رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الحب المصرى




عندما خرج الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مصطفى أمين من السجن فى يناير ١٩٧٤، تصادف أن شاهد فى حى السيدة زينب نعشًا يسير وراءه ثلاثة من الرجال فقط، فاندهش من هذه الوحشة التى لا تناسب علاقات أهل الحى المشهور بالترابط والتآخى، هنا سأل أحد المارة عن الرجل المتوفى؟ فقال له: رجل عجوز بلغ من العمر السبعين، لكنه لم يكن يحب أحدًا، فلم يحبه أحد.
بعد هذه الإجابة أخذ الكاتب الصحفى على عاتقه المناداة والدعوة بتخصيص يوم يكون عيدًا للحب يراجع فيه كل إنسان حساباته مع نفسه ومع كل من حوله، وأعلن أن يوم ٤ نوفمبر هو يوم الحب المصرى، وقد لاقى مصطفى أمين الكثير من الهجوم ولم تقابل فكرته بأى حماس وقتها، لأن أغلب الناس اعتقدوا أنه يطالب بعيد للعشق والغرام.. إن ٤ نوفمبر من كل عام هو عيد الحب المصرى الذى ابتكره الراحل «مصطفى أمين» فى محاولة لإعادة مشاعر الحب والود بين الناس، وهو ليس عيدًا للعشاق كيوم الفالنتين الذى يوافق ١٤ فبراير، ولكنه يوم حب للجميع.
الحياة دون حب لا تساوى شيئًا، وعندما تختفى المحبة من قاموس حياتنا، تنضب العواطف، وتتحجر الأفئدة، وتتصلب المشاعر، وتتجمد الأحاسيس، والشخص الناضج هو الذى يحب ليس فقط المغايرين لمعتقداته، بل ويحب أعداءه أيضًا، فما أعظم ما يفعله الحب فى كيان الإنسان! إنه يؤصل فيه الثقة والإخاء والشجاعة والأمل والسلام والرجاء، فالذين لم يحبوا لم يعرفوا للحياة طعمًا أو معنى أو لذة، والذين يحيون حياة الأثرة لا الإيثار، الأنانية لا الغيرية، فإنهم يكرهون كل الناس ولا يحبون إلا أنفسهم فقط، إن من ينثر فى طريق حياته بذار الحب لن يحصد إلا حبًا، إن أتعس وأشقى إنسان فى هذا الوجود هو من لا يحب أحدًا ومن لا يحبه أحد، والحب ليس شعورًا نصفه، ولا شعارًا ننادى به، ولا أنشودة نتغنى بها، لكنه فى حقيقته هو العطاء بلا حدود، الحب فى جملته وفى قمة كماله وجماله هو بذل الحياة دون مقابل، وتقديم النفس قربانًا على مذبح التضحية من أجل الآخرين دون ثمن!! إن الديانة الحقيقية ليست عبارات براقة، وليست كلمات طنانة أو عظات رنانة، ولكنها مشاعر نقدرها ودمعة نمسحها وبسمة نبعثها.