رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللحن الملعون.. 4 ملحنين و3 مطربين وفي النهاية ذهب إلى لبنان

مرسي جميل عزيز
مرسي جميل عزيز

قال مرسي جميل عزيز إن لحن "مال الهوى يامه"، له قصة عجيبة جدا، بدأ الأمر بحديث بين عزيز والملحن محمود الشريف، عن المطربة اللبنانية نجاح، وكان الحديث يدور حول صوتها وأي الألوان الغنائية يناسبها، بعدها طلب من عزيز أن يكتب أغنية لنجاح تحمل الملامح الشعبية للمصريين.

يكمل عزيز كتبت "مال الهوى"، وفرحت بها نجاح، وما كادت تكلف الملحن المعروف أحمد صدقي بتلحينها حتى فوجئت بظروف تضطرها للسفر إلى لبنان، وأخبرتني أنها ستعهد بتلحينها للملحن اللبناني فلمون وهبة، وطالت غيبة نجاح، وحاول كثيرون تلحين الأغنية وكنت أعتذر مجاملة لها.

وكان الملحن محمود الشريف يعرف ظروف الأغنية ويذكر ما كان بيننا من قبل عن نجاح، وفي إحدى سهراتنا أمسك بالعود وأخذ ينظر إلي بعينين شبه مغمضتين إلى أعلى وهو يدندن بألفاظ مبهمة للحن هزلي، فسألته "ماهذا"، وسكت برهة ليمسك بالعود ثانية ويغني "مال الهوى يامه"، وقال إنها مجرد فكرة خطرت له، وسكت لحظتها وأنا حزين لا أستطيع فعل شئ.

وعادت نجاح إلى مصر، وأذهلني أنها نسيت الأغنية خلال مشاغلها وتنقلاتها، ولم يلحنها فلمون وهبة ولا غيره، ولا شك أني تأثرت لذلك حتى أنني قدمتها للإذاعة فيما بعد حين طلبت مني أغان وتركت لها حرية التصرف.

وعهد محمد الشجاعي إلى كمال الطويل ليلحن الأغنية لكي تغنيها هدى سلطان، وما كاد الطويل يتم اللحن حتى انقطعت هدى سلطان عن الإذاعة لأسباب طارئة، واقترح كمال أن تغنيها نجاح مرة أخرى، ولكني لم استطع القبول لما سبق منها، وتمسك كمال بنجاح، وتمسكت بالرفض، وتدخل الأصدقاء، واتفقوا في النهاية على أن تغنيها نعيمة عاكف، وقبلت وتنازلت للمخرج حسن فوزي عن الأغنية.

وحدث أن خلافا وقع بين فوزي وكمال الطويل، فعهد بتلحين الأغنية لمحمد الموجي، ولحنها الموجي وهو لا يعلم شيئا عن الموضوع.

وحفظت عاكف الأغنية وسافرت إلى أوروبا، ولكن كمال لم يهدأ له بال وصمم على أن تغني لحنه المطربة نجاح رغم كل شئ، ولم تكد تحفظه حتى فوجئت بأنها لا بد أن تسافر لظروف مرة أخرى، وتركت مصر قبل أن تسجله.

وقفت الأمور بالأغنية حائرة حتى كدت أنساها، وذات ليلة سمعت صباح تغني "مال الهوى يامه" في الراديو، لم أصدق أذني، كيف حدث هذا ومتى، وماذا أقول لحسين فوزي ونعيمة عاكف؟ وماذا يقول الناس عني؟ ولم أنم ليلتها.

وأذيعت الأغنية كثيرًا، وطلبها المستمعون، ورددها الناس، ولكن كل هذا لم يساو الحرج الذي كنت أتوقعه عند رجوع نعيمة من السفر، ولا القضايا التي أتعرض لها.

وعادت نعيمة عاكف لتجد أغنيتها على كل لسان، الأغنية التي اشترت حق غنائها ودفعت أجر تلحينها، ولكني سارعت للقاء المخرج حسين فوزي بعد عودته مباشرة وشرحت له الأمر، وعرضت عليه حلولا ثانية، إما أن يتمسك بالأغنية ويطالب بإيقافها قانونيًا، وإما أن أرد له ما أخذت مضافًا إليه أجر اللحن الذي دفعه الموجي، وإما أن أكتب له أغنية جديدة تنطبق كلماتها على لحن الموجي.

وقدر حسين فوزي ظروفي واختار الحل الأخير، وكتبت له أغنية "نار الهوى جنة"، وأعجبته وأعجب نعيمة عاكف، وعادت لمال الهوى حريتها من جديد.

أما عن قصة الأغنية فيها شيء من الطرافة، فقد كنت في زيارة صديقين أزهريين هما الشيه بسيوني والشيخ محمود، وكانا يسكنان في حي شعبي، وكنت أتردد عليهما كلما تعبت من صخب الحياة التي أعيشها لأجد عندهما الجو المصري الخالص والقلوب الطيبة، وحديث الأدب الجميل، وكان الشيخ بسيوني والشيخ محمود وأنا نجلس لنتسامر، ولا أعرف لماذا بالذات تذكرت قصيدة بشارة الخوري..

أتت هند تشكو إلى امها... وسبحان من جمع النيرين
وقالت لها إن هذا الضحى... أتاني وقبلني قبلتين
وفر فلما رآني الدجى... حياني من شعره خصلتين

إلى أن تقول لها أمها..

عرفتهمو واحدا واحدا... وذقت الذي ذقته مرتين..

وكنت أروي القصيدة والشيخ ان يتمايلان، وأعجبني اعجاب الشيخين بها فرويت لهما الزجل اللبناني "البنت وامها" للأديب رشيد نخلة، وهو يعارض قصيدة هند.

قالت لاما تشتكي وع الوجنتين... حمرة الخجل صبت عليها دمعتين
قالت لها يا ميمتي فجر الضحى.. قبل جبيني غصب عني قبلتين
قالت لها يا ميمتي فجر الضحى... قبل جبيني غصب عني وما استحى

ولما عرف الشيخان أن قصيدة "هند" هذه عارضها أكثر من شاعر وزجال، طلبا مني أن اعارضها أنا الآخر بقصيدة أو زجل، قلت بل بأغنية، وعدت أروي القصيدة من جديد، وأنا أحس انفعالاتها واضحة على الشيخين، وانتهت سهرتنا وودعتهما وفي خيالي ظلال لهند وأمها، وما كدت اصل بيتي حتى عاودني الخيال الذي نسيته في طريقي من منزل الشيخين، وعبثا حاولت أن أكمل في كتابة برنامج غنائي كان علي أن أنتهي منه، ولكني وجدت خيالي يذهب مرة أخرى مني، فكتبت

مال الهوى يامه... مال الهوى يامه
ان لاملت اليه... ولا ندهت عليه
هو اللي مال يمه

وهي الأغنية اللبنانية المولد، المصرية الشكل والموضوع تماما كمطربتها صباح، وذلك حسبما ذكر مرسي جميل عزيز في مقال له بمجلة الكواكب.