رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطر تتحصن بالديمقراطية!



العنوان، بلا علامة التعجب، نشرته «وكالة أنباء الأناضول»، الخميس، ولولاه لواصلنا تجاهل الأمر برمته، بضم الراء أو كسرها، كما سبق أن تجاهلنا تراجع «الفتى تميم»، أو أولياء أمره، عن إجراء انتخابات «مجلس الشورى» القطرى، وتمديد فترة المجلس الحالى، المُعيّن، الذى لا يعرف القطريون غالبية أعضائه!.
هذا هو أصل الموضوع الذى لم تلتفت إليه، سابقًا أو حاليًا، وكالة أنباء «أردوغان»، وباقى أفرع أو تفريعات الآلة الدعائية التركية، القطرية، الإخوانية، وركزت فقط على إعلان ذلك الفتى الجالس على عرش الإمارة الصغيرة، عن إنشاء لجنة عليا للتحضير لانتخابات المجلس وإعداد مشروعات القوانين اللازمة، واقتراح البرنامج الزمنى لعملية الانتخاب.
الثابت هو أن دويلة قطر لم تشهد أى انتخابات برلمانية، فى تاريخها أو منذ تأسيسها. وحتى حال حدوثها، ستكون بلا جدوى أو «زى قلّتها» لأنك ستظلم البرلمانات وكل المجالس النيابية فى العالم، المتقدم والمتخلف، لو وضعت بينها «مجلس الشورى» القطرى، الذى يتكون من ٤٥ عضوًا فقط لا غير يتم تعيينهم بقرار أميرى. وحال إجراء الانتخابات، سيقوم القطريون بانتخاب ٣٠ وسيختار الفتى تميم أو أولياء أمره الـ١٥ الباقين، بنص الدستور القطرى الذى لم يمنح هذا المجلس أى سلطات تشريعية أو رقابية، وحصر كل صلاحياته فى إبداء المشورة، تاركًا الأخذ بها أو إلقاءها فى سلة النفايات، المهملات، أو الزبالة لأمير الدويلة!.
ما يوصف بـ«مجلس الشورى» القطرى، إذن، مجرد ديكور، وسيظل كذلك حال انتخاب ثلثيه. بالضبط كـ«دستور» تلك الدويلة الذى لم يتم اختراعه إلا قريبًا، واستغرق ست سنوات تقريبًا بدأت فى يوليو ١٩٩٩، حين أصدر حمد بن خليفة آل ثانى، الحاكم بالوكالة آنذاك، قرارًا بتشكيل لجنة لإعداد «دستور دائم». وانتهت باعتماد نتيجة الاستفتاء، فى ٨ يونيو ٢٠٠٤، وإعلانه عن «استكمال أسباب الحكم الديمقراطى لدولة قطر بإقرار دستور دائم للبلاد يرسى الدعائم الأساسية للمجتمع ويجسد المشاركة الشعبية فى اتخاذ القرار.. إلخ».
عشرات المواد التى تضمنها ذلك الدستور، أكدت أن واضعيه كذبوا حين زعموا، فى المادة ٥٩، أن «الشعب مصدر السلطات ويمارسها». وأكدت أيضًا أن الحاكم بالوكالة السابق، كان يكذب حين زعم أن ذلك «الدستور» يجسد المشاركة الشعبية فى اتخاذ القرار. إذ إن الوجه الوحيد لـ«المشاركة الشعبية»، كان تصويت الشعب فى الانتخابات التشريعية، الذى لم يحدث الآن، فى ظل عدم وجود أحزاب سياسية أو نقابات أو اتحادات عمالية فى الإمارة الصغيرة.
فى أبريل ٢٠٠٦ تم الإعلان عن إجراء الانتخابات التشريعية فى السنة التالية، سنة ٢٠٠٧، وفقًا لبيان أصدره حمد بن جاسم، رئيس الوزراء، وزير الخارجية السابق. لكن تلك الانتخابات لم تحدث، وقيل وقتها إنه تم تشكيل «لجنة استشارية» لدراسة الموضوع انتهت إلى إجراء الانتخابات فى يونيو ٢٠١٠، وأيضًا مر ذلك الشهر، ويونيو الذى يليه، والذى يليه واستمرت حلقات ذلك المسلسل الممل، إلى أن قام «الفتى تميم»، بالتمديد للمجلس المُعيّن ثلاث سنوات، اعتبارًا من ١ يوليو ٢٠١٦، حتى تنتهى الاستعدادات اللازمة.
لم تلتفت الآلة الدعائية التركية، القطرية، الإخوانية، وعلى رأسها «الجزيرة» وأخواتها، إلى أن السنوات الثلاث انتهت فى ٣٠ يونيو الماضى. وتجاهلت قرار الفتى تميم بمد مدة المجلس المعين سنتين، تبدأ من أول يوليو ٢٠١٩ وتنتهى فى ٣٠ يونيو ٢٠٢١. وفوجئنا، الخميس، أى بعد مرور مائة يوم تقريبًا، بوصلات من التهليل و«التطبيل»، تفوقت فيها وكالة أنباء أردوغان، على الجميع بزعمها أن إنشاء لجنة التحضير للانتخابات «يتوج مسيرة إصلاح» و«يسهم فى نشر ثقافة جديدة، فضلًا عن تحصين الدولة»!.
الوكالة نقلت عن المدعو جابر الحرمى، الكاتب القطرى، الرئيس التنفيذى لمؤسسة «دار العرب»، وصفه للقرار بأنه «حكيم ومدروس ويعبر عن رؤية مستقبلية من القيادة القطرية». وفى مقال نشرته جريدة «الشرق» القطرية كتب عبدالعزيز الخاطر، إنه «قرار ينتظره المجتمع منذ أمد»، وأن «المجتمع سيبتهج فى أول انتخابات ستجرى أيّما ابتهاج». كما وصفت جريدة «القدس العربى» التى تصدر فى لندن بتمويل قطرى، القرار بأنه «خطوة بالغة الأهمية على طريق تطوير الحياة الديمقراطية فى البلاد». ولو كان لديك متسع من الوقت يمكنك أن تلجأ إلى محرك البحث، وستجد نماذج مبهرة من التهليل و«التطبيل» والتدليس و.. و.. وخلافه!.
أخيرًا، وسواء ظل الوضع على ما هو عليه أو جرت الانتخابات بعد سنتين أو قرنين، فإن ما يوصف بـ«مجلس الشورى» القطرى لم يضم غير ٤٥ غلامًا أو عبدًا من المحسوبين على تركيبة الحكم أو المرتزقة الذين تحركهم أجهزة مخابرات دُول، عبر الأستاذة «موزة» وولدها أو باقى أفراد «العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة.