رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاحتباس الحرارى والحق فى الحياة «2»



يقول خبراء الأرصاد الجوية: إن ارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير جدًا سيصبح أمرًا مألوفًا للغاية مع نهاية القرن الحادى والعشرين حتى فى أوروبا. وقد سجلت السنوات العشرون الماضية المعدل الأشد حرارةً، وتتوقع الأمم المتحدة أن ثلثى سكان العالم قد يواجهون ندرة المياه بعد ست سنوات من الآن.
كثير من الناس، وحتى خبراء التنمية فى دول العالم الثالث، لم يكن التغير فى المناخ ضمن أولوياتهم، لكن ما حدث أن الواقع وآثاره بدآ يفرضان نفسهما، فقد كشف تقرير «المخاطر العالمية ٢٠١٦» الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى عن أن الفشل فى الحد من ظاهرة التغير المناخى والتكيف معه يشكل أبرز المخاطر، وهى المرة الأولى التى يتربع فيها خطر بيئى على قائمة المخاطر العالمية منذ البدء فى إصدار التقرير العالمى عام ٢٠٠٦.
ووفقًا للتقرير، فقد فاق التغير المناخى خطر أسلحة الدمار الشامل، الذى حل فى المرتبة الثانية، وخطر أزمة المياه، الذى حل فى المرتبة الثالثة، كما تفوّق على خطر الهجرة القسرية، الذى حل فى المرتبة الرابعة، وانخفاض أسعار النفط، الذى حل فى المرتبة الخامسة.
فقد أثَّر تغير المناخ على الناس، وأثر ذلك على حقوقهم فى الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وفى الصحة والتعليم والمأوى. لا يرتبط الأمر فقط بتقارير دولية توضح الخطر الداهم، لكن المواطنين العاديين فى إفريقيا والدول النامية بدأوا يحسون ويلمسون هذا الخطر، البسطاء الذين عاشوا حياة طبيعية فى قراهم، ولم يعانوا من الجوع، حيث كانوا يعرفون أن المواسم ستأتى كما هو متوقع لها، كانوا يعلمون متى يزرعون وكانوا يعرفون موسم الحصاد، وهكذا كان لديهم ما يكفى من الغذاء. ولكن، فى السنوات الأخيرة، لم يعد لديهم شىء سوى أزمنة طويلة من الجفاف، ثم الفيضانات، ومن ثم مزيد من الجفاف.. دمرت المدارس، وسبل العيش، ومحاصيلهم.
وما لا ندركه أو نتجاهل استيعابه حقيقة الخطر الذى يهدد الدول العربية نتيجة انعكاسات التغير المناخى عليها، فالدول العربية التى تقع على سواحل البحار والمحيطات هى الأكثر تأثرًا بتداعيات التغير المناخى، فحوالى ١٢٪ من الأراضى الزراعية فى مصر «دلتا النيل»، التى تعد من أخصب الأراضى الزراعية، هى فى خطر من ارتفاع مستويات البحار مترًا واحدًا، وتزداد هذه النسبة إلى ٢٥٪ مقابل ارتفاع مستويات البحار ٣ أمتار.
وفى لبنان بدأت مساحات الغابات بالتقلص من ٣٦٪ إلى أقل من ١٤٪ من إجمالى مساحة البلاد. وفى الأردن تتفاقم مشكلة مياه الشرب بسبب نقص الأمطار ما يضع المملكة ضمن أفقر الدول مائيًا عالميًا. كما أن العاصمة الموريتانية نواكشوط مهددة بالغرق من مياه المحيط وبالتصحر المتزايد، أما فى اليمن فقد تقلصت مساحة الرعى بسبب زحف البحر وزيادة ملوحة التربة.
وهذه النسب من التأثر البيئى ستنعكس على الأوضاع المالية والاقتصادية، ففى مصر، مقابل ارتفاع مستويات البحار مترًا واحدًا، سيكون أكثر من ٦٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى خطر، وسترتفع النسبة إلى أكثر من ١٢٪ مقابل ارتفاع مستويات البحار ٣ أمتار. وكلفة الأضرار التى يلحقها تغير المناخ على الاقتصاد اللبنانى ستصل إلى أكثر من ٨٠ مليار دولار فى العام ٢٠٤٠.
وتأتى مصر فى المرتبة الثانية بعد فيتنام فى قائمة الدول أو المناطق الأكثر تضررًا من ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويوضح تقرير لمشروع إدارة مخاطر تغير المناخ فى مصر أن الخسائر المصرية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية ستصل إلى ٤٩ مليار جنيه عام ٢٠٣٠، أى بعد عشرة أعوام فقط، وأن هذه الخسائر ستتضاعف لتصل إلى ٢٣٢ مليار دولار عام ٢٠٦٠، وأن أكثر القطاعات تضررًا الزراعة يليه قطاع السياحة. إن الشكوى المتذمرة من ارتفاع درجات الحرارة وطول الصيف والشتاء الذى لم يأت ما هى إلا قمة جبل الجليد، وما هو قادم لن يكون متعلقًا بماذا نرتدى؟ لكنه سيكون متعلقًا بطعامنا ومساكننا، مرتبطًا بوجودنا وحياتنا.. القادم أصعب، ويحتاج لتدابير جادة، وتوضيح الحقائق، وزيادة الوعى البيئى، لأن الخطر لا يبعد عنا كثيرًا ويمكنه أن يلتهمنا ويكون الطوفان.
وللحديث بقية.