رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصانة الجيش الأمريكى!



كلينت لورانس، ماتيو جولستين، وإدوارد جالاجر، ثلاثة من عناصر الجيش الأمريكى أدينوا بارتكاب جرائم حرب، نال الأول والثانى عفوًا رئاسيًا كاملًا، يوم الجمعة، أما الثالث فأعاد إليه الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، رتبة السابقة، التى كان القضاء العسكرى قد قضى بتخفيضها.
القضايا التى حوكم فيها الثلاثة منفصلة، اثنتان فى أفغانستان وواحدة فى العراق: جولستين لا تزال محاكمته جارية بتهمة قتل. ولورانس عقوبة بالسجن ١٩ سنة لارتكابه جريمتى قتل، أما جالاجر، فقد برأته المحكمة عن جرائم قتل، وأدين فقط بسبب صورة!.
الرئيس الأمريكى سبق أن أعلن عن دعمه لهؤلاء الجنود فى حسابه على تويتر، ووعد بإصدار العفو الرئاسى حال إدانتهم. ووقتها، شككت جريدة «نيويورك تايمز» فى احتمال صدور ذلك القرار بزعم أن مسئولين كبارًا، من بينهم مارك إسبر، وزير الدفاع، يعارضون العفو عن الجنود، ويرون أن تلك الخطوة ستقوض العدالة. لكن ما حدث هو أن القرار صدر، وقوبل بترحيب من وزارة الدفاع «البنتاجون» ومن نواب بالكونجرس، كانوا قد أطلقوا حملة للتضامن مع جالاجر، تبنتها «فوكس نيوز»، شبكة الرئيس الأمريكى المفضلة.
إدوارد جالاجر «٤٠ سنة» ضابط فى القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية (نيفى سيلز). وفى ٢ يوليو الماضى، وبعد محاكمة استمرت أسبوعين، قضت محكمة عسكرية فى سان دييجو بولاية كاليفورنيا ببراءته من تهمة قتل فتى عراقى مصاب فى ساقه خلال تلقيه العلاج، بطعنات سكين فى الصدر والرقبة، خلال مهمة، سنة ٢٠١٧، فى مدينة الموصل العراقية. كما قضت المحكمة أيضًا ببراءته فى اتهامات تتعلق بقتل مدنيين ببندقيته عالية الدقة. وأدين جالاجر فقط عن التقاطه صورة جماعية مع جنود آخرين قرب جثة الفتى العراقى، لأن هيئة المحلفين، المكونة من ٧ عسكريين، رأت أن تلك الصورة «أضرت بالقوات المسلّحة الأمريكية»، وطالبت بتطبيق العقوبة القصوى، فاستجابت المحكمة وقضت بحسبه ٤ أشهر، مع تخفيض رتبته العسكرية.
فى تقريرها السنوى ذكرت فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فى ٢٠١٦، أن القوات الأمريكية قامت بتعذيب ما لا يقل عن ٦١ معتقلًا على الأراضى الأفغانية، وأهانت كرامتهم الشخصية. وفى ١٥ نوفمبر ٢٠١٦، قال ممثلو ادعاء فى المحكمة الجنائية الدولية إن هناك أسبابًا أولية للاعتقاد بأن الجيش الأمريكى ارتكب جرائم حرب فى أفغانستان، وفى منشآت احتجاز سرية بمناطق أخرى، خلال عامى ٢٠٠٣ و٢٠٠٤. ووقتها ردّت إليزابيث ترودو، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، بـ«إن إجراء المحكمة الجنائية الدولية بحثًا أو تحقيقًا فى تصرفات عناصر أمريكية فى أفغانستان أمر غير مبرر وغير ملائم». وأوضحت أن «الولايات المتحدة ليست طرفًا فى نظام روما الأساسى»، الذى أنشأ المحكمة.
ولأن الشىء بالشىء يُذكر، نشير إلى أن قوة المهام المشتركة، أو ما توصف بـ«عملية العزم الصلب»، أجرت تقییمًا، فى يونيو الماضى، ورجّحت، فى بيان، «أن ما لا يقل عن ١٣٠٢ مدنى قتلوا دون قصد نتيجة لغارات التحالف». ومن وقتها، لا يزال التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة، ينظر فى ١١١ تقريرًا حول مقتل مدنيين، بالإضافة إلى ٧ تقارير وصفها بـ«غير الموثوقة» حول مقتل آخرين. وغير تناول BBC، لهذا التقييم أو البيان، فى ٩٦ كلمة، فقط لا غير. كان لافتًا أن المنظمات الحقوقية المشبوهة، التى تصدر تقاريرها حسب الطلب، كـ«هيومن رايتس ووتش»، أو «بيتش» وغيرها، لم تلتفت إلى كل هؤلاء المدنيين الأبرياء الذين اعترف التحالف بأنه قتلهم «دون قصد»، فى غاراته!.
الجيش الأمريكى فوق القانون، إذن، داخل الولايات المتحدة وخارجها. والأكثر من ذلك هو أن المنظمات الحقوقية أو وسائل الإعلام الدولية لا تلتفت إلى جرائمه ولا تضعها على جدول أولوياتها أو اهتماماتها. بدليل أننا لا نعرف شيئًا، إلى الآن، عن عناصر مشاة البحرية الأمريكية (مارينز) الـ١٦، الذين تم إلقاء القبض عليهم أواخر يوليو الماضى لتورطهم فى جرائم تجارة بالبشر، أو عن ٨ آخرين تم استجوابهم لدورهم فى جرائم مخدرات مفترضة، غير متصلة. ولا نعرف شيئًا أيضًا عن عنصرين من المارينز جرى احتجازهما، فى الشهر نفسه، بتهمة تهريب مهاجرين غير شرعيين، بعد أن عثرت السلطات فى الجزء الخلفى من سيارتهما، على ٣ مكسيكيين، دفعوا ٨ آلاف دولار، من أجل تهريبهم إلى الأراضى الأمريكية.
حتى لو أصدرت منظمات حقوقية تقارير، أو لو تناولت وسائل إعلام دولية أحداثّا وحوادث، فإن الرئيس الأمريكى سيضع ذلك كله تحت قدميه، كما سبق أن فعل مع تقارير طالت جينا هاسبل، واختارها مديرةً لوكالة المخابرات المركزية «CIA»، دون أى التفات إلى الجرائم التى بات فى حكم المؤكد أنها ارتكبتها، وأبسطها التورط فى برامج استجواب تحت التعذيب.