مسبوق، بسبب زيادة أسعار جميع مُدخلات هذه الصناعة المهمة، التى تُستورد من خارج البلاد، كورق الطبع والأحبار والزنكات والأفلام، وما إلى ذلك، فضلًا عن آلات الطباعة ذاتها، التى يصعب تجديدها، إلا بكلفة باهظة إذا استُهلكت، أو صيانتها إذا احتاجت قطع غيار.
ومع تعويم الجنيه المصرى، تضاعفت تكلفة طباعة الكتاب وسائر مستلزمات صناعته، ووصلت أسعار بيعه، بعد إضافة مستحقات الكاتب «وهو أمر هزيل، ولا يُفّى فى أغلب الأحوال»، وربح دور النشر، إلى المستوى الذى يجعل شراء أى كتاب من المكتبات ودور النشر المُصدرة، أى «الشرعية»، أمرًا انتحاريًا لا يقدر عليه إلا ذوو الثروة من القُراء، ومن هنا تزايد الإقبال، وبالذات فى أوساط الشباب، على الكتب «المضروبة»، فهى تؤدى الغرض فى كل الأحوال، وتتيح الاطلاع على الكتب المطلوبة، بميزانية مقبولة يمكن للقارئ أن يتحملها.
وقد أدى الارتفاع الصارخ فى سعر الكتاب إلى تراجع عملية النشر باستثناء ما تنشره دور النشر المعروفة الراسخة، ولنوعيات محدودة من الكتب من النوع الخفيف، والمُسلّى، أو الذى يُخاطب شرائح بعينها من المجتمع، والموجّهة إلى نوعية من القُراء تملك القدرة المادية على استهلاكها، بينما أصبح من العسير نشر كتاب جاد، فى فروع «غير شعبية» من المعرفة الجادة كالفلسفة والعلوم، بسبب ضيق قاعدة المتعاملين معها.
وبعد أن كانت الكمية المطبوعة من أى كتاب تدور حول الرقم ٣٠٠٠ نسخة، وبعض الكُتّاب المشهورين، كانت طبعاتهم تصل إلى خمسة آلاف نسخة أو أكثر، فى الطبعة الواحدة، أخذت كمية النسخ المطبوعة فى التراجع عامًا تلو عام، حتى وصل التدهور ببعض دور النشر إلى الاكتفاء بطبع مائة أو مائتى نسخة من كل كتاب، وبعضها يستخدم آلات النسخ الحديثة المتطورة «ماكينات الديجيتال» التى يمكنها طباعة أى عدد، ولو نسخة واحدة، بسرعة وكفاءة، وهو أمر كارثى ودلالاته خطيرة، إذا ما نسبناه إلى شعب تعداده يفوق المائة مليون، أو إذا وضعناه فى المقارنة مع شعوب أخرى لها نفس تعدادنا، وربما ظروفها المادية لا تختلف عن ظروفنا.
ومع الأزمة الاقتصادية وإجراءات «إصلاح» الاقتصاد التى رفعت أسعار جميع السلع والخدمات، سُحق المواطن- القارئ، وهو عمومًا عنصر نادر فى هذه الأيام، الذى وجد نفسه محشورًا بين مطرقة عدم القدرة على شراء الكتاب «الشرعى» بسعره الغالى، وأحيانًا المُغالى فيه، وبين سندان الإقبال على شراء النسخة «المضروبة»، حتى مع علمه بأن هذا الأمر يضر ضررًا جسيمًا بصناعة مهمة ورائدة، هى صناعة النشر، وهو أمر محسوم سلفًا، إلا فى حالات نادرة لصالح الكتاب «المضروب».
ما الحل إذن للخروج من هذه المعضلة؟ نتابع فى المقال القادم.