رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيانات برلمانية للهَبْد فقط!


لا شىء غير الرغبة فى افتعال جدل، قتل الفراغ، أو اصطناع بقعة ضوء، يفسر قيام برلمانيين بإطلاق تصريحات عبثية أو إرسالهم بيانات للصحف والمواقع الإلكترونية تتضمن مزاعم بشأن تقديمهم طلبات إحاطة، استجوابات، بيانات عاجلة أو مشروعات بقوانين، تفاجأ حين تقرؤها بما يؤكد أن هؤلاء تشابهت عليهم المصطلحات واختلطت لديهم المفاهيم ولم يقرأوا، من الأساس، لائحة مجلس النواب.
مرار طافح، أمر من العلقم، من الصبار ومن الحنظل. والحنظل، نبات برى من فصيلة القرعيات، يشبه البطيخ لكن فى حجم البرتقالة، وبداخله حبات مُرة، توصف بـ«الهبيد». ومنها جاء هَبَدَ، يَهْبِدُ، أى كسَرَ حبات الحنظل وطبَخها. ما يعنى أن الهبد قريب لغويًا، من الهرى: هرَى، يهرِى، هَرْيًا، فهو هارٍ، والمفعول مَهْرِىّ. ويقال هرى الشىء أى شقه ليقوم بتوسعته، وهرَى ثيابَه أى أبلاها أو أتلفها. وهذا، تقريبًا، ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعى.
هبد اليومين الماضيين، قام على مزاعم قيام برلمانية مصرية بتقديم «مشروع قانون» يجرّم كل ما من شأنه المساس بالذوق العام والتقليل من احترام الثقافة والتقاليد المصرية أو الإساءة إليها. ونقلت صحف ومواقع إلكترونية عن بيان أصدرته البرلمانية، النائبة أو «النايبة»، أن مشروع القانون الذى تقدمت به يختص بالأماكن العامة، وهى المرافق العامة التى يرتادها عامة الشعب المصرى سواء مجانًا أو بمقابل، مثل دور السينما والمقاهى والمطاعم والملاعب و.. و.. إلخ.
بعد تعريف هلامى أو عبثى لـ«الذوق العام»، وبعد توجيه النصيحة لكل من يرتاد مكانًا عامًا باحترام القيم والعادات والتقاليد، والثقافة السائدة فى جمهورية مصر العربية، ستجد فى البيان كلامًا بديهيًا عن عدم جواز الكتابة أو الرسم أو ما فى حكمهما على جدران فى مكان عام أو أى مكون من مكوناته أو موجوداته أو أى من وسائل النقل، ما لم يكن مرخصًا بذلك من الجهة المعنية. وفيه أيضًا كلام عجيب وغريب عن عدم السماح فى الأماكن العامة، بأى قول أو فعل فيه إيذاء لمرتاديها أو الضرر بهم أو يؤدى إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر.
بين البديهى، العجيب، الغريب والعبثى، جاءت مواد البيان، التى نصت على أنه «لا يجوز الظهور فى مكان عام بزى أو لباس غير محتشم، أو ارتداء لباس يحمل صورًا أو أشكالًا أو علامات أو عبارات تسىء للذوق العام. و.. و.. وتركت لوزير الداخلية بالتنسيق مع الوزارات المعنية تطبيق أحكام اللائحة والآليات المناسبة لإيقاع العقوبات وتحديد جهات الضبط الإدارى والآليات المناسبة لإيقاع العقوبات و.. و.. وصولًا إلى «المادة الأخيرة» التى نصت على تولى وزارة الداخلية مع الوزارات المعنية، تصنيف المخالفات، وتحديد الغرامات المالية المقابلة لكل عقوبة منها، وفق جدول لهذا الغرض!.
قبل أن تقول إن هذا الكلام هلامى، مطاط أو فارغ ويصطدم بمواد فى الدستور، نرى ضرورة توضيح أن المادة ١٥٨ من لائحة مجلس النواب، نصت على أن يعرض الرئيس «رئيس مجلس النواب» على المجلس مشروعات القوانين المقدمة من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو عُشر أعضاء مجلس النواب، ليقرر المجلس إحالتها إلى اللجان النوعية المختصة، وللرئيس أن يحيلها إلى اللجان النوعية المختصة مباشرة ويخطر المجلس بذلك فى أول جلسة. ويجوز للمجلس بناء على طلب رئيسه أو بناء على طلب الحكومة أن يقرر تلاوة المشروع على المجلس عند إحالته إلى اللجنة، كما يجوز لرئيس المجلس أن يقرر إتاحة المشروع ومذكرته الإيضاحية لأعضاء المجلس جميعًا، على أن يتم قبل المداولة فيها بالمجلس، أخذ رأى الجهات والهيئات التى أوجب الدستور أخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لها أو التى تتعلق بمجال عملها.
بحسبة بسيطة، ستجد أن اللائحة لا تتيح التقدم بمشروع قانون إلا لـ٦٠ نائبًا على الأقل. وبالتالى، يكون ما أعلنت عنه النائبة، فى بيانها المتداول، مجرد «اقتراح بقانون» وليس «مشروع قانون». والاقتراحات بقوانين، المقدمة من أقل من عُشر أعضاء المجلس، كما نصت المادة ١٨٣ من اللائحة، يحيلها رئيس المجلس إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى لفحصها وإعداد تقرير عنها للمجلس، يتضمن الرأى فى جواز نظر الاقتراح أو رفضه أو إرجائه، ولها أن تشير على المجلس برفض الاقتراح لأسباب تتعلق بالموضوع بصفة عامة.
تأسيسًا على ما سبق أو استنادًا إليه، نكون أمام «لا شىء»، «لا شىء» حرفيًا: مجرد اقتراح بقانون، سيرقد بسلام فى إحدى سلات مهملات المجلس. وعليه، نرى ضرورة أن يضع عقلاء شبكات التواصل الاجتماعى، حدًا للهبد والهرى بشأنه، وأن تكتفى الأستاذة النائبة أو «النايبة» بهذا القدر من العبث، مع نصيحة واجبة بأن تقتل فراغها وأن تملأ وقتها أو دماغها، بشىء مفيد كقراءة لائحة مجلس النواب مثلًا!.