رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنسيق إرهابى غير مفاجئ



وثائق سرية مسربة من المخابرات الإيرانية، حصل عليها موقع «إنترسيبت» الأمريكى ونشرتها، بالتزامن، جريدة «نيويورك تايمز»، كشفت عن اجتماع عقده عدد من قادة جماعة الإخوان، فى تركيا، مع مسئولين بارزين فى «فيلق القدس»، التابع للحرس الثورى الإيرانى، فى أبريل ٢٠١٤، للتنسيق ووضع إطار للتعاون بينهما.
لم نفاجأ بانعقاد الاجتماع أو بالتنسيق بين الجماعة والفيلق؛ لأن تركيا وقطر وإيران، هى أبرز الدول الراعية للإرهاب، وواضح وضوح الشمس أنها تتبنى منظومات عمل المتطرفين وأفكارهم، أما ما فاجأنا، فهو وصف يراين هوك، المبعوث الأمريكى الخاص بإيران، للقاء بأنه «اجتماع بين كيانين إرهابيين»، وأدهشنا وأضحكنا أن تشير الوثائق إلى أن تركيا رفضت منح تأشيرة دخول لقاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، حرصًا على المظاهر الإجرائية، وتجنبًا للحرج الداخلى ولفت الأنظار الخارجية، وعليه، لم يشارك سليمانى فى الاجتماع كما كان مقررًا، وأوكل رئاسة وفد الفيلق إلى «أبوحسين» أحد نوابه، بحسب ما ذكرت إحدى البرقيات المسربة.
الثابت هو أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، جعل بلاده مقرًا رئيسًا للتنظيم الدولى الإخوان، وراهن بعشرات المليارات من أموال الشعب التركى على نجاح التنظيمات الفرعية، فى ضم عدد من الدول إلى الدولة العثمانية أو «دولة الخلافة» المزعومة. كما أن العلاقات التاريخية، أيضًا، ثابتة بين «آيات الله» وجماعة الإخوان وما تفرع عنها من تنظيمات إرهابية، وتأسيسًا على تلك العلاقات، قامت إيران باحتضان تنظيم «القاعدة»، السُّنى، بعد الاحتلال الأمريكى لأفغانستان، قبل أن تعيد قطر تدويره.
الدولة الفارسية، إذن، هى الضلع الثالث فى مثلث أو الرابع فى مربع، أو إحدى الأنابيب «المواسير» الرئيسية المتصلة بـ«ماسورة المجارى الأم»، أو بجماعة الإخوان، واستخدمتها، كغيرها، لتتمكن من التأثير على المنطقة، بتكلفة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية قليلة جدًا، ولو تشككت فى أن جماعة الإخوان هى «الماسورة الأم»، التى تفرعت منها «القاعدة» وغيرها نحيلك إلى فيديو أصدرته مؤسسة السحاب التابعة للقاعدة، تحدث فيه أيمن الظواهرى عن لقاء جرى فى «بيشاور» جمع بين «أسامة بن لادن» و«مصطفى مشهور»، المرشد الأسبق لجماعة الإخوان، وأوضح الظواهرى أن بن لادن كان عضوًا فى جماعة الإخوان، وأن الجماعة هى التى أرسلته إلى أفغانستان «فى مهمة محددة» خلال حربها مع الاتحاد السوفيتى.
أيضًا، فى الدفعة الرابعة من ٤٧٠ ألف وثيقة، صودرت فى مايو ٢٠١١ بعد غارة على مجمع «أبوت آباد» بباكستان، حيث كان يختبئ زعيم القاعدة، ظهرت وثيقة كتب فيها «بن لادن»، بخط يده، أن علاقة قديمة ووثيقة ربطته بجماعة الإخوان، وأنه التزم بفكرها ونهجها، والأهم هو أنه نصح ثلاثة من أبنائه وإحدى زوجاته، بمغادرة إيران والتوجه إلى قطر، وقبل ظهور وثائق بن لادن بسنوات نقل لورانس رايت نقل شهادات عديدة فى كتابه «البروج المشيدة» أكدت أن «بن لادن» انضم سنة ١٩٧٤، وكان لا يزال طالبًا فى المرحلة الثانوية، إلى جماعة الإخوان التى «لم تكن تضم آنذاك غير الحمقى»، وبـ«الأمارة» كان المدعو جمال خاشقجى «صديق أسامة بن لادن»، باعترافه لرايت، بين من انضموا إلى الجماعة فى الوقت نفسه تقريبًا!
بهذا الشكل، كان طبيعيًا أن يعلن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيرانى، من العاصمة القطرية الدوحة، عن رفض بلاده للمساعى الأمريكية لإدراج «جماعة الإخوان» على قوائم التنظيمات الإرهابية، وأن يؤكد «حزب العدالة والتنمية» الحاكم فى تركيا، على رفضه تلك المساعى، بمجرد أن أعلنته سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أواخر يونيو الماضى، أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «تشاور مع فريقه للأمن القومى وزعماء بالمنطقة»، وأن إدراج الجماعة على تلك القوائم بدأ «يأخذ طريقه عبر الإجراءات الداخلية».
ما تم نشره من الوثائق المسربة، إلى الآن، ليس أكثر من خيط دخان، وما خفى أو قلب البركان، سيكون، قطعًا، أعظم أو أبشع، ويقع فى حوالى ٧٠٠ صفحة من تقارير خاصة بوزارة المخابرات والأمن الإيرانية، تعود إلى عامى ٢٠١٤ و٢٠١٥، ذكر «إنترسبت» أن صحفيًا بالموقع تلقاها من مصدر مجهول رفض مقابلته أو الكشف عن اسمه واكتفى بتعريف نفسه بأنه شخص يريد أن «يرى العالم ما تفعله إيران فى بلدى العراق».
.. وتبقى الإشارة إلى أن ما كشفته أو ستكشفه الوثائق المسربة، سيذهب مع الريح، ولن تتجاوز الحرب على الإرهاب مربعها الأول، ما لم يتم تجفيف المنبع أو «الماسورة الأم»، وما لم تتم محاسبة الدول التى أثبتت مئات، بل آلاف، الأدلة القاطعة دعمها الإرهاب، لأن مَنْ أمنوا العقاب لن يتوقفوا عن دعم الإرهابيين، وسيستمرون فى توفير الملاذات الآمنة لهم، وسيمنحونهم مزيدًا من المنابر الإعلامية، ليواصلوا عبرها غسل سمعتهم والتحريض على مزيدٍ من الإرهاب.